خبر الحقيقة وراء الدعاية « الإسرائيلية » .. الاندبندنت

الساعة 10:08 ص|08 يونيو 2010

ترجمة عن "الاندبندنت" للكاتب الصحفي روبرت فيسك

أثار حفيظتي، بطبيعة الحال، مشهد رجال مسلحين يقتحمون السفن في المياه الدولية، ويقتلون الركاب على سطحها ممن يحاولون المقاومة، ثم يجبرون السفينة على التوجه إلى ميناء في دولة الخاطفين. وأنا أتحدث، بطبيعة الحال، عن القراصنة الصوماليين الذين يقومون بافتراس السفن الغربية في المحيط الهندي. كيف يجرؤ أولئك الإرهابيون على المساس بسفن غير مسلحة في أعالي البحار والمياه الإقليمية؟ وكم نكون محقين إن نحن أرسلنا سفننا إلى هناك لمنع حدوث مثل هذه الأعمال الإرهابية؟

 

ولكن، عفوكم! إن الإسرائيليين لم يطلبوا فدية على الأقل. إنهم يريدون فقط أن يجعلوا الصحافيين يكسبون لهم حرب الدعاية. وكان الأسبوع قد بدأ بالكاد عندما شرع محاربو "الكوماندوس" الإسرائيليون باجتياح قارب تركي كان يجلب مساعدات لغزة، وأطلقوا النار على تسعة من ركابه حد الموت. ومع ذلك، وفي نهاية الأسبوع، أصبح هؤلاء المحتجون "نشطاء سلام مسلحين"، ومعادين شريرين للسامية "يدعون اعتناق السلم، بينما يمورون بالكراهية، ويهاجمون كائناً بشرياً آخر بسارية علم". وقد أحببت هذه النقطة الأخيرة. أي حقيقة أن كون المرء يتعرض للضرب، وبحيث يبدو وأنه يطلق النار على كائن بشري آخر ببندقية لم تدخل حقاً في هذه النسخة الغرائبية من الواقع.

 

أما احتجاجات العائلات بأن أبناءها كانوا يريدون أن يصبحوا شهداء -وهو شيء ربما يقوله معظم أفراد العائلات التركية لو أن أقاربهم كانوا قد تعرضوا لإطلاق النار على أيدي الإسرائيليين -فقد جرى تحويلها إلى تأكيد على أنهم كانوا جهاديين. وقد كتب لي شخص من سيريلانكا هذا الأسبوع: "على سفينة المساعدات تلك، كانت ابنة أختي، وابن أخي وزوجته. ولسوء الحظ، أطلقت النار على أحمد في ساقه (ابن الأخ الذي كان عمره 20 عاماً)، وهو يتلقى العلاج الآن تحت الاحتجاز العسكري (الخطأ في كلمة "الاحتجاز" من المصدر). وسوف أبقيك على اطلاع". وقد فعل وأبقاني على اطلاع في واقع الحال. ففي غضون ساعات، كانت الصحافة كلها تتجمع في منزل عائلته في أستراليا، مطالبة بمعرفة ما إذا كان أحمد جهادياً -أو حتى مفجراً انتحارياً محتملاً. إن الدعاية تعمل، كما ترون. ولم نر أي صورة أو فيلم من المحتجين لأن الإسرائيليين سرقوا البضاعة كلها. ولم يخبرنا أحد -إذا كانت السفينة التركية تحمل مثل هؤلاء الرجال القساة الشرسين- كيف أنه لم يتم كشف النقاب عن مؤامراتهم الرهيبة لمساعدة "الإرهابيين" في غزة خلال الرحلة الطويلة من تركيا، وحتى عندما رست السفينة على الشواطئ الأخرى. لكن الأستاذ جيل تروي من جامعة ماك-جيل في مونتريال –وفي صحيفة ناشيونال بوست الكندية المسعورة، بطبيعة الحال- استطاع أن يتحدث ويقذف في وجوهنا بكل ذلك الهراء عن "نشطاء السلام المسلحين" يوم الخميس الماضي.

 

ولم أتفاجأ أنا شخصياً بحوادث القتل على السفينة التركية على الإطلاق. ففي لبنان، كنت قد شاهدت هذا الرعاع غير المنضبط مما يدعى جيشاً وهو يطلق النار على المدنيين. ورأيت جنوده وهم يراقبون ارتكاب مذبحة صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين في صباح يوم 18 أيلول (سبتمبر) (آخر أيام المذبحة) على أيدي ميليشياتهم اللبنانية الحليفة الشرسة. وكنت حاضراً في مذبحة قانا التي ارتكبها جنود المدفعية الإسرائيلية في العام 1996- "عرابوشيم" (نظير المصطلح الإنجليزي السائد "أرابايم")، هكذا وصف أحد القتلة الموتى المائة وستة من المدنيين في قانا، والذين كان أكثر من نصفهم من الأطفال، في الصحافة الإسرائيلية. ثم قالت الحكومة الإسرائيلية للحائز على جائزة نوبل، شمعون بيرس إن هناك إرهابيين كانوا بين المدنيين القتلى -وهو غير صحيح مطلقاً، ولكن: من يهتم؟- وبعدها جاءت مذبحة قانا الثانية في العام 2006، ثم مذبحة غزة في العامين 2008-09، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 1.300 فلسطيني، معظمهم من الأطفال، ثم...

 

حسناً، ثم جاء تقرير غولدستون، الذي وجد أن القوات الإسرائيلية (شأنها شأن حماس) قد ارتكبت جرائم حرب في غزة، لكن تقريره أدين بوصفه معادياً للسامية -يا للمسكين المبجل العجوز غولدستون، القاضي اليهودي البارز من جنوب إفريقيا، والذي وصمه آل ديسوفيتش المصاب بالهذيان من هارفارد بأنه "رجل شرير" –ووصفته إدارة أوباما الشجاعة بأنه "مثير للجدل". وبالمناسبة، تعني عبارة "مثير للجدل": اذهب إلى الجحيم. وثمة الكثير من الشكوك في هذا الأمر، كما ترون. إنه كله خداع.

 

ولكن، دعونا نعود إلى سردنا المتسلسل. ثم جاء قتل الموساد لمسؤول حركة حماس في دبي، حيث استخدم الإسرائيليون 19 جواز سفر مزورا من بريطانيا ودول أخرى. وماذا كانت ردة الفعل المثيرة للشفقة حينذاك لوزير خارجيتنا، ديفيد ميليباند؟ لقد وصف الأمر بأنه "حادثة" –وليس جريمة قتل ارتكبت بحق رجل في دبي، لو سمحتم لي، وإنما كان تزوير الجوازات البريطانية، أمراً "مثيراً للجدل"- ثم... حسناً، لديكم الآن قتل 9 ركاب في البحر بالرصاص على أيدي المزيد من الأبطال الإسرائيليين.

 

لعل الأمر المدهش في كل هذا هو أن الكثير جداً من الصحافيين الغربيين –وأضع ضمن ذلك تغطية "بي بي سي" الجبانة لحادثة سفن مساعدة غزة- يكتبون مثل الصحافيين الإسرائيليين، في حين يكتب الكثير من الصحافيين الإسرائيليين عن حوادث القتل هذه بشجاعة ينبغي أن يتحلى بها الصحافيون الغربيون. ويكتبون حتى عن الجيش الإسرائيلي نفسه. ولكم أن تأخذوا على سبيل المثال تقرير عاموس هاريل المذهل في صحيفة هآرتس، والذي يفكك ويزيل مساحيق التجميل الموضوعة على وجوه ضباط سلك الجيش الإسرائيلي. في الماضي، كان العديدون منهم يأتون من تقاليد كيبوتسات يسارية، من تل أبيب الكبرى أو من سهل شارون الساحلي. وفي العام 1990، كان ما لا تزيد نسبتهم على 2 % فقط من كوادر الجيش من اليهود الأروثوذوكس المتدينين. واليوم، أصبحت نسبه هؤلاء الأخيرين تصل إلى 30 %. وهناك ستة من أصل الجنرالات السبعة في لواء غولاني من المتدينين. وهنك أكثر من 50 % من القادة المحليين من المتدينين "القوميين" في نفس ألوية المدفعية.

 

ليس ثمة مشكلة في أن يكون المرء متديناً. ولكن –وعلى الرغم من أن هاريل لا يشدد كثيراً على إبراز هذه النقطة- فإن الكثيرين من هؤلاء المتدينين الأورثوذوكس هم من مؤيدي الاستيطان في الضفة الغربية، وهم يعارضون قيام دولة فلسطينية.

 

والمستوطنون الأورثوذكس هم الإسرائيليون الذين يكرهون الفلسطينيين أكثر ما يكون، وهم الذين يريدون القضاء على أي فرص لقيام دولة فلسطينية، كما قد يريد بعض مسؤولي حماس بالتأكيد القضاء على إسرائيل. وعلى نحو ينطوي على المفارقة، كان المسؤولون الرفيعون في الجيش الإسرائيلي "القديم" هم الذين شجعوا أولاً حركة حماس "الإرهابية" على بناء مساجد في غزة -لتكون وزناً مقابلاً في مواجهة "الإرهابي" ياسر عرفات في بيروت –وقد كنت شاهداً على واحد من اجتماعاتهم. لكنها ستظل نفس القصة القديمة هي التي تدور قبل أن يستيقظ العالم. وكان الفيلسوف الفرنسي قليل الحظ بيرنارد هنري ليفي قد قال قبل بضع ساعات من تعرضه للذبح: "إنني لم أعرف أبداً جيشاً ديمقراطياً مثل الجيش الإسرائيلي".

 

نعم، إن الجيش الإسرائيلي لا يضاهيه جيش ولا له نظير: نخبوي، إنساني، وبطولي. ولكن لا تقولوا ذلك للقراصنة الصوماليين.