خبر معركة الحصار والمعابر والمصالحة تبدأ الآن.. عريب الرنتاوي

الساعة 07:40 ص|10 يونيو 2010

معركة الحصار والمعابر والمصالحة تبدأ الآن.. عريب الرنتاوي

 

بعض ما يرد من أنباء ومواقف وتصريحات من رام الله والقاهرة، ينذر بعودة الأمور إلى المربع الأول، ويبعث على القلق والحذر والتحسب من مغبة السعي لـ"تنفيس" حملة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أو تحويلها من أداة ضاغطة على إسرائيل إلى أداة ضاغطة على حماس، وربما – وهذا ليس مستبعداً على الإطلاق – سيجري التفكير جدياً باجتراع "مخارج" ترفع الحصار جزئيا على غزة، وتبقيه أو تشدده على حماس، ولدينا من المعطيات ما يكفي لتبرير هذه المخاوف والتعبير عن هذا القلق.

 

باستثناء القاهرة ورام والله، يجمع العالم على أن الوضع الإنساني في قطاع غزة لا يطاق، وأن الحصار المضروب على مليون ونصف المليون فلسطيني الجائر وغير الشرعي، قد آن أوان رفعه ومن دون إبطاء، ووحدهم الناطقون باسم السلطة في رام الله والحُكمِ في القاهرة، هم الذين يتحدثون بإسهاب عن استمرار تدفق المواد التموينية والمعابر المفتوحة وتوفر الاحتياجات الإنسانية من غذائية وطبية.

 

والعالم بأسره – باستثناء القاهرة ورام الله - يجمع على أن أسطول الحرية قد هزّ بقوة جدران الحصار المضروب على القطاع، وأن ساعة رفع الحصار قد أزفت، وهو الأمر الذي يبدي الناطقون باسم رام الله استخفافاً به، حتى أن أحدهم سخر من الرهان على السفن والأساطيل وقدرتها على رفع الحصار، مشدداً على أن المصالحة التي تبدأ وتنتهي بتوقيع الورقة المصرية، هي وحدها الكفيلة برفع هذا الحصار ووقف تلك المعاناة، وقد رددت القاهرة صدى هذه التصريحات والمواقف، وإن بكلمات وجمل أخرى، فيما يشبه "التنسيق الكامل"، وأضافت إليها تشديداً على ضرورة عودة "الشرعية" للقطاع قبل الحديث عن فتح المعابر ورفع الحصار، وهو موقف لم يصدر بعد، كشرط مسبق، حتى عن أكثر الدوائر الغربية حذرا ومناهضة لحماس، ودعماًُ وتأييدً للسلطة والرئاسة ؟!.

 

الخلاصة كما تتضح من القاهرة ورام الله تُختصر بما يلي: لا مبادرات جديدة لإتمام المصالحة، القاهرة تقول أنها تنتظر حماس لتوقع زاحفةً الورقة المصرية، والسلطة سترسل وفداً إلى غزة بمطلب واحد: التوقيع على "صك الإذعان"... وبرغم أنهما - القاهرة ورام الله - تدركان تمام الإدراك بأن حماس لن توقع الورقة كما هي، وأنها لن ترفع الراية من دون قيد أو شرط كما يطلب إليها، إلا أنهما لن تترددا في اتّباع هذه التكتيكات لإحراج حماس وإخراجها، فهذا هو المطلوب بالضبط، ولا شيء آخر على الإطلاق...وعليه فإن المصالحة تغدو معلقة مرة أخرى، وستجد حماس مرة أخرى نفسها في وضعية المتهم بعرقلة الوحدة والمصالحة، وسنعود لمواصل اللعب بورقة الحصار وإن بأشكال وتكتيكات أخرى.

 

إذن نحن أمام شكل جديد للعبة القديمة ذاتها، يجري اللجوء إليه في ظروف إقليمية ودولية متغيرة، جديدها الأبرز والأهم، أن العالم لم يعد يحتمل الانتظار، بعد أن بات الحصار ثقيلا على الضمير الإنساني الحي، وهو ما يدفع على الاعتقاد بأن المعادلة الجديدة للتعامل مع هذه الملفات الثلاث المتداخلة: المعابر، الحصار والمصالحة، سوف تقوم على تخفيف – وربما رفع - القيود على المساعدات الإنسانية من غذائية ودوائية وبقدر أقل الإنشائية من جهة، وتشديدها على حماس حركة وحكومة وكوادر ومصادر تمويل وهوامش حركة من جهة ثانية.

 

الأرجح أن الصيغ التي يجري اجتراحها للتخفيف من أزمة إسرائيل ورفع الحرج عن القاهرة والإفراج عن رام الله، لن تلحظ دوراً لحماس لا على المعابر ولا في أي "مطرح"، وسنظل نتحدث عن مساعدات إنسانية، وليس عن تحرير التجارة ورفع القيود على حركة الأفراد والسلع والرساميل والخدمات، من وإلى القطاع، سنظل نتحدث عن غزة في سياق إنساني، وليس سياسي، مساعدات تُفَتّش في عرض البحر والعريش وأسدود، ومعابر تفتح وتغلق بحساب دقيق، وأسماء تخضع لمراجعات أمنية استنادا لقوائم مطلوبين متعددة الجنسيات، وبذلك يكون العالم قد أراح ضميره واستراح، فيما الجولة الجديدة من الصراع على الشرعية والسلطة والمنظمة في فلسطين ستُستأنف، ولكن بضراوة أشد هذه المرة.

 

ما الذي ينبغي عمله لتفادي العودة إلى مربع الانقسام والاقتتال الأول، وللحيولة دون تحويل هذا الوضع الحسن إلى وضع سيء، ولقطع الطريق أمام توظيفات انتهازية لتداعيات ما بعد هبوب الريح الشيطانية على أسطول الحرية.

 

في ظني أن قطع الطريق على هذه النوايا والأهداف التي لا تمت لفلسطين قضية وشعبا بصلة، يتطلب أولا الاستمرار في تسيير قوافل الحرية وأساطيلها، وإحباط المساعي الخبيثة التي تسعى في التقليل من دورها وشأنها في رفع الحصار وإعلاء مكانة القضية الوطنية الفلسطينية...وثانياً: في العمل على إدخال أطراف عربية وإقليمية جديدة على خط الوساطة والمصالحة وملفات المعابر والحصار وتبادل الأسرى، وفي هذا السياق تكتسب تركيا أهمية متنامية إلى جانب الدور المتزايد لقطر والثقل الإقليمي المتصاعد لسوريا، مثل هذه الأطراف قد لا تكون قادرة على إحداث الاختراق المشتهى على هذا الملفات، بيد أنها قادرة بلا شك، على منع الآخرين من تحقيق "اختراقاتهم".

 

والحقيقة أننا بتنا أمام وضع شديد التعقيد، فحماس التي تشعر بأنها في وضع تكتيكي أفضل بكثير مما كانت عليه قبل بضعة أشهر، تجد أنه من غير الممكن اليوم القبول بما كانت ترفضه في الأمس، والذين جربوا كل الطرق لاستئصال شأفة حماس وكسر شوكتها، يسعون للعب على بارقة الأمل التي لاحت في الأفق الفلسطيني من أجل تحويلها إلى قوة ضغط على الحركة بدل أن تكون قوة ضغط في يدها، ومن ذخر لها إلى عبء عليها، ومعركة الحصار والمعابر والمصالحة المتداخلة التي ظننا أنها وضعت أوزارها أو تكاد، وراهنّا على كارثة أسطول الحرية وما بعدها للتقريب بين الفلسطينيين، يبدو أنها ستشتعل قريباً وقريباً جداً، فالمسألة عند أصحابها تبدو قضية حياة أو موت، وجود أو عدم على ما يبدو، كان الله في عون غزة وفلسطين.