خبر حماقة إسرائيل ..هآرتس

الساعة 11:02 ص|08 يونيو 2010

حماقة إسرائيل ..هآرتس

بقلم: برنار هنري ليفي

من المفهوم من تلقاء نفسه أن موقفي لم يتغير.

كما قلت في يوم الحدث، في جدل عاصف أجريته في تل أبيب مع وزيرة في حكومة نتنياهو، ما زلت أعتقد أن طريقة تنفيذ الهجوم على "مرمرة" غير بعيد عن سواحل غزة، كانت "حمقاء".

لو كان بقي عندي شيء من الشك، فقد كان تفتيش السفينة السابعة الذي تم في صبيحة السبت بغير شيء من العنف، يقنعني بوجود طرق أخرى للعمل، طرق تمنع وقوع اسرائيل في الشرك التكتيكي والاعلامي الذي نصبه لها المحرضون، أناس "تحرير غزة"، بل تمنع سفك الدماء.

زيادة على الكلام الذي قيل فان طوفان النفاق، وعدم الثقة، وتشويه المعلومات آخر الأمر، وكأنما انتظر بهذه الفرصة أن تخترق وتتدفق في أنحاء الاعلام العالمي، على نحو يشبه جميع المرات الأخر التي أخطأت فيها اسرائيل او غلطت، ليس مقبولا البتة.

إن الجملة التي استعملت الى درجة الاشمئزاز في مسألة "الحصار الذي فرضته اسرائيل"، في حين أن النزاهة الأشد أساسية تقتضي توضيح أن الحديث عن حصار فرضته اسرائيل ومصر على طول حدودهما المشتركة مع قطاع غزة، وذلك بالمباركة شبه المكشوفة من جميع النظم العربية المعتدلة، يمكن أن نعرفها فقط بأنها تشويه معلومات. إن تلك النظم يسعدها بطبيعة الأمر أن ترى أن أحدا آخر يكف جماح تأثير الذراع المسلحة، والمعسكر المتقدم، وربما حين يحين الوقت، حاملة الطائرات الايرانية في المنطقة.

تشويه معلومات: حقيقة فكرة "حصار شامل لا رحمة فيه" (مقالة تحرير بقلم لوران جوفران في الصحيفة اليومية الفرنسية "ليبراسيو" في الخامس من حزيران) و "جعل الانسانية (في غزة) رهينة" (مقالة رئيس الحكومة السابق دومنيك دي فيلبان، صحيفة "لاموند" في الخامس من حزيران). يجب علينا ان نتذكر وأن نذكر بلا انقطاع بأن الحصار يتعلق فقط بالسلاح والمنتوجات الضرورية لانتاجه. وهو لا يمنع الوصول اليومي لـ 100 حتى 125 شاحنة محملة بالغذاء والأدوية والمعدات الانسانية من اسرائيل. ليست الانسانية في غزة على خطر. وأن نقول إنهم "يموتون في غزة جوعا" معناه الكذب.

يمكن ان نجادل في الحصار العسكري وأن نبحث قضية أهذه هي الطريقة الملائمة لاضعاف الحكومة الفاشية – الاسلامية لاسماعيل هنية، واسقاطها اذا حان الوقت أو عدم اسقاطها، لكنه لا جدل في حقيقة ان الاسرائيليين الذين يقامون ليل نهار في الحواجز بين المنطقتين هم اوائل من يفرقون التفريق المهم بين النظام (الذي ينبغي عزله) والسكان (الذين يمتنعون عن جعلهم جزءا من النظام او عن عقابهم لان المساعدة لن تقف عند حاجز قط).

تشويه معلومات: الصمت غير المطلق في العالم عن الموقف غير الممكن لحماس وفحواه أن الحمولة في السفن وفت بدورها الرمزي، أي ايقاع دولة اسرائيل في شرك الخطأ، والخروج في هجوم لم يسبق له مثيل من أجل الشيطنة (في صحيفة "ليبراسيو" ظهرت الجملة الفظيعة التي ترمي الى سلب اسرائيل كل شرعية – "اسرائيل، دولة قرصنة"). بعبارة أخرى، بعد أن أنهى الاسرائيليون التفتيش كان يفترض أن ينقلوا حمولة المساعدة الى هدفها، وساد الصمت عن قرار حماس على سد معبر الحمولة في كيرم شالوم وتركها تفسد رويدا رويدا.

ولتمض الى الجحيم السلع التي جازت على أيدي عمال الجمارك اليهود! ولترم في القمامة جميع تلك الدمى التي أسالت دموع النفوس الخيرة في اوروبا، لكنها دنست ولوثت بعد أن مكثت ساعات طويلة جدا في ميناء اسدود. كان أولاد غزة منذ كانوا – عند الاسلاميين الذين تولوا الحكم قبل ثلاث سنين – دروعا بشرية، ولحما للمدافع او مادة دعائية. إن مطامحهم او دماهم هي آخر الموضوعات التي تقلق أحدا ما. لكن من ذا يقول ذلك؟ ومن ذا يعبر عن شعور بالمرارة؟ ومن يجرؤ على أن يقول أنه اذا وجد في غزة "مختطف لرهائن" ومستغل بلا ضمير وبارد أعصاب في مواجهة المعاناة الانسانية ولا سيما معاناة الأولاد – وباختصار من يقول إنه اذا وجد قرصان – فليس هو اسرائيل بل حماس؟

وتشويه معلومات آخر – سخيف لكنه كارثي في السياق الاستراتيجي – وهو خطبة رئيس حكومة تركيا في قونية في وسط تركيا، وهو الذي يزج في السجن كل شخص يجرؤ على ذكر كارثة الأرمن علنا، وعنده الوقاحة للتنديد بارهاب دولة اسرائيل على مسامع آلاف المتظاهرين المتحمسين الذين يهتفون بشعارات معادية للسامية.

وتشويه معلومات آخر: مرثية الحمقى الجالبين للفائدة، والذين وقعوا قبل اسرائيل في الشرك الذي نصبه هؤلاء "الانسانيون" الغريبو الاطوار، وهم (في منظمة أي اتش اتش مثلا) من أنصار الجهاد ومتطرفي رؤيا آخر الزمان المعادية لاسرائيل واليهود؛ ونساء ورجال أعلم بعضهم، قبل الهجوم بأيام معدودة برغبتهم في الموت "شهداء". كيف كان يمكن كاتبا ذا بسطة في العلم مثل هننغ مايكل السويدي أن يدعهم يستغلونه؟ وكيف يمكن أن يزن منع ترجمة كتبه الى العبرية، ويكون قادرا في الآن نفسه على أن ينسى الفرق المقدس بين حكومة مصابة بالنقص أو حمقاء وبين جزء من الجمهور لا يشايعها بالضرورة، لكنه يشارك في تدبير القطيعة المجنونة؟ كيف تستطيع شبكة دور سينما في فرنسا ("اوتوبيا")، بنفس الصورة بالضبط، أن تلغي عرض فيلم ("خمس ساعات من باريس") لانه أنتجه ليونيد برودوفسكي الذي يملك جواز سفر اسرائيليا؟ إن مشيعي تشويه المعلومات، من كتائب "الطراطيف" (على حسب طرطوف مولير – من المنافقين والمتلونين) يشكون من أن اسرائيل تتهرب من مطالب التحقيق الدولي في حين ان الحقيقة جد بسيطة ومنطقية. ترفض اسرائيل التحقيق بحسب مطلب مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، حيث يتولى الأمر هناك الديمقراطيون الكبار مثل الكوبيين والباكستانيين والايرانيين. لا تريد اسرائيل اجراء آخر يشبه ذاك الذي انتهى الى تقرير غولدستون الذي أعد بعد الحرب في غزة على يد نفس لجنة التحقيق المشايعة التي يتولى العضوية فيها خمسة قضاة (أربعة منهم لم يخفوا قط كونهم معادين للصهيونية)، وتلخص في 575 صفحة مقابلات مع محاربين ومدنيين فلسطينيين تمت في غضون أيام معدودة، باشراف من الوكلاء السياسيين من حماس (وهو عمل لم يحدث قط في هذا المجال).

إن ما لم تكن اسرائيل قادرة على قبوله (وكيف يمكن توجيه الدعوة عليها؟) هو الغلاف الذي لف القانون الدولي فيما يتصل بتحقيق سريع استنتاجاته معلومة سلفا وهدفه أن يجر الديمقراطية الوحيدة في المنطقة على نحو أحادي تماما الى مقعد المتهمين.

وكلمات أخيرة. عند شخص مثلي، وعند من يزعم أنه قد ساعد مع آخرين في ايجاد هذه النشاطات الرمزية (سفينة الى فيتنام، ومسيرة من أجل كمبوديا في 1979، وقطيعة تعادي الشمولية من أنواع ولأسباب مختلفة، أو في المدة الأخيرة، اجتياز حدود السودان على علم في قصد الى خرق الحصار الذي نفذت في ظله المجازر في دارفور). بعبارة أخرى، إن هذا الصراخ الذي يثير الرحمة، عند من هو مقرب من المشاركة الانسانية والضجة الاعلامية التي تصحبها، يذكر برسم كاريكاتوري أو بابتسامة القدر المشوهة.

لكن هذا سبب آخر لجعلنا لا نتنازل. وسبب آخر لرفض اشراك الموضوعات الأدبية من أجل قلب الرموز والقيم. وسبب لمواجهة الأعمال الخاطفة للمعاني التي تجعل روح السياسة التي نشأت لمواجهة الزعران في خدمتهم. وهذا تحقير للجدل المضاد للشمولية وتقلباته وتقليداته. وهذا حرج عهد يحاربون فيه الديمقراطيات وكأنها ديكتاتوريات أو نظم حكم فاشية. اسرائيل في الحقيقة في مركز هذه الدوامة من الكراهية والجنون، لكن هذه الدوامة تتصل، وعلينا أن ننتبه لذلك، ببعض الأملاك الثمينة – بحركة الافكار، وبخاصة في اليسار، في السنين الثلاثين الأخيرة والخطر الذي يواجهها. ومن كان ذا لب يفهم.