خبر كيف نستثمر تداعيات جريمة أسطول الحرية؟ .. د. عبدالله الأشعل

الساعة 10:05 ص|08 يونيو 2010

بقلم: د. عبدالله الأشعل

علمتنا تجارب وخبرة التعامل مع "إسرائيل" أنها قادرة على أن تغسل يديها بسرعة من كل جرائمها، ولو قدر للعرب أن يتورطوا في أصغر حادث واجهته "إسرائيل" لقضت عليهم قضاء مبرماً. يرجع الفارق إلى ذكاء "إسرائيل" وجسارتها، وعدم حرصها على الأخلاق، مادامت أصلاً مشروعاً يناقض أي أخلاق، رغم تغني قادتها بالأخلاق، وإسراف خطابهم السياسي في استخدام هذا المصطلح.

 

يضاف إلى ذكاء "إسرائيل" وفجورها إدمانها للكذب والخداع والمرواغة، وهو ما أكده أردوغان من أن تركيا سئمت من أكاذيب "إسرائيل"، وهى أكاذيب مكشوفة. العامل الثالث في إحداث هذا الفارق هو استماتة واشنطن والغرب في دعم "إسرائيل" وإجرامها مادامت شركة مساهمة غربية. والعامل الأخير هو ضعف الإرادة العربية فى التصدى لـ"إسرائيل" وعزلها.

 

أدى حادث الاعتداء الحربي على قافلة الحرية إلى آثار مدمرة في سبع قطاعات على الأقل، وهي العلاقات الإسرائيلية التركية، والعلاقات الإسرائيلية الأمريكية، وتطور نزع الشرعية عن "إسرائيل"، وأمن المتوسط والاتحاد من أجل المتوسط، والملف النووي الإيراني، ووضع المقاومة بعد الحادث، ومستقبل المفاوضات مع "إسرائيل" وعملية السلام والمبادرة العربية. ورغم خطورة تداعيات الحادث على "إسرائيل"، فإنه يخشى أن يؤدي التقاعس العربي إلى إفلات "إسرائيل"، وقدرتها على احتواء تداعياته، وتعود إلى نقطة البداية وقد أزاحت كل التحديات التي تزاحمها في إدارة المشهد، بل يخشى أن يؤدي هذا التقاعس إلى استمرار حصار غزة، وتفاقم الصراع الداخلي بين الفلسطينيين، وشعور تركيا بأنها ضحت بمصالحها، وقد خذلت من العرب مثلما خذلوها من قبل أيام الشريف حسين الذي خدعه مكماهون، فحشد العرب ضد الأتراك في الحرب العالمية الثانية، فمكن لسايكس بيكو وبلفور وانتداب بريطانيا وقيام "إسرائيل".

 

نركز في هذا المشهد على وسائل لاستثمار الحادث من الناحية القانونية، وأخطر مجال للاستثمار هو تأكيد تركيا في حملتها على نزع الشرعية عن "إسرائيل". ذلك أن الحادث أكد الطبيعة البربرية لـ"إسرائيل" وعلى احتقارها للقانون الدولى، وأن إفلاتها من العقاب خاصة بعد محرقة غزة ومطاردتها آثار تقرير جولدستون أصبح أمراً مضموناً بفعل الدعم الأمريكي والتراخي العربي.

 

نقطة البداية، إذا توفرت الإرادة هي الإصرار على تشكيل لجنة تحقيق دولية في الحادث، وفي نفس الوقت فإن نتائج التحقيق ظاهرة في الواقع؛ لأن مبررات "إسرائيل" لن تغير من الحقيقة، وهي أنها قامت بالاعتداء المسلح على قافلة مدنية لا رابط بينها وبين "إسرائيل"، وإنما وجهتها إنقاذ غزة من جريمة الحصار التى تفرضها "إسرائيل" عليها، وتغاضي المجتمع الدولي عن الاهتمام بها، وتم الاعتداء في المياه الدولية. يترتب على ذلك أن نتيجة التحقيق سوف تصم زعماء "إسرائيل" بجريمة جديدة هذه المرة ضد الإنسانية؛ لأن التصدي بالقوة الدموية لأسطول الحرية في المياه الدولية يعني استعداد "إسرائيل" لارتكاب أي جريمة، حتى يظل قرار الموت والحياة لسكان غزة في يديها.

 

إن أخطر ما يمكن أن يضرب "إسرائيل" في الصميم هو السعي لنزع الشرعية عنها من زاويتين؛ عدم شرعية الوجود، وعدم شرعية السلوك؛ لأن الكيان الشيطاني يسلك سلوكاً شيطانياً لا تحتمله البشرية ومجتمع الدول المتحضرة. وإذا كانت هذه جريمة ومحرقة غزة ومجازر "إسرائيل" ضد الفلسطينيين والعرب في مصر وتونس ولبنان، ودورها في العراق وفي السودان وفي نهر النيل، كلها تشير إلى أنها هي مصدر الشقاء في هذه المنطقة، وإذا كانت محكمة العدل الدولية قد أدانت سلوك "إسرائيل" في الأراضى الفلسطينية بمناسبة قضية الجدار العازل، كما تنبهت أوساط دولية عديدة إلى شذوذ هذا السلوك، فإن العالم لا بد أن يتجه إلى إدراك أن هذا السلوك مرتبط ارتباطاً حميميًّا بالطبيعة الشيطانية لـ"إسرائيل". ونحن نظن أن تركيز تركيا على نزع الشرعية عن "إسرائيل" يجب أن يكون مع العرب مشروعاً إستراتيجياً، ولكني أظن أن العرب يلهثون لسد الفجوات بين موقفهم المخزي والموقف التركي الشجاع، ولذلك أظن أن المواقف العربية ليست مواقف أصلية، وأن الأخطبوط الأمريكي الصهيوني يسعى لكي يفك "إسرائيل" من مصيدة نزع الشرعية بمساعدة عربية، كما لا أظن أن فتح معبر رفح كان يعبر عن تغير استراتيجي، ولكنه جزء من محاولات الأصدقاء تخفيف الضغط على "إسرائيل" ووقف محاولات استهدافهم هم أيضاً.

 

وأخيراً، فلست بحاجة إلى الإشارة إلى أن دخول تركيا بشدة بسبب شهداء القافلة واشتراطها رفع الحصار عن غزة مقابل تطبيع علاقتها مع "إسرائيل" هو سقف أذهل الحكومات العربية وأحرج بعضها.

التحية لزعماء تركيا والشعب التركي الأبي، ولأمير قطر، وخاصة على استعداده لتمويل صندوق الملاحقة القضائية عن هذه الجريمة.