خبر قادة الاحتلال يلتقون على كذبة: المتضامنون إرهابيون نصبوا لنا كميناً!

الساعة 03:52 ص|01 يونيو 2010

قادة الاحتلال يلتقون على كذبة: المتضامنون إرهابيون نصبوا لنا كميناً!

حلمي موسى

رغم الخلافات شبه العلنية بين وزير الجيش الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس الأركان غابي أشكنازي، إلا أن الحاجة للتظاهر بالموقف الموحد دفعتهما إلى عقد مؤتمر صحافي بحضور قائد سلاح البحرية الإسرائيلي الجنرال أليعزر مروم.

وبدا واضحاً أن جميع هؤلاء التقوا على رسالة واحدة كاذبة، وهي أن الجيش الإسرائيلي وقع ضحية اعتداء في قلب البحر، وأن المسألة برمتها مجرد كمين نصبه «إرهابيون» لدولة لا تريد سوى العيش بسلام.

وكان جلياً أن سلاح البحرية الإسرائيلي الذي استعد لمواجهة سفن «أسطول الحرية» الساعي لكسر الحصار عن قطاع غزة قد حشد تقريباً كل قوته لإنجاز المهمة. فالقرار السياسي الذي اتخذته لجنة «السباعية» الإسرائيلية نص بوضوح على وجوب منع سفن الأسطول، وبكل ثمن، من الوصول إلى قطاع غزة. فنجاح الأسطول في الوصول يعني زعزعة «الشرعية» التي منحتها الأسرة الدولية والوضع الإقليمي لاستمرار فرض الحصار على قطاع غزة. كما أن هذا النجاح يعني خسارة إسرائيل لقدرتها الردعية في مواجهة حركة حماس، وتحطم منظومة علاقات إقليمية نسجت على أرضية تصنيف الاعتدال والتطرف.

ومن المعلومات التي تسربت حتى الآن فإن أكثر من عشرين بارجة وسفينة صواريخ إسرائيلية شاركت في عملية السيطرة على سفن أسطول الحرية الست. وعملت إلى جانب هذه السفن عشرات الزوارق الصغيرة وثلاث مروحيات استخدمتها وحدة الكوماندوس البحري المعروفة باسم «شييطت 13» للسيطرة على أسطول الحرية. وشارك في هذه العملية التي قادها قائد سلاح البحرية الجنرال مروم من داخل بارجة، ورئيس الأركان أشكنازي من داخل غرفة قيادة في ميناء أسدود، المئات من أفراد الوحدات الخاصة التابعة لسلاح البحرية ومصلحة السجون.

وكان واضحاً أن الجيش الإسرائيلي ليس في وارد السماح للمتضامنين بالمماطلة، وإطالة مسار السفر، وأنه على عجلة من أمره لإنهاء المسألة خلال أقصر وقت. ولذلك فإن الأسطول الإسرائيلي تحرش بسفن أسطول الحرية فور بدء تحركه على مقربة المياه الإقليمية القبرصية، وقبل أن يصل إلى قبالة الشواطئ الإسرائيلية في عمق المياه الدولية. وخلافاً لاعتقاد منظمي رحلة التضامن فإن البحرية الإسرائيلية لم تنتظر السفن على مقربة من شواطئ غزة، وإنما انتظرتها في أول نقطة احتكاك غربي رأس الناقورة. وهذا يفسر الموعد الذي تم فيه اقتحام سفينة الركاب التركية «مرمرة» التي تحمل العدد الأكبر من المتضامنين، بعدما اتخذ أسطول الحرية مساراً أطول للابتعاد عن الشواطئ الإسرائيلية ولتجنب الاحتكاك.

وأعلن باراك، في المؤتمر الصحافي المشترك، «أننا نعرب عن الأسف عن وقوع إصابات، ولكن المسؤولية في ذلك تقع على كاهل منظمي الرحلة والمشاركين فيها». وحاول تبرير القتل بدعوة إسرائيل للمنظمين إلى إنزال حمولتهم في ميناء أسدود ونقلها إلى غزة بعد فحصها أمنياً، «إلا أن هذه الدعوات لم يستجب لها. وفي أثناء الصعود على إحدى السفن أعتدي على جنودنا وأصيب عدد منهم بجروح بليغة جراء عنف جسماني شديد من جانب المتظاهرين».

وأعلن باراك دعمه للجنود الإسرائيليين مرتكبي المجزرة وقادتهم، ووصفهم بأنهم «أفضل أبنائنا» وأنهم اضطروا «لاستخدام وسائل تفريق متظاهرين وأسلحة نارية» بعدما «تعرضت حياتهم للخطر». وذهب باراك إلى حد اعتبار منظمة الإغاثة التركية التي نظمت الحملة «منظمة عنفية ومتطرفة تعمل تحت ستار العمل الإنساني». ثم أشار إلى أن هذه «منظمة فوضوية» تهدف والجهات المتطرفة إلى «زعزعة النظام العام واستغلال الحادث المؤسف لإشاعة العنف».

ولم يجد أشكنازي تبريراً لما جرى أثناء السيطرة على سفينة «مرمرة» سوى القول إن المتضامنين استخدموا قضباناً حديدية وسكاكين، «بل وإطلاق نار من سلاح اختطفوه من الجنود». وشدد على أن الجنود عملوا «كما ينبغي» لكن «العتاد لتفريق التظاهرات لم يكن كافياً ولحظة مواجهتهم الواقع (العنيف) استخدموا أيضاً أسلحتهم».

ولكن قائد سلاح البحرية شدد في كلامه على أن الجنود الإسرائيليين «أبدوا طوال المواجهة حزماً وضبط نفس وشجاعة كبيرة». واعتبر أن المسألة كان يمكن أن تنتهي بشكل «أسوأ بكثير لو أن الجنود تصرفوا بطريقة أخرى». وحمل مروم المتضامنين في سفينة «مرمرة» المسؤولية عن النتائج لأنهم ردوا على دعوات الجيش لهم بالتوقف «بإطلاق الشتائم والتصرف غير المناسب». وأضاف أن الجنود الذين أنزلوا جواً على السفينة تعرضوا لهجوم من 600 متضامن كانوا على متن «مرمرة» بشكل «عنيف عرض حياة الجنود للخطر».

ومع أن قائد سلاح البحرية شدد في المؤتمر الصحافي على أن جنوده اجتازوا تدريبات جسمانية ونفسية لتنفيذ المهمة إلا أنه لم يوضح ما إذا كانت النتيجة التي حدثت متوقعة سلفاً أم لا. واكتفى بالتبرؤ من أية مسؤولية بإعلانه أنه سبق وتم تحذير ركاب هذه السفن من الوصول إلى غزة.

ويمكن لكلام القادة العسكريين ووزير الجيش أن يقنع الإسرائيليين بسهولة لكنه يعجز عن إقناع أحد في العالم بصوابية موقفهم. فالجميع يعلم أن سفن «أسطول الحرية» ليست سفناً حربية، كما أن المتضامنين من جميع أنحاء العالم ليسوا مقاتلين. وبالتالي يصعب جداً تخيل قبول أحد بالرواية الإسرائيلية عن استخدام السلاح والقتل «دفاعاً عن النفس». ورغم اندفاع ماكينة الإعلام الإسرائيلية لتسويق تعرض الجنود الإسرائيليين لاعتداءات فإن هذا التسويق غير مربح. فالكثيرون في العالم يعتبرون أن المتضامنين دافعوا بالسلاح الأبيض عن أنفسهم في المياه الدولية في وجه اعتداء قرصنة إسرائيلي.

غير أن هذا الكلام في واد والأسئلة الحقيقية في واد آخر. وليس هناك سؤال في إسرائيل بعد انكشاف حجم الجريمة أهم من السؤال التالي: ألم يتوقع الجيش هذه النتيجة، وماذا كان عليه أن يفعل لتجنبها؟

وهناك في إسرائيل من يقول إن في ما أعلنته السلطات مسبقاً ما يشكل إدانة قاطعة لها. فهي أعلنت أن الرحلة «استفزازية» وأن غايتها «إعلامية» وأنها ترمي إلى «تشويه صورة إسرائيل في العالم». كما سبق لها أن أعلنت أن الغاية من الرحلة هي خلق سلسلة أحداث» تقود إلى تغيير في المناخ المحيط مما يعزز صورة حماس وينقص من شرعية إسرائيل في نظر العالم.

ودفع هذا بعض الإسرائيليين إلى القول بوجود «إخفاق» و«تقصير» و«خلاف» بين المستويين السياسي والعسكري. إذ كيف يمكن أن تنتهي عملية بمقتل 19 شخصاً من دول متعددة وجرح عشرات آخرين من دون ردة فعل دولية. وما هي الاستعدادات التي تمت لمواجهة موقف كهذا؟ وكيف أن الجيش الإسرائيلي يعلن أنه فوجئ بـ«مقاومة» المتضامنين لإنزاله الجوي ولاقتحامه البحري لسفينتهم؟ الأسئلة كثيرة وهي تتزايد مع مرور الساعات. ولكن الأسئلة السياسية أكبر بما لا يقاس.