خبر لماذا تفشل جهود ومبادرات المصالحة الوطنية ؟.. هاني المصري

الساعة 07:31 ص|26 يونيو 2010

لماذا تفشل جهود ومبادرات المصالحة الوطنية ؟.. هاني المصري

أصبح واضحاً الآن أن الزخم الذي شهدته الجهود الرامية لإنجاز المصالحة الوطنية قد توقف وعادت الأطراف إلى تبادل الاتهامات حول الطرف أو الأطراف الذي أفشل أو أفشلت جهود المصالحة.

فريق "فتح" اتهم "حماس" أنها أفشلت المبادرات التي أطلقها الرئيس وأطلقتها "فتح"، والمتمثلة بتشكيل وفد المصالحة الوطنية والموافقة على المقترح التركي، وإعطاء جمال الخضري تعهداً من الرئيس بأن ملاحظات الفصائل ستؤخذ بالتوافق الفلسطيني بعد توقيع الورقة المصرية، وإبداء الرئيس رغبته بزيارة القطاع.

وأرجع هذا الفريق رفض "حماس" لجهود المصالحة بأن "حماس" خاضعة لضغوط خارجية من أطراف عربية وإقليمية خصوصاً إيران، كما أن "حماس" لا تريد أن تتخلى عن سيطرتها على غزة، وإنما كل ما تبحث عنه هو تثبيت هذه السلطة والحصول على الاعتراف العربي والدولي بها، والسعي للمشاركة في الضفة الغربية والمنظمة كمرحلة أولى وتمهيداً للسيطرة عليهما.

والدليل على ذلك هو أن "حماس" تعاطت بـ "حماس" شديد مع المقترحات التي تعزز انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية مثل فتح ممر بحري بين غزة والعالم، ولم تتجاوب بنفس الشكل مع المقترحات التي تصر على فتح المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل، وفتح معبر رفح وفقاً لاتفاقية المعبر عام 2005 التي تشمل مرابطة الحرس الرئاسي على المعبر.

فريق "حماس" اتهم "فتح" والرئيس بأنهما أفشلا جهود المصالحة بدليل أنهما تعاملا مع الورقة المصرية كأنها قرآن كريم لا يمكن المساس بها. كما لم يتجاوبا مع المرونة التي أبدتها "حماس" من خلال استعدادها لإبقاء الورقة المصرية كما هي، على أن يتم التوافق الوطني على أخذ ملاحظات "حماس" بالحسبان قبل التوقيع عليها. وأرجعت "حماس" التعنت الرئاسي والفتحاوي إلى أن هذا الفريق يريد أن يحتفظ بسيطرته الانفرادية على الضفة الغربية وأن يستعيد قطاع غزة من يد "حماس" مقابل إخراجها من النظام السياسي الفلسطيني، أو قبولها كشريك صغير حتى يبقى أقلية ومعارضة صغيرة، كما يحافظ على برنامج "فتح" وقيادتها للسلطة والمنظمة .

وأرجعت "حماس" موقف "فتح" والرئيس إلى أنهما يرضخان لضغوط عربية وأميركية وإسرائيلية تستند على أن الأولوية يجب أن تكون للمفاوضات المباشرة وغير المباشرة، وأن رفع الحصار وإعادة إعمار قطاع غزة والمصالحة يجب أن تبقى مؤجلة لحين تقدم المفاوضات حتى لا تؤدي المصالحة قبل إحراز التقدم في المفاوضات الى الإضرار بفرص نجاحها الضعيفة جداً، إن لم تكن معدومة، فالمصالحة تقوي الموقف الفلسطيني وتجعله أقدر على رفض استئناف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة وفقاً للشروط الإسرائيلية.

إذاً، المصالحة من حيث الشكل معطلة على عقدة إصرار "فتح" ومصر على توقيع "حماس" على الورقة المصرية أولاً ثم يتم التوافق الوطني على ملاحظاتها وملاحظات الفصائل بعد التوقيع .

وعلى إصرار "حماس" على عدم التوقيع على الورقة المصرية قبل أن تطمئن قبل التوقيع الى أن ملاحظاتها ستؤخذ بالحسبان بعد التوقيع .

أما من حيث الجوهر فإن المصالحة معطلة لأن كل طرف يريد المصالحة وفقاً لشروطه التي تضمن هيمنته وقيادته للنظام السياسي الفلسطيني، ولأن الأطراف الفلسطينية مرتهنة للأطراف الخارجية المتحالفة معها والتي تقدم الدعم لها.

استناداً إلى ما سبق فإن تفسير اسباب عدم تحقيق المصالحة الوطنية، يمكن إيجاد أجزاء منها في مواقف ورواية كل طرف من الطرفين المتنازعين.

فالطرفان يخضعان لضغوط داخلية وخارجية لمنع إتمام المصالحة. فبدون تحقيق شروط اللجنة الرباعية الدولية فالمصالحة ممنوعة. والمصالحة يتم ربطها بتقدم أو تأخر المصالحة الإيرانية ــ الأميركية، والمصرية ــ السورية، وبالوضع الداخلي المصري لجهة تأثير شكل ومضمون المصالحة على وضع الأخوان المسلمين بمصر بوصفهم حزب المعارضة الرئيسي. كما يجري ربط المصالحة بمصير الخارطة الجديدة التي يتم رسمها للمنطقة في ظل صعود إيران وتركيا وتراجع دور إسرائيل المترافق مع اعادة نظر الادارة الاميركية باستراتيجيتها في المنطقة.

لو أرادت "فتح" حقاً المصالحة لما جعلت ملاحظات حركة "حماس" ذريعة لها او لما تعاملت مع مسألة توقيعها على الورقة المصرية، رغم تحفظاتها عليها، كمجرد جزء من معركة الاعلام والعلاقات العامة. فـ "فتح" أحرزت نقطة وظهرت من خلال توقيعها الورقة المصرية، وعدم توقيع "حماس" عليها، أنها حريصة على تحقيق المصالحة الوطنية.

لقد راهنت "فتح" على ان "حماس" لن توقع الورقة المصرية وكسبت الرهان، في حين ان القضية الوطنية لا تحتمل وضعها رهينة المقامرة.

اما "حماس" فلم توقع على الورقة المصرية وظلت أسيرة شعارات ومخاوف جعلتها مسؤولة عن عدم اتمام المصالحة، فهي غلبت مصلحتها الفئوية على المصلحة العامة.

لو ارادت "حماس" حقاً إتمام المصالحة لوقعت الورقة المصرية رغم ملاحظتها عليها، حينها ستضع مصر و "فتح" امام اختبار حاسم يبين حقيقة نواياهما ازاء تطبيق الورقة المصرية، وهل يملكان حقاً ارادة تطبيقها رغم معارضة الادارة الاميركية واسرائيل .

ان الحقيقة العارية التي تطل برأسها بقوة بعد دخول الانقسام عامه الرابع تدل على ان "حماس" و"فتح" ليستا جاهزتين للمصالحة حتى الآن، لذلك لا تريدان توقيع وتطبيق الورقة المصرية. وهناك نقطة جديرة بالانتباه وهي ان العقبة الرئيسية امام المصالحة ليست ملاحظات "حماس" ولكن عدم توفر الارادة السياسية لتحقيق المصالحة من الطرفين. يضاف الى ذلك و يغذيه وجود معارضة داخلية وخارجية واسعة جداً لإنجاز المصالحة.

إن توقيع الورقة المصرية لن يحقق المصالحة لانها تناولت قضايا إجرائية وقفزت عن المضمون السياسي، ولكن توقيعها يوفر مدخلاً لاستئناف الحوار الوطني الشامل الكفيل بالوصول الى اتفاق المصالحة الوطنية.

لو كانت ملاحظات "حماس" هي العقبة الرئيسية وكان هناك ارادة كافية لدى "فتح" للمصالحة لوجدت "فتح" طريقة لبلع الملاحظات، ولوجدت "حماس" طريقة للتراجع عنها.

إن المصالحة ممكنة عندما تتوفر ارادة فلسطينية ودولية واقليمية وعربية لتحقيقها .

او عندما ينشأ ضغط سياسي وشعبي فلسطيني قوي يوازن ويزيد على الضغوط الداخلية والخارجية، ويجعل الاطراف الفلسطينية قادرة على التحرر منها.

ما سبق يوضح مدى تعقيد وصعوبة المصالحة الوطنية الفلسطينية وأنها لا تتعلق فقط بالأطراف الفلسطينية، وإنما تتداخل فيها أطراف عربية وإقليمية ودولية، إضافة الى إسرائيل التي تعتبر لاعباً رئيسياً، بوصفها الدولة المحتلة، والتي لا تريد المصالحة، ولديها وسائل لا حصر لها لمنعها، أهمها تعميق الفصل الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة .

إذا كانت المصالحة معقدة الى هذا الحد، هل يجب الكف عن ممارسة الجهود لتحقيقها، كما يدعو البعض، متفاخراً بصحة وجهة نظره، كلما فشلت جولة من الجولات التي ترمي لتحقيق المصالحة.

يجب تغيير أنماط وأشكال المبادرات التي ترمي لتحقيق المصالحة، على الوجه الأتي:-

أولاً : يجب أن يكف الفلسطينيون المنخرطون بجهود المصالحة عن لعب دور الوسيط فقط، لأنهم شركاء ويجب أن يلعبوا دوراً ضاغطاً يسعى لبلورة تيار شعبي سياسي متعاظم يضم كل الحريصين على المصالحة من فصائل وأحزاب وشخصيات وطنية وأفراد.

ثانياً : حتى ينجح هذا الدور الضاغط يجب أن يستند إلى وثيقة وطنية توضح أسس ومرتكزات المصالحة الوطنية التي تضمن إنجاز مصالحة وطنية حقيقية قابلة للبقاء وليست عرضة للانهيار عند أي خلاف أو تطور جديد. فالمطلوب مصالحة تضمن إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني وتحقيق الشراكة السياسية الحقيقية، وتستند الى أسس ديمقراطية تضمن التعددية والمنافسة والإبداع وترتكز على الاحتكام دائماً للشعب عبر إجراء الانتخابات على جميع المستويات، بشكل دوري ومنتظم، وبما لا يلغي أهمية التوافق الوطني ما دمنا تحت الاحتلال، وما دام الاحتلال يوفر قاسماً مشتركاً أكبر بكثير من كل ما يفرق الفلسطينيين.

ثالثاً: إن الضغط الشعبي المطلوب يجب ان يتحلى اصحابه بالارادة الصلبة وطول النفس والا يخضعوا للضغوط والاغراءات التي سيتعرضون لها من جميع الاطراف المتضررة من المصالحة.

ان المصالحة الوطنية أغلى وأهم وأعظم وأقدس من جميع الملاحظات والأوراق والأشخاص والقيادات والفصائل !!!!!