خبر مجزرة « أسطول الحرية » ومأزق النظام العربي ..د. أحمد يوسف أحمد

الساعة 07:06 ص|08 يونيو 2010

مجزرة "أسطول الحرية" ومأزق النظام العربي ..د. أحمد يوسف أحمد

 

أصبح من المألوف أنه كلما تعرض النظام العربي لمحنة ظهر عجزه عن الوفاء بوظائفه الأساسية على النحو الذي يهدد بقاءه. هكذا رأينا في محنة الغزو الأميركي للعراق 2003 التي توحد فيها النظام العربي باللسان، لكن تطورات الغزو كشفت عن خلاف جذري بين الدول العربية في مقاربة الموضوع. وهكذا رأينا أيضاً في محنتي العدوان الإسرائيلي على لبنان في 2006 وغزة في 2009/2008 حيث بدا واضحاً أن النظام العربي يرفع غطاءه عن قوى مقاومة الاحتلال. وهكذا رأينا كذلك في مواجهة سلوك العربدة الإسرائيلية في مسألتي الاستيطان وتهويد القدس. وفي هذا السياق يمكن أن نفهم المأزق الراهن للنظام العربي في موقفه من مذبحة "أسطول الحرية".

 

مشكلة النظام العربي في هذا الصدد أنه لم تكن له علاقة بالموضوع أصلاً، فهو لم يدع إلى كسر الحصار على غزة بهذه الطريقة، ولم يشارك في تجهيز الأسطول، ولم يرسل ممثلين رسميين له يشاركون في قافلة الحرية، ولعل دوائر رسمية عديدة داخل النظام لم تكن مستريحة لهذا الإزعاج الذي يسببه تسيير "أسطول الحرية"، على أساس أنه يعكر صفو الهدوء المفتعل، ويحرجها بضرورة اتخاذ موقف مما يجري، ولعلها كانت أيضاً تنتظر النهاية المتوقعة لمسيرة الأسطول بمعنى اقتياد سفنه إلى ميناء أشدود واحتجاز كل من على متنه، وهو أمر تكفيه عبارات الإدانة والاستنكار. غير أن "إسرائيل" فاجأت الجميع بالمذبحة الأمر الذي وضع النظام العربي في حرج شديد يتطلب اتخاذ موقف يتسق والمواقف التي تسارعت من دول ومنظمات عديدة لها وزنها في الساحة الدولية. وفي هذا الإطار نحاول تقييم الموقف العربي.

 

يمكننا في هذا الصدد أن نفرق بين مواقف الدول فرادى والموقف الجماعي فنبدأ بالأول، وهنا سنلاحظ على الفور معالم أساسية لمواقف الدول العربية وأول المعالم بطبيعة الحال هو الشجب والإدانة، وقد اشتركت فيهما كافة الدول العربية، وإن لوحظ أن بعضها وقف عند "الاستنكار"، وبالتحديد استنكار الاستخدام المفرط للقوة، وهو تعبير يثير الكمد لما يوحي به من أن استخداماً معقولاً للقوة يمكن أن يكون مقبولاً، والطريف أن بعض الدول التي شجبت وأدانت قد دعت إلى عدم الاقتصار على هذه المواقف اللفظية، لكنها لم تبدأ بنفسها. أما المعْلم الثاني للمواقف العربية فلم يشمل إلا القلة القليلة منها، وتضمن مطالبة بوقف المفاوضات مع "إسرائيل"، وسحب المبادرة العربية للسلام، ودعم المقاومة. ثم كان هناك ثالثاً حديث خافت عن كون الجريمة الإسرائيلية تثبت مدى الحاجة إلى إنجاز المصالحة الفلسطينية. وعلى رغم أن طرفي الخصومة قد وافقا على الفكرة من حيث المبدأ إلا أن تصرفاتهما على أرض الواقع أكدت من جديد بُعد الشقة بينهما! وأخيراً وليس آخراً كان ثمة حديث عن ضرورة بلورة موقف عربي لكسر حصار غزة، وربما نسي المطالبون بهذا أن ثمة موقفاً بالفعل صدر عن مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين، ولم يقدر له أن يدخل حيز التنفيذ! وفي هذا السياق تبدو أهمية الخطوة المصرية بفتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى، وإن كان يشوب هذه الخطوة غموض بشأن مستقبلها، وما إذا كانت مجرد خطوة مؤقتة للتخفيف عن أهل قطاع غزة بعد مجزرة "أسطول الحرية" أم أنها بداية جديدة للسياسة المصرية تجاه معبر رفح.

 

ويلاحظ على كافة المعالم السابقة أنها لا تتضمن فعلاً عربيّاً محدداً لتغيير الوضع الراهن، فيما عدا فتح معبر رفح، فالشجب والإدانة موقف أخلاقي، ووقف المفاوضات وسحب المبادرة العربية وإن كانا يجدان أساسهما في العقم المطلق لعملية التسوية إلا أنهما لا يطرحان بديلاً استراتيجيّاً عربيّاً جديداً اللهم إلا إذا وجدت المطالبة بدعم المقاومة سبيلها إلى الواقع، وهو ما يكاد يكون من رابع المستحيلات في الظروف العربية الراهنة. وإنجاز المصالحة الفلسطينية تطور إيجابي ضخم لكنه يبقى مجرد إمكانية في ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة لأهداف النضال التحرري الفلسطيني وأدواته.

 

يبقى بعد ذلك أن المواقف العربية لم تقتصر على ما سبق وإنما اتجهت إلى البيئة الدولية، فاحتج بعض الدول العربية لدى الأمم المتحدة والإدارة الأميركية، ودعا هذه الإدارة تحديداً إلى لجم "إسرائيل" واتخاذ قرارات شجاعة، وهي قرارات لمسنا على الفور عينة كافية منها في الموقف الأميركي الرافض لإدانة "إسرائيل" في مجلس الأمن، والموافقة على حقها في الدفاع عن أمنها بتفتيش السفن المتجهة إلى غزة. ودعت الدول العربية المجتمع الدولي كالعادة إلى تحمل مسؤولياته ومعاقبة "إسرائيل"، وهو مجتمع يواجه حتى الآن صعوبة في التوصل إلى فرض تحقيق مستقل فيما جرى، و"صعَّد" بعض الدول العربية موقفه بالدعوة إلى انعقاد مجلس جامعة الدول العربية ومجلس الأمن، وهو ما تم بالفعل في إطار ما نعرفه من قيود بنيوية على عمل المجلسين، وبالتالي فإن ما ينطبق على ما سبق عرضه من مواقف عربية ينطبق على هذه المواقف أيضاً، وهو أنها جميعاً تشترك في غياب القدرة على الفعل. فماذا عن المواقف العربية على الصعيد الجماعي؟

 

عقد مجلس وزراء الخارجية العرب اجتماعاً مساء الرابع من يونيو فأدانوا العدوان الإسرائيلي على قافلة الحرية كما أدان غيرهم، وعبروا عن استيائهم من الموقف الأميركي المعارض لقرار المجلس الدولي لحقوق الإنسان تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة في هذا العدوان. واختلفوا حول قطع علاقات بعض الدول العربية مع "إسرائيل" وفقاً للمقولات القديمة نفسها، وأعلنوا في بيانهم الختامي "كسر الحصار" مع غزة بعد أن تراوحوا بين تعبيري "الكسر" و"الرفع"، وطالبوا الأمين العام بإبلاغ الإدارة الأميركية بمواقف ومطالب محددة فيما يتعلق بكسر الحصار. وكلفوا لبنان باعتباره العضو العربي في مجلس الأمن والمجموعة العربية في الأمم المتحدة بطلب عقد اجتماع للمجلس "لإصدار القرار اللازم لإدانة الحصار المفروض على غزة، وإلزام "إسرائيل" برفعه فوراً". أما فيما يتعلق بالموقف من مبادرة السلام العربية فقد رفعوا توصية إلى القادة العرب لتنفيذ ما ورد في كلمة العاهل السعودي خلال القمة الاقتصادية في الكويت في يناير 2009 عن أن المبادرة العربية "لن تبقى على المائدة طويلاً".

 

وينطبق على تحليل هذه المواقف ما انطبق على المواقف المنفردة للدول العربية، فلا فعل عربيّاً قائماً بذاته، وما زالت المرجعية العربية في التحرك الدولي هي الولايات المتحدة ومجلس الأمن على رغم كل ما أكدته مجزرة الحرية من ثوابت الموقف الأميركي المنحاز ل"إسرائيل"، والمنعكس بطبيعة الحال على أي قرار يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن. أما فيما يتعلق بالمبادرة العربية فإن سحبها ليس مضموناً، فالمرفوع إلى القادة العرب هو توصية بتنفيذ عبارة تقول إن المبادرة لن تبقى على المائدة طويلاً، ولذلك قد يقرر هؤلاء القادة إبقاءها إلى حين مع التهديد مجدداً بأنها لن تبقى على الطاولة إلى الأبد. ناهيك عن أن سحب المبادرة في حد ذاته ليس فعلاً عربيّاً وإنما هو مجرد رفض لمناورات "إسرائيل" المكشوفة بشأن التسوية.

 

ويزيد الأمور سوءاً أن التحركات الجماهيرية لم تخرج بدورها عن المألوف، فقد شهد معظم أرجاء الوطن العربي مظاهرات شعبية تندد بالمجزرة وتشجبها وتحرق العلم الإسرائيلي، لكنها في التحليل الأخير لم ترق إلى مستوى من القوة يتيح لها التأثير على قرارات الحكومات العربية خاصة ومؤسسات النظام العربي عامة، فلا أراكم الله مكروهاً في عزيز لديكم.

 

صحيفة الاتحاد الإماراتية