خبر حملة عائلة شاليت تكشف الانقسام في إسرائيل حول «الثمن»

الساعة 05:32 ص|29 يونيو 2010

حملة عائلة شاليت تكشف الانقسام في إسرائيل حول «الثمن»

حلمي موسى

خرجت عائلة الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس جلعاد شاليت عن صمتها، وشرعت بحملة «شعبية» للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو للإسراع في الإفراج عن ابنها، وبالتالي إبرام صفقة تبادل أسرى مع حماس.

وتتجلى الحملة، التي انضم إليها عشرات الآلاف في اليومين الماضيين، بمسيرة من الشمال إلى القدس المحتلة بهدف الاعتصام حتى الإفراج عن شاليت. وحظيت الحملة والمسيرات بتغطية إعلامية واسعة لم يسبق لها مثيل، ما يشير إلى المعنى المرتبط بقيمة ترك أسير لدى «الأعداء» العرب وخصوصا حماس في غزة.

ومما لا ريب فيه أن الحملة الراهنة تكشف في الوقت ذاته مقدار الانقسام في المجتمع الإسرائيلي حول هذه القضية. فالكيان الإسرائيلي، بطبيعته العسكرية، ينطوي على إقرار بأن كل شاب وشابة يمكن أن يكون في الجيش مجندا أو ضمن قوات الاحتياط. ولذلك فإن مصير جندي قد يعني مصير كل شاب في الخدمة أو كل شاب قد يلتحق بالخدمة. ولهذا السبب هناك هذا الاهتمام بالقضية تأييدا أو اعتراضا.

فالسؤال المطروح هو: ما هو الثمن الذي يمكن لإسرائيل دفعه مقابل جندي أسير؟ البعض في إسرائيل يقول بوجوب الإفراج عن الجندي بكل ثمن. آخرون يقولون أن في شعار «بكل ثمن» مقدمة للقضاء على الأمن القومي لإسرائيل، ولذلك فإن الأمر مرفوض.

ولكن ورغم أن الحملة موجهة بشكل أساس ضد الحكومة الإسرائيلية التي بيدها قرار الإفراج عن شاليت والتجاوب مع مطالب حماس، فإن الأمور من ناحية أخرى لا تبدو كذلك. فقد تضامن مع الحملة والمسيرة العديد من الوزراء، بل أن ثلاثة منهم أعلنوا أنهم سيشاركون فيها. كما أن نتنياهو أبرق لوالد شاليت معلنا تضامنه معه.

وهنا يطرح السؤال: هل أن هذه الحملة تضغط على نتنياهو أم على حماس؟ في إسرائيل من يعتقد بأن مثل هذه الحملة تسند حماس وتدفعها إلى مزيد من التشدد. ويستند هؤلاء إلى ما أعلنه أمس رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بشأن زيادة حماس للثمن كلما زادت مماطلة الحكومة الإسرائيلية. غير أن في إسرائيل من يشيرون إلى خلاف ذلك. ويرى هؤلاء أن «صمود» نتنياهو أمام ضغط «شعبي» إسرائيلي بهذا الحجم سيطلق رسالة لحماس بأن عليها هي أن تتراجع، وأن لا تنتظر «تنازلات» إسرائيلية جديدة على هذا الصعيد.

وبعيدا عن البلاغة يمكن القول أن الصحافة الإسرائيلية تطفح بالأخبار والتقارير والتعليقات حول هذه القضية. والخلاف قائم ليس فقط في الشارع وإنما أيضا في المؤسسة السياسية والعسكرية. ويكتب وزراء في الصحف مع المسيرة وضدها ومع الصفقة مع حماس وضدها.

وفي كل الأحوال ثمة حاجة للإشارة إلى أن انطلاق السجال من جديد حول قضية شاليت في إسرائيل جاء بالتزامن مع الذكرى الرابعة لأسره على الحدود مع غزة ومع تضارب الحديث عن استئناف الوساطة بشأنه. وهناك أحاديث لم تتأكد عن محاولة إسرائيلية للعودة إلى الوساطة المصرية بعد أن أخفقت الوساطة الألمانية، رغم تحقيقها إنجازات.

إطار وتفاصيل

من الواضح أن الطرفين: حماس وإسرائيل وبعد سنوات من المفاوضات بوساطات مختلفة توصلا إلى اتفاق حول إطار الصفقة. وبموجب هذا الإطار فإن إسرائيل ستفرج عن 450 أسيرا ضمن قائمة متفق عليها، وبترتيب تدرجي، مع عملية نقل شاليت إلى طرف ثالث، ومن ثم تسليمه لإسرائيل. وبعد ذلك تفرج إسرائيل عن 650 أسيرا في إطار حسن نية خلال شهر من عملية التبادل.

غير أن الشيطان يكمن في التفاصيل. وبعد مفاوضات مطولة مع حكومتين في إسرائيل، ايهود أولمرت ونتنياهو، تم التوافق فقط على أسماء 325 أسيرا، وبقي الخلاف يدور على أسماء 125 آخرين. وقد شرح القيادي في حماس محمود الزهار، في مقابلة مع التلفزيون الإسرائيلي هذه المسألة، قائلا «لقد أمضينا 4 سنوات في مفاوضات عبر وساطات مصرية متعددة، ووساطات أوروبية وألمانية، وتوصلنا إلى 325 اسما وبموافقة نتنياهو وبمشاركة حاجاي هداس وباعتراف الوسيط الألماني وهي موثقة. وبعد أن وصل الأمر إلى قبول من جانب حماس كخطوة أولى لـ325 وبقي 125 اجتمعت الحكومة الإسرائيلية المصغرة ورفضت جوهر الصفقة».

وأضاف الزهار أن إسرائيل بعد ذلك «غيرت آليات» تحديد الـ125 الباقين، و«كان من المفترض أن تقدم حماس، كما قدمت في الـ325 الأولى، قائمة أسماء ويوافق عليها الجانب الإسرائيلي. بدأت إسرائيل بوضع عقبات تعرف بأن حماس لن تقبل بها، ولن ترضى بها الوساطات، على أن تقدم أسماء لمحكوم عليهم بالسجن بين خمس إلى 15 سنة، أي من هم على وشك الخروج من السجن، وتريد من حماس أن توافق عليها».

وكما هو واضح فإن قائمة الـ125 التي تعارض إسرائيل الإفراج عنهم هي قائمة من تعتبر أن أياديهم ملطخة جدا بدماء الإسرائيليين. غير أن هذه ليست قائمة نهائية بل هي متروكة للتفاوض. إذ يشرح معلقون إسرائيليون أن الأمر ينحصر حقيقة بقائمة تضم فقط ما بين 40 إلى 45 أسيرا فلسطينيا. ويشدد هؤلاء على أن الأمر لا يتعلق فقط بكمية الدماء على أياديهم بل أيضا باعتبارات سياسية.

وشدد مراسل عسكري على أن القضية في جوهرها قضية قيمية وسياسية. فإسرائيل تصر على إبعاد قسم كبير من الأسرى الفلسطينيين إلى خارج الضفة الغربية، إما إلى غزة وإما إلى الخارج. وهي ترى ضرورة ذلك لأن الإفراج عن هؤلاء الأسرى في الضفة يوجه ضربة شديدة لمساعي حكومة رام الله ويجعل الضفة الغربية مرتعا لحماس.

ثمة من يقول أن حكومة إسرائيل قدمت الحد الأقصى من التنازلات، وأن هناك إجماعا في المؤسسة الأمنية على ذلك. من الواضح أن الأمر ليس هكذا، ولكن ما هو أهم منه أن استمرار أسر شاليت يظهر المفارقة الإسرائيلية بكاملها: تطلق أقمارا صناعية وتدعي معرفتها بما يجري على بعد آلاف الكيلومترات وهي لا تعلم ما يجري لأسيرها على بعد أمتار قليلة منها في قطاع غزة.