خبر كتب د.اياد السراج : في اسرائيل...صديقي... ممثل حزب الله ... وآخرين!!

الساعة 06:20 ص|30 يونيو 2010

كتب د.اياد السراج : في اسرائيل...صديقي... ممثل حزب الله ... وآخرين!!

التفت السائق وملامح وجهه توحي بالغضب وسالني بالعبرية مافهمت انه" هل انت عربي؟ خفت ان ينزلني في الشارع فاجبته باللغة الانجليزية" انجليزي لوسمحت".  هدأ السائق قليلاً قبل ان يعاود السؤال باللغة الانجليزية " هل انت مصري قادم للعلاج؟" قلت "ان الطب في اسرائيل متقدم وكنت اتمنى ان يكون السلام كذلك" فانتفض قائلاً"ان اسرائيل دولة تريد السلام وقد وقعت معكم في مصر اتفاق سلام ولكن هناك"حماس" و"الجهاد" الذين لا يريدون السلام او حتى الاعتراف باسرائيل" فقلت" ولماذا لاتتفاهمون مع حماس"؟   فرد" انهم لا يعرفون إلا لغة القوة وللاسف فإن إسرائيل لم تنجز المهمة في غزة وكان لا بد من القضاء عليهم" قلت " لكن الحروب لا تحل المشاكل وانما المفاوضات والتفاهم" فقال بسرعة" هانحن نتفاوض مع ابو مازن ولكنه ضعيف وهذه مشكلة فقلت لقد كان ياسر عرفات قوياً وقادراً ولكن اسرائيل لم تصل معه إلى تفاهم فقال" عرفات لم يكن ديموقراطيا بل فاسداً ومراوغاً".  فقدمت له الاستنتاج من كلامه "انت تقول اذن ان لا تفاهم مع حماس المسلحة ولا مع ابو مازن الضعيف ولا مع عرفات القوي" فما شكل القيادة الفلسطينية التي تريدونها؟ أم ان حكوماتكم تتهرب من السلام؟ فرد وكان يهرب من الاجابة "ان السياسة تجلب المشاكل".

 

وفي مساء ذلك اليوم زارني صديق اسرائيلي وعالم في النفس وفسر حديث السائق بانه يعبر عن ان التطرف اصبح جماعياً وهناك حالة عقلية جامدة لن تتغير إلا بالضغط العالمي فسالته إن كان هناك امل في إحياء معسكر السلام في اسرائيل؟  فقال قبل أيام قام حوالي ثلاثة الاف متظاهر بالتجمع في ساحة وسط تل ابيب للاحتجاج على مذبحة اسطول الحرية والمطالبة بانهاء الحصار والاحتلال". 

 

فقلت" إن هذا عمل شجاع" فرد بسرعة انه في هذه المظاهرة  تم الاعتداء على اوري افنيري وهو في الثمانين من عمره وكان المعتدون من غلاة المتطرفين الذين اشاعوا جواً من الكراهية ضد محبي السلام والمطالبين بانهاء الاحتلال. 

 

واستطرد صديقي يقول" لقد دعتني احدى الجامعات للاشتراك في حوار مع بعض اصحاب الاتجاهات السياسية في المجتمع منهم هؤلاء المتطرفين والعنصريين ولما وافقت على ذلك مشترطاً ان يكون الحوار حضارياً دون المساس بحرية التعبير فإنهم وزعوا منشورات يصوروني فيها على اني امثل حزب الله في إسرائيل وهو تحريض سافر ضدي ولذلك رفضت الاشتراك."

 

أصابني ذلك بالدهشة والالم، فصاحبي هذا تم اعتقال ولده لرفضه الخدمة في جيش الاحتلال وثم مراقبة زوجته والاستيلاء على جهاز الكمبيوتر الخاص بها(ليست الاجهزة الامنية الفلسطينية وحدها تستولي على المعلومات!) وهذه القصة وحدها دليل على مدى سيطرة العقلية القمعية في إسرائيل وانتهى صديقي بالقول أنه يخشى أن تقوم الحكومة الاسرائيلية بحرب جديدة تحاول فيها التخلص من أزماتها.

 

في اليوم التالي تجمع مائة الف من المتدينين  اليهود في القدس في تظاهرة ضد قرار صادر من المحكمة يقرر المساواة والاختلاط بين الطلاب في المدارس الدينية  من اصول شرقية وغربية و(كلهم يهود)، فلم يعجب القرار المتدينين الغربيين الذين يعتبرون المتدينين الشرقيين (من اصول عربية)، في درجة ادنى حتى دينياً! "إلى هذه الدرجة" قلت لصاحبي الباحث في السلام "تصل الامور في اسرائيل بين اليهود ذاتهم فأي أمل هناك في الوصول إلى سلام وأمان بين اليهود والعرب؟"

 

تدخل ثالث في الحديث قائلاً بشكل قطعي " ان اليهود يتوحدون بسبب حالة العداء مع العرب وفي اللحظة التي يختفي ذلك فان العنف الداخلي سيسيطر على اسرائيل بين اليهود انفسهم"

 

        في امسية اخرى جلست مع استاذة جامعية في علم النفس وتحدثنا عن آخر المستجدات في الابحاث العلمية. فقالت "ان احدث الدراسات تقول ان استعمال "الماريوانا" "الحشيش" يؤدي ألى نتائج طيبة لدى المصابين بالصدمات ويتحسن لديهم النوم والتركيز ويتولد لديهم شعور بالهدوء والتفاؤل وتزول من الوعي صور الحوادث الصادمة". واضافت بانها تاكدت من ذلك مع الحالات المرضية التي استعملت الحشيش.

 

فسالت مندهشاً "وكيف يمكن للناس ان يصلوا إلى الحشيش وهو ممنوع بالقانون؟" فردت بانه قد تم اقرار السماح بصرفه باعتباره وصفة طبية في كثير من بلدان العالم بما فيها اسرائيل! لم اتمالك نفسي من ضحكة عالية استغرب من حولي لماذا اضحك حتى قلت لهم ان نظام الرئيس عرفات قد امر بحبسي جراء انتقادي لانتهاكات حقوق الانسان والفساد ولكنه حاول التحايل على ذلك بأن وجه لي تهمة الاتجار في الحشيش وهي تهمة اضحكت الناس وحيث ان غزة قد انهكتها الحرب والحصار الاسرائيلي وهناك عدد كبير من المصابين بالصدمة العصبية فاني اتساءل كيف سنطلب رسمياً ادخال الحشيش إلى غزة ؟!

 

وفي اليوم التالي اطلعني صديق يعمل في تجارة الاسماك انهم نجحوا في تربية انواع السمك في بركة خاصة قعد احكام السيطرة على الماء والهواء والغذاء اللازم ولكنه قال انهم لم ينجحوا إلا أخيرا في  تربية سمك |"اللوكس" حيث كانت تموت افراخ السمك خلال ثلاث اسابيع من فقس بيضاتها.. ولكنه أخيراً استمر في الحياة حوالي 5% من الاسماك بعد الثلاث اسابيع الحرجة من عمرها وهذه علامة جيدة تبشر بالخير. وتساءلت معه لماذا لا تسمح حكومة الاحتلال للصيادين في غزة من صيد السمك في البحر صيداً طبيعياً هادئاً ولماذا تعتبر صيد السمك خطرا على امن اسرائيل! وقلت مازحا " ربما يحاولون تشجيع بضاعتك" فرد قاطعاً "ان كل ما اتمناه واريده هو ان يعيش الناس في غزة بحرية وامان مثل كل الناس وأني |أعتبر إن حكومة إسرائيل ترتكب الجريمة تلو الجريمة بحقكم"، وسرح قليلاً ثم قال" ألا يكفي اننا سرقنا منكم بيوتكم وارضكم وازياؤكم المطرزة والفلافل؟؟" واستطرد "لقد عرفت مؤخرا ان كلمة (صبابا) هي كلمة اصلها يافاوي ونحن اليوم نستعملها في اسرائيل وكانها كلمة عبرية"... ووجدته يبتسم بمرارة ويقول" لو ان الدنيا رجل قائد شجاع لاعلى على الملأ ان اسرائيل قد اساءت واجرمت في حقكم وان يطلب منكم السماح والمغفرة والاستعداد لدفع الديَة، وهي الشروط الصحيحة "للصلحة" او السلام، لكن السياسيين لا يريدون إلا مصلحتهم الشخصية والبقاء في الحكم والسيطرة ولو ان سياستهم تهدد بلادهم بالخراب...

 

في مساء أخر قابلت سياسياً مخضرماَ قادم من عالم الاقتصاد والنجاح فقال ان الحالة الاسرائيلية على مفترق طرق وانه يخشى ان رد الفعل التلقائي الاسرائيلي للخروج من الازمات هو اللجوء للحرب، وخاصة وان القيادة الاسرائيلية ممثلة في نتنياهو الذي لديه عقدة ارضاء ابوه المتطرف وباراك الذي احتشد تاريخه بالمغامرات الحربية والقتل المبرمج، تفتقد الشجاعة والحكمة. وخاصة اذا وجدوا تشجيعاً عربياً!

 

وانتهى السياسي المخضرم بالتنبؤ بان الاشهر القادمة ستشهد حراكاً سياسياً غير مسبوق في اسرائيل وانه يتوقع سقوط الحكومة وسقوط باراك وانتخابات جديدة ربما تأخد جانب الحكمة والشجاعة وتمنى الا تورط الحكومة الاسرائيلية الحالية المنطقة والعالم بحرب جديدة.

 

        في امسية هادئة نسميها عليل قابلت رجل ذو شان دولي وسألته كيف يرى الامور بعد خلخلة الحصار واعتراف حكومة اسرائيل بفشله، فقال انه يتمنى ان يتم انهاء الحصار تماما وسالته ان كانت الخطوة التالية ستكون إعادة فتح المعابر كلها وفتح المعبر الآمن بين الضفة الغربية وغزة حيث ان حرية الانسان في التنقل اهم من حرية البضائع والتواصل بين الفلسطينيين هو الذي يمهد الطريق للمصالحة الوطنية فرد انه من الضروري ان تتم هذه المصالحة حتى يمكن ان تسير عملية السلام فسالته رايه في ان نتخلص من الورقة المصرية التي اصبحت عبئاً عن طريق تشكيل حكومة واحدة وان تتولى هذه الحكومة شؤون الانماء واعادة الاعمار وبناء المؤسسات، كل ذلك بالاتفاق بين جميع الاطراف على هدنة لمدة سنتين يتم خلالها وقف كل اعمال العنف والتحريض بين الفلسطينيين انفسهم وبينهم وبين اسرائيل. وقال انه لا بد من المبادرة قبل ان تلجا اسرائيل للحرب من جدبد.

 

 في الصباح قابلت الطبيب الذي طمانني ووضع خطة العلاج وهذا الطبيب فلسطيني من غزة ويعمل في احد مستشفيات تل ابيب وهو ذاته الذي تخرج من المانيا ولم يجد عملاً في غزة وتقدم للامتحان التخصص في اسرائيل فحصل على المرتبة الاولى وتلقفته مستشفى هاداسا وعينوه اخصائيا نظراً لتفوقه تصديقاً للمثل "لاكرامة لنبي في ارضه". وسالني الطبيب المداوي وهو يتنهد "الى اين تسير غزة.. إلى اين تسير فلسطين..؟  "قلت وقلبي مفعم بالامل... إلى الخير والتقدم والسلام وطالما يوجد امثالك من الحريصون على الانسانية وعلى الحق في فلسطين وفي العالم كله فاننا ماضون الى الخير ان شاء الله.

 

واستطردت "ان المشكلة ليست سهلة ومضاعفات قيام اسرائيل والحروب على الجميع خاصة علين نحن الفلسطينيين كانت كثيرة وقاسية واخطرها هو هذا التمزق المجتمعي والسياسي والجغرافي.  لكننا ايضاً ننتصر على الظلم كل يوم.  ان علينا ان ننتبه وان نتعلم وان نكون في صف المقاومة التي لا تفرط في الحقوق لكنها لا تظل في موقع الدفاع بل تتقدم بالمبادرات والخطط لبناء الانسان والوحده والحرية والدولة  ولمحاصرة التطرف والعنصرية ولدينا الكثير من المواهب والعقول"..

 

وودعت النطاسي البارع شاكراً وممتناً عائداً إلى غزة وفي قلبي حنين وفي عقلي تتسابق الأفكار كيف لا نقع في فخ حرب جديدة تسرع اليها الحكومة الاسرائيلية؟