خبر المصالحة الفلسطينية « والعقدة المصرية » .. عريب الرنتاوي

الساعة 04:12 م|23 يونيو 2010

بقلم: عريب الرنتاوي

عادت نبرة التشاؤم لتطغى على مواقف وتصريحات "المشتغلين" بالتوسط بين حركتي فتح وحماس ، بعد أن راجت لأيام وأسابيع قليلة نبرة تفاؤل مبالغ بها ، نجمت في الأساس عن استعداد "الأخوة الأعداء" لتذليل العقبات وتجاوز "العقدة المصرية" إن جاز التعبير ، وهي العقدة الناجمة عن إصرار القاهرة على عدم فتح "الورقة المصرية" للحوار ، ووضع وزير خارجيتها ورئيس مخابراتها الورقة في كفة وهيبة مصر وكرامتها ودورها وإرثها وتاريخها في كفة أخرى ، في موقف غير موفق وغير مفهوم على الإطلاق.

أسفرت الجهود كما قلنا في هذه الزاوية قبل أربعة أيام ، عن تفاهم على إنجاز مذكرة تفاهم بين فتح وحماس يسبق توقيع الأخيرة على الورقة المصرية كما هي ، على أن تكون المذكرة التي يسميها البعض بـ"الوديعة" جزءا من الاتفاق الشامل ، وتوطئة لترجمته بأقل قدر من التعقيدات ، ولقد أفادت مصادر الوسطاء وتصريحاتهم بأن الجانبين تجاوزا الورقة المصرية إلى ما هو أبعد من ذلك: تشكيل حكومة تكنوقراط (مستقلين) ، وهي خطوة متقدمة على مضمون الورقة المصرية ، وللحظة من الوقت ، بدا أن ثمة تناغما بين رام الله وغزة ، إلى أن عاد هذا الحراك إلى المربع الأول ، مربع تبادل الاتهامات والمسؤوليات.

إن كان من حاجة لتحديد مسؤلية التعثر الذي أصاب محاولات ما بعد أسطول الحرية لإنجاز المصالحة ، فإن كافة المصادر تشير إلى مسؤولية رئيسة تتحمل وزرها الدبلوماسية المصرية ، فقد ظهر الوزير أحمد أبو الغيط ، في غير مناسبة ، معبراً عن موقف القيادة المصرية الرافض لفكرة "مذكرة التفاهم" أو "الوديعة" ، مشترطاً هذه المرة توقيع الورقة المصرية كما هي ، ومن دون ملاحق أو ودائع أو بروتوكولات إضافية ، وبكثير من التصرفات التي تحيل الوسيط إلى جزء من المشكلة وسبب في استمرارها وتفاقمها ، بدل أن يكون جزءا من الحل وأداة تسيير وتيسير.

الفلسطينيون اتفقوا أو كادوا يتفقون على "مخرج" من استعصاء الورقة المصرية وهيبة القاهرة ومكانة مصر ، حماس قبلت بتوقيع الورقة كما هي بعد إنجاز الوديعة ، وعباس سهّل الأمر بتمكينه الوسطاء (المصري والخضري) من السير على هذا الطريق ، إلى أن جاء الموقف المصري في إصراره على "الورقة المصرية من دون زيادة أو نقصان" ، فعطّل الجهد والمبادرة ، وأعاد الأمور إلى المربع الأول.

ولم تكتف القاهرة بهذا الموقف ، بل أجهضت الوساطة التركية وهي في مهدها ، عندما رفضت استضافة اجتماع لفتح وحماس بحضور أحمد أبو الغيط وأحمد داود أغلو ، باعتبار أنها صاحبة الوكالة الحصرية بالوساطة بين فتح وحماس ، وعملا بمقولة: "لا برحمك ولا بخلي رحمة الله تنزل عليك".

بعد صدور هذه المواقف المصرية ، المفاجئة لكل الرهانات والتوقعات (كانت مفاجئة لنا كذلك) ، عادت الأطراف إلى خنادقها القديمة ، تلقي باللائمة بعضها على البعض الآخر ، بدل أن تتفق على تحييد الوسيط المصري ، أو على الأقل نزع "وكالته الحصرية" لهذا الملف. أوساط في فتح بدأت تتهم حماس بالتراجع عن مواقفها السابقة ، وتتهم إيران وسوريا بالمسؤولية عن ذلك ، وأوساط في حماس بدأت تتهم عباس والسلطة بالخضوع للإملاءات الأمريكية ، والعودة إلى المربع الأول ، لا أحد يتهم مصر إلا الفصائل الصغيرة التي لا تعتمد على القاهرة في حركتها وتحركها.

في المعلومات المتوافرة من مصادر عدة ، أن الموفد الأمريكي جورج ميتشيل لعب دورا في تحريض القاهرة على القيام بما قامت به ، فالسيناتور الأمريكي ما زال على قناعته بأن لحظة الوحدة والمصالحة لم تحن بعد ، وأن الأولوية يجب أن تعطى لاستئناف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة ، وأن هذه الأولوية تحتاج سلطة متخففة من حماس وخطابها لا سلطة مثقلة بقيود المعارضة ، وقد سبق لميتشيل أن حرّض في أكتوبر من العام الماضي على الاتفاق الذي كان قيد الإنجاز في القاهرة ، فما كان من الأخيرة (القاهرة) سوى أن أصدرت "الورقة المصرية" متخففة من الكثير من مبادئ الاتفاق ونقاطه الرئيسية ، ما جعل توقيع حماس عليه أمراً متعذرا بعد أن كان وشيكا ، وكلنا ما زال يذكر تصريحات خالد مشعل شديدة التفاؤل في القاهرة أواخر أيلول ـ سبتمبر ,2009

المايسترو الأمريكي ، وليس "الفقيه الولي" هو من يعرقل المصالحة والحوار والوحدة الوطنية ، ولقد دللت تجربة المحاولات السابقة أن هذا المايسترو يتدخل دائما في ربع الساعة الأخير ، وأن تدخله يلقى دائما الاستجابة الكاملة من قبل القاهرة ورام الله ، ألا تذكرون تصريحات ديك تشيني حول اتفاق صنعاء ، ألم تأتكم أنباء جو بايدن ومواقفه من محاولات إتمام المصالحة ، ألم تنبر "كوندي" لاتفاق مكة وحكومة الوحدة؟

تاريخ الحوار وسجل المصالحة يعيد نفسه هذه الأيام ، والذين أجهضوا المحاولات السابقة يتجهون لإجهاض هذه المحاولة ، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد لم تعد تجد معه النداءات والمناشدات ، فاللعبة أقوى من فتح ومن حماس ، وزمن الحصانة التي تمتعت بها مؤسسات صنع القرار الفلسطيني ولّى على ما يبدو ، والفلسطينيون اليوم بحاجة للقرار وليس للحوار ، بحاجة لقيادات قادرة على اتخاذ قرار وطني مستقل ، حتى وإن كنّا ما زلنا في الزمن الرديء الذي أصبحت فيه غزة ورفح هي المكان الوحيد لاختبار الهيبة وصون المكانة وحفظ الأدوار.

لقد دعونا من قبل إلى "تعريب" الوساطة المصرية بين فتح وحماس ، وقلنا بأن هذه الوساطة هي عبء على المصلحة والمصالحة الفلسطينيتين ، لاندراجها لسياقات سياسية إقليمية ومحلية (مصرية) وخضوعها لحسابات وتحسبات لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل ، سواء تلك التي تتعلق بدور النظام المصري الإقليمي المتآكل أمام أدوار إقليمية صاعدة ، أو تلك المتصلة بإشكالية العلاقة بين النظام والإخوان المسلمين محلياً ، وسيبقى الشعب الفلسطيني يدفع ثمن استمرار الانقسام وتعثر جهود المصالحة ، طالما ظل الوسيط المصري ينظر لهذه المسألة من هاتين العدستين ، فهل من مخرج من هذا الاستعصاء ؟،.