خبر التهديد بحل السلطة من أجل حلها أو إنقاذها؟.. هاني المصري

الساعة 06:49 ص|29 يونيو 2010

التهديد بحل السلطة من أجل حلها أو إنقاذها؟.. هاني المصري

 

للمرة الثالثة خلال أقل من عام أكد مسؤول المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات أن خيار حل السلطة الفلسطينية سيكون مطروحاً بقوة قريبا إذا لم يتم التوصل الى حل الدولتين دون أن يحدد سقفاً زمنياً.

جاءت أقوال عريقات في سياق ندوة أقامها معهد السلام الدولي في نيويورك بشأن الوضع في الشرق الأوسط بحضور الوزير الإسرائيلي دان ميردور.

وطالب عريقات الأمم المتحدة و"الرباعية" والإدارة الأميركية بالضغط على إسرائيل لإقامة دولة حتى نهاية هذا العام مؤكداً أن السلطة الفلسطينية لن تقدم في المقابل على إعلان استقلالها من جانب واحد.

ذكرني تهديد عريقات المتكرر بحل السلطة تارة وبالدولة الواحدة تارة أخرى بالقصة الشهيرة التي رويت لنا صغاراً حول الراعي والذئب والقرية:

في احد الأيام قام الراعي لكسر الملل ومن أجل التسلية بالصراخ طالباً النجدة من أهل قريته مدعياً أن الذئب يهاجم الغنم، فهبت القرية عن بكرة أبيها لنجدته، وعندما وجدت ان الأمر مجرد مزحة سمجة عادوا الى بيوتهم وأعمالهم وهم يشتمون الراعي الكذاب، بعد عدة أيام كرر الراعي المزحة مرة أخرى، فهبت القرية لنجدته ووجدت الأمر هذه المرة كذبة مثل المرة السابقة.

بعد مرور وقت جاء الذئب فعلاً وأخذ ينهش بالغنم الواحدة إثر الأخرى والراعي يصرخ من أجل النجدة، ولكن ليس هناك من مجيب، فلا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، فكيف ثلاث مرات.

عريقات يهدد للمرة الثالثة بحل السلطة تارة وبخيار الدولة الواحدة تارة أخرى، وكأن السلطة التي نظر لها هو وغيره باعتبارها إنجازاً تاريخياً حققه الشعب الفلسطيني، أصبحت بقدرة قادر عبئا على القضية الفلسطينية ومكسبا صافيا لإسرائيل.

إذا كانت كذلك فيجب حل السلطة دون تأخير ولا تهديد ولا تردد، ومراجعة مجمل السياسة التي أدت إليها.

إن السلطة احدى ثمرات عملية التسوية واتفاق أوسلو، وهي سلطة ولدت مقيدة بقيود ثقيلة مجحفة، وساهمت في تشويه طبيعة الصراع، لأنها أوحت بأنه قد حل أو في طريقه للحل، وأعفت الاحتلال من مسؤولياته عن الشعب الواقع تحت الاحتلال، وأدت في سابقة لا نظير لها في التاريخ، الى التخلي عن المقاومة وأوراق القوة الفلسطينية قبل أن تحقق حركة التحرر الوطني الفلسطينية أهدافها، ونشرت الوهم حول إمكانية قيام الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، وعن طريق إثبات الجدارة وتقديم حسن السلوك واعتماد المفاوضات فقط.

لكن السلطة رغم كل ما سبق أصبحت أمراً واقعاً، وأصبحت مسؤولة عن تقديم الخدمات لجزء من الشعب الفلسطيني، الواقع تحت الاحتلال العام 7691، وهي ثمرة اتفاق دولي، وأدت الى تحرر إسرائيل من مسؤوليات وصلاحيات محددة، وأعطتها لسلطة حكم ذاتي، حتى لا يؤدي استمرار الاحتلال الى قيام دولة واحدة من النهر الى البحر، التي من شأنها أن تقضي على إسرائيل بوصفها دولة يهودية.

ان حل السلطة لن يؤدي تلقائياً الى عودة الصراع الى طبيعته الأصلية، كصراع بين الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال، ولن يعود الاحتلال المباشر، ولن يؤدي بالضرورة الى العودة لأيام مجد المقاومة المسلحة، وإنما سيؤدي حل السلطة الواحدة، على الأغلب، الى نشوء ظاهرة السلطات المحلية المتعددة التي تتنازع فيما بينها، وتستنجد الواحدة منها بالاحتلال ضد الأخرى، ما سيؤدي الى نشوء حالة من الفوضى والفلتان الأمني، ستكون الفوضى السابقة بالنسبة لها نعيما نرحب بعودته.

ولن يؤدي حل السلطة أيضاً الى قيام الدولة الواحدة، لأن الذي منع قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 (وهو إسرائيل) سيكون قادراً على منع الخيار الأخطر والأسوأ عليها وهو الدولة الواحدة.

ان السلطة انجاز وطني، كما جاء في النقطة الخامسة في وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني) التي أجمعت جميع الفصائل والأحزاب عليها وطالبت بـ "حماية وتعزيز السلطة الوطنية الفلسطينية باعتبارها نواة الدولة القادمة. هذه السلطة التي شيدها شعبنا بكفاحه وتضحياته ودماء وعذابات أبنائه".

ان حل السلطة بات مطروحا بقوة بعد فشل مسيرة المفاوضات وانعدام الأمل بقدرتها على التوصل، الى حل وطني، وبعد ان ثبت ان الجمع بين السلطة والمقاومة المسلحة، كأسلوب استراتيجي للكفاح سقط بعد الانتفاضة الثانية التي كانت حصيلتها دماء ودمارا وموتا وخسائر أكبر بكثير من الإنجازات التي تحققت.

ولكن التجربة اثبتت أيضا، خصوصا في هذا العام أن هناك إمكانية للجمع بين السلطة والمقاومة الشعبية بكل أشكالها، بما فيها مقاطعة الاستيطان عملاً وتعاملاً وتجارة، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية التي يمكن الاستغناء عنها، ومقاومة التطبيع مع إسرائيل ومقاطعتها دولياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً وإعلاميا وقانونياً، والعمل من اجل ملاحقتها من أجل الوصول الى مرحلة يمكن فيها فرض العزلة على إسرائيل، وممارسة العقوبات التي يحددها القانون الدولي على الجرائم التي لا حصر لها التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي.

إذا عادت السلطة الى مكانها الطبيعي كأداة في يد المنظمة ولخدمة المصلحة الوطنية والبرنامج الوطني، وليس سلطة بديلة أو موازية للمنظمة، تكون مرحلة على طريق دحر الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.

في هذا السياق يكون المطلوب هو تغيير شكل ووظائف السلطة لا حلها، بحيث تصبح سلطة مختلفة عما هي عليه حتى الآن.

سلطة ترفض الالتزام بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل من جانب واحد، وترفض أن يكون هناك تعامل وتنسيق امني مع إسرائيل في وقت تواصل فيه إسرائيل العدوان والاستيطان والعنصرية والتوسع وتهويد وأسرلة القدس وفرض الحصار الخانق على قطاع غزة، وتتنكر لكل المبادرات والجهود والقرارات العربية والدولية التي تهدف الى صنع السلام.

طبعا يمكن أن تقوم إسرائيل ردا على تغيير شكل ووظيفة السلطة، بشن الحرب على السلطة، ويمكن أن تؤدي هذه الحرب الى انهيار السلطة، ولكن هذا شيء والدعوة أو التهديد بحل السلطة شيء آخر مختلف تماماً يمكن ان يحرك العالم لفرض حل للصراع لا يناسب إسرائيل.

اخشى ان بعض من يدعون أو يهددون بحل السلطة هم الأكثر تمسكاً بها، لأنها حققت لهم نفوذاً ومصالح لم يحلموا بها، أو لأنهم يطمحون للقفز على سدة القيادة في السلطة لأخذ حصتهم من المناصب والمكاسب والثروات.

ان مثل هؤلاء وأولئك يدعون لحل السلطة لتكتيك من أجل إنقاذها على أساس القناعة بأن السلطة باتت مصلحة إسرائيلية وأميركية ودولية، وحلها يفتح الاحتمالات المرعبة التي يخشاها الجميع.

إن المشكلة كانت ولا تزال تكمن في استمرار السير وراء استراتيجية "المفاوضات حياه"، استراتيجية المفاوضات كأسلوب وحيد أو رئيسي، وإهمال الخيارات والبدائل الأخرى أو استخدامها بشكل ثانوي وتكتيكي ومن أجل خدمة خيار المفاوضات.

إن المفاوضات وحدها لن تدحر الاحتلال ولو استمرت لمائة عام أخرى، لأن المقاومة المثمرة، هي التي يمكن أن تجعل الاحتلال يخسر أكثر مما يكسب، وهي التي ستكون قادرة على شق طريق إنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.

فالمقاومة تزرع والمفاوضات تحصد. ومن لا يزرع لا يحصد!!