خبر بكاء لاجيال..معاريف

الساعة 08:53 ص|21 مايو 2010

بقلم: بن كاسبيت

مع خروج السبت في العشرين من أيار 2000، جمع رئيس الحكومة ووزير الدفاع ايهود باراك جلسة عالجة للمجلس الوزاري المصغر في الكرياة في تل أبيب. كان في جدول العمل بطبيعة الامر خروج الجيش الاسرائيلي المتوقع من لبنان. وعد باراك بان يخرج في غضون سنة واحدة بعد بدء ولايته. اوشكت السنة ان تنقضي في غضون بضعة اسابيع (ادت حكومة باراك اليمين الدستورية في 6 تموز 1999)، وانتظر العالم بتأهب الانسحاب الاسرائيلي. ضغط حزب الله ضغطا شديدا على الشريط الامني، وتضعضع جيش لبنان الجنوبي وكان الوضع في الميدان هشا قابلا للانفجار. أخذ قائد المنطقة الشمالية غابي اشكنازي احد الوزراء الى احدى الزوايا وقال له قبل أن تبدأ الجلسة "يجب الخروج الان. هذه الليلة حقا". بين اشكنازي ان الشريط الامني قد ينهار في كل لحظة. الصفقة على شفا انحلال، وجيش لبنان الجنوبي يدرك الوضع، قد يحدث هذا في كل ثانية وسينهار كل شيء آنذاك مثل برج من اوراق اللعب.

        في اثناء الجلسة اثير اقتراح المغادرة من الفور. بين من كان يجب أن يبين انه اذا تم الخروج في اثناء الليل، فسيكون من الممكن الخروج على نحو منظم. واجراء مسيرة عسكرية، ونقل مسؤولية ولو رمزية الى جيش لبنان الجنوبي والمغادرة مع رأس مرفوع. ايد الوزيران حاييم رامون ومتان فيلنائي الاقتراح، بل خطبا خطبا حماسية في تأييده. كان رأس المعارضين وزير الخارجية ليفي. فقد كان ما يزال يؤمن بالاتصالات في الامم المتحدة، وبنى على سفر الى نيويورك وعلى استمرار التباحث مع الجماعة الدولية. وللاسف الشديد تبنى رئيس الحكومة باراك موقفه وهو أن لا يخرجوا في هذه الاثناء ويستنفدوا الاتصالات السياسية.

        كان ذلك قرارا سيئا. فمن الغد، في يوم الاحد 21 ايار، بدأ انهيار جيش لبنان الجنوبي. سببت حقيقة انه لم يوجد عمل مقر قيادة منظم قبل الانسحاب، بسبب خوف باراك من التسريبات، عدم يقين ويأسا عند رجال جيش لبنان الجنوبي. لقد خافوا ان تتركهم اسرائيل في جنح الليل (وهو ما تبين صدقه)، وبدأوا يبحثون لانفسهم عن ملاذٍ. في يوم الاحد ظهرت اولى الصدوع وبدأت تتسع سريعا. بدأت تسقط مواقع جيش لبنان الجنوبي. علموا في جيش لبنان الجنوبي أنه لا يمكن وقف الانهيار. أخذ الشريط الامني ينهار. بعد ذلك بيومين، في الليلة بين 23 الى 24 ايار، خرج الجيش الاسرائيلي من لبنان في اجراء بدا شبيها بهرب مذعور. اضاعت اسرائيل فرصة الخروج على نحو كريم مع خروج السبت. ضرب حزب الله القوات الخارجة من الخلف، وكان نصرالله يستطيع ان يظهر لنفسه انتصارا بطوليا. فقد نجح هو مع بضع مئات من المقاتلين في ان يهزم اعظم جيش في الشرق الاوسط ويجعله يهرب من لبنان. حصدت اسرائيل ثمار هذا الاضطراب بعد ذلك بعشر سنوات.

        نضج بيبي

        لنعد سنة ونصف سنة الى الوراء، الى الشهور الاخيرة من ولاية رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. دعيت قبل الانتخابات بوقت قصير الى محادثة مع وزير الدفاع آنذاك موشيه آرنس. تذكرون ان نتنياهو أعاد ارنس الى النشاط بعد أن اقال اسحق مردخاي الذي مضى لينشيء حزب المركز استعدادا للانتخابات. سمعت من ارنس استعراضا أمنيا للجبهات المختلفة. وعندما بلغنا الشأن اللبناني اسمعني ارنس كلاما مدهشا.

        قال وزير دفاع نتنياهو: نحن نزن تغيير طابع الوجود الاسرائيلي في جنوب لبنان. سألته ما الذي يقصده وفصل ارنس قائلا: لا داعي الى ان نوجد في مواقع ثابتة كبيرة تكون اهدافا سهلة لحزب الله. قد يجب ان نزن اخلاء المواقع، او جزء منها وان ننتقل الى طريقة اخرى. اهتممت بالطريقة الجديدة، وتحدث ارنس عن "وجود متنقل". عن دوريات، واستطلاعات للجيش الاسرائيلي في الشريط الامني تعيد الى اسرائيل المبادرة وتخرج جنودنا من مقام البط المستهدف.

        كان ذلك الكلام صارخا. عارضت حكومة نتنياهو الخروج من لبنان معارضة شديدة. وجعل ايهود باراك هذا الموضوع راية حملته الانتخابية، وبدأت النتائج تظهر في استطلاعات الرأي. فقد نتنياهو تفوقه على باراك، وظهر تعادل بل ربما أكثر من ذلك. اظهر باراك في المرة الاولى علامات تحليق. سألت نفسي أيمكن أن يكون نتنياهو قد لحظ المشكلة وأدرك ان الجمهور الاسرائيلي يريد الخروج من لبنان. على اية حال، كتبت ذلك في العامود الصحفي الذي نشر في هذه الصفحات حقا لكن بغير ابراز. بغير عناوين وبغير تشويق. كتبت ذلك من غير أن اصدقه.

        بعد ذلك فقط علمت التفصيلات الكاملة. أجل لقد بدأ نتنياهو ينضج. في آخر سنة من ولايته مال الى اعتقاد ان المأساة اللبنانية يجب أن تنقضي. وان ما يحدث في الشريط الامني هو عبء على اسرائيل لا يوجد فائدة معه. أسهم حادثان تأسيسيان في نضج بيبي: الاول كارثة المروحيات التي نقشت في الوعي الاسرائيلي على أنها احدى اشد الكوارث التي وقعت للجيش الاسرائيلي منذ كان. وكان الثاني سقوط العميد ايرز غيرشتاين. تبين أن قافلة غيرشتاين استهدفت لعملية محكمة من حزب الله، استعانت ايضا بمتعاونين محليين بل بمصوري صحف أجانب. كانت تلك قافلة تقليدية لبط مستهدف. استعمل ثلاثة اشخاص تأثيرهم في تلك الايام في نتنياهو للخروج من لبنان. كان الاول شاي افيتال، والثاني عامي ايالون (رئيس الشاباك)، والثالث عميرام لفين. كان الثلاثة ضباطا ذوي جلالة وخبرة. وليسوا يساريين خلصوا الى هذا الاستنتاج في منتصف تحليل يقظ للواقع. كان ذلك هو السبب الذي جعل بيبي يبدأ بالتفكير بالسر، في طرائق لوقف المأساة التي كلفت اسرائيل نحوا من 25 جنديا قتيلا كل سنة.

        لم يشاءوا سماع ذلك في الجيش الاسرائيلي. فقد عارض الجيش الخروج معارضة شديدة. اعتقد قائد المنطقة الشمالية اشكنازي ان الخروج من جانب واحد سيكون كارثة. وكذلك اعتقد رئيس هيئة الاركان شاؤول موفاز. كان لهما حليف مخلص في منطقة استراتيجية هو دان هرئيل الذي كان آنذاك السكرتير العسكري لوزير الدفاع اسحق مردخاي. لم يكن نتنياهو قادرا على تقديم هذه المبادرة ما كان مردخاي في عمله. تغلب الثلاثة: موفاز واشكنازي وهرئيل على الثلاثة: افيتال وايالون ولفين. وجدت صراعات خفية، بل انهم ذات مرة ارهقوا قائد الفرقة، آفي ايتام، من أجل طرح الموضوع عن جدول العمل، ومر الوقت.

        آنذاك أتى باراك، مع تصريحه الحاسم (في برنامج اذاعي مع دان مرغليت) عن أنه اذا انتخب لرئاسة الحكومة، فسيخرج الجيش الاسرائيلي من لبنان "مع اتفاق" في غضون سنة. بدأ باراك ترتفع اسهمه وهو الذي كان غير مرتفع في استطلاعات الرأي حتى ذلك الوقت. لقد ارهق الجمهور الاسرائيلي بلبنان، وضاق ذرعا بقتل الجنود، ولعق جراح المروحيات واراد الخروج. ادرك باراك ذلك ادراكا ممتازا، بواسطة استطلاعات الرأي ايضا، وجعله أداة ضغط سياسية قوية جدا.

        كذلك أدرك بيبي ذلك وان يكن متأخرا شيئا ما. ان ذهاب مردخاي مكنه من المناورة. كان ارنس، وهو شخص ذكي ذو خبرة، تعيينا منه ولم يكن وراءه قوة سياسية. في تلك اللحظة ولدت مبادرة الخروج، وان يحل محلها وجود متنقل. بدأ ارنس يقدم ذلك على رغم أنه لم يؤمن به. وهنا ايضا عارض الجيش معارضة شديدة. كانت تلك الايام التي سبقت الانتخابات وعلم نتنياهو ان الامر ضائع. فلن يخرج إذن من لبنان.

        أيمكن أن نقيس من هذه الاحداث على وقتنا هذا؟ ربما نعم. تبين مرة اخرى ان نتنياهو زعيم ضعيف متردد وغير مبادر ومجرور ومتلوٍ. ويكون قد فات الوقت الى أن يقرر. وتبين شيء آخر هو ان بيبي يحجم عن الخروج على الجيش الاسرائيلي. انه لا يتخذ قرارات في مواجهة المستوى العسكري. ربما لانه لم يكن رئيس اركان او جنرالا في الاحتياط، او لمجرد الثقة بالذات.

        انقضت احدى عشرة سنة من ذلك الحين واصبح نتنياهو قد جاوز الستين، وليس من المحقق أنه تغير. في هذه المرة ايضا توجد قرارات ملحة حاسمة، مثل مهاجمة ايران. في هذه المرة ايضا اذا استقر على رأي فقد يكون مخالفا لتوصيات المستوى الامني. قد تجلب نتائجه علينا كوارث تجعل كارثة لبنان قزما. أتكون عنده القوة؟ أيجد العظمة؟ أيكون هذا بالضبط هو السبب الذي يجعله ينشيء تعلقا كهذا بايهود باراك؟ لا نعلم.

        اتفاق؟ أي اتفاق؟

        لنعد الى ايهود باراك. انه يحاول في الاسابيع الاخيرة ان يحتاز لنفسه فضل الخروج من لبنان. أي اجراء قيادي، وأي رؤيا وأي قدرة على اتخاذ قرار وتنفيذه. اما الواقع بطبيعة الامر فهو معاكس تماما. جلب باراك على اسرائيل كارثة باهظة. أجل، كان يجب الخروج من لبنان. كان من الواجب الخروج من لبنان. لكن ليس على هذا النحو. ان خروج باراك من لبنان، وطريقة اعلان ذلك وشكل تنفيذه، نجم عنه جميع المشكلات والضربات التي حلت بنا في السنين التي تلت ذلك. الحديث عن حقائق تاريخية لا يستطيع الاعتراض عليها حتى مراسلو البلاط الذين يحيطون بباراك. ان اعلان باراك في ذاك البرنامج الاذاعي جعل الاوراق كلها خاسرة. وكانت حقيقة انه سجن نفسه في أجل مسمى قاتلة. حاول ان يجمع شيئا من النقط في الرأي العام لكنه انشأ واقعا صعبا. فقد عد الشرق الاوسط كله ايامه. مع دخوله عمل رئيس الحكومة من الفور ظهر ذلك العنوان عن القلعة على الجبل البركاني، مع عدد الايام. بدأ الصحفيون اعمدتهم الصحفية الاسبوعية بالعد النازل. كيف يمكن اجراء تفاوض في وضع كهذا. ومع من يمكن اجراء تفاوض؟ وكيف يمكن استعمال الضغوط واحراز انجازات وطلب اثمان عن اجراء تاريخي كهذا؟ لقد سمى الاجل واقر الحقيقة سلفا، وحاول بعد ذلك المساومة. ليس هذه حتى اساءة تدبير بل فوضى. دفعت اسرائيل ثمن هذه الفوضى دفعا كاملا.

        عشية انسحاب الجيش الاسرائيلي نقلت جهات فلسطينية رفيعة المستوى رسائل يائسة الى اسرائيل. ونشرت رسالة كهذه ايضا بهذه الصفحات. قام من ورائها ابو علاء الذي كان آنذاك رئيس فريق التفاوض الفلسطيني. قالت الرسالة ان خروج الجيش الاسرائيلي من لبنان من جانب واحد حتى الحدود الدولية سيكون خطأ شديدا. فقد يفضي الى نشوب انتفاضة. وقال الفلسطينيون كيف تتوقعون منا الهوادة معكم بعد ذلك؟ اذا كان بضع مئات من المحاربين يطردون اسرائيل حتى الخط الدولي فكيف يستطيع الشعب الفلسطيني أن يقبل اقل من ذلك؟ بعد سابقة سيناء والسلام مع الاردن والخروج من لبنان حتى آخر سنتيمتر، لن يكون للفلسطينيين مناص، قالوا. سيكونون مضطرين ببساطة الى الثبات على خطوط 1967. لكن لم يوجد من يصغي الى هذه الرسالة. كان باراك في عصف الانسحاب وعلم انه لن يكون مع أي "اتفاق".

        ما الذي قصده عندما قال "اتفاق"؟ ما اهمية هذا. فكر العالم كله ان الحديث عن سوريا ولبنان، معا او على حدة. وعندما سئل ماذا سيفعل اذا لم يحرز اتفاقا، رفض باراك الاجابة. فلماذا سمى هذا الاجل الكارث لمدة سنة؟ لماذا مدة سنة؟ لماذا لا نخرج من الفور اذا اردنا الخروج؟ اليس القتلى خلال سنة كاملة خسارة عظيمة؟ كان يستطيع ان يعلن بانه سيخرج من لبنان بغير أجل مسمى وان يستعمل الخروج آنذاك ورقة مساومة مع لبنان ومع العالم ومع أمريكا واوروبا لاحراز شروط جيدة، ولاضطرار حزب ا لله الى القيام باجراءات. لكنه لم يفعل كل هذا. كان أهم عنده احراز عناوين عند دان مرغليت وان يفوز في الانتخابات.

        في النهاية، وجدت محاولة بائسة لعرض الاتفاق على أنه "اتفاق" مع الامم المتحدة على رسم الحدود. هذا انفعالي بقدر كبير. بالمناسبة استمر الجدل في خط الحدود الى اليوم (انظروا مزارع شبعا). لو أن باراك فكر بالامر قبل ذلك لعلم انه يمكن احراز مكاسب مناسبة من الانسحاب، ويمكن املاء جزء من خط الحدود، ويمكن استعمال فرنسا في مواجهة لبنان على نحو سري. لكن باراك مثل ارئيل شارون بالضبط بعد ثلاث سنين من ذلك فضل الخروج فحسب. أن يرمي المفاتيح الى لا مكان، ليكسب من يمسك بها. وفي حالته أمسك حزب الله بها. وفي حالة شارون أمسكت حماس بها. من الذي ربح؟ من المحقق أن لسنا نحن.

        في العمى

        ان الاجل الذي سماه للخروج، في غضون سنة، احدث اضرارا اخرى من جملتها افشال التفاوض مع سورية. في كانون الثاني 2000، في شبردستاون، اعتقد باراك انه ما زال يملك نصف سنة آخر حتى حزيران ولم يسارع لمحادثات السوريين في الخط الحدودي. اما السوريون من جهتهم فاستشاطوا غضبا. لقد تخلوا سريعا ووافقوا على أكثر مطالب اسرائيل المتعلقة بالترتيبات الامنية والمياه والتطبيع. والان عندما ارادوا الحديث عن الخط الحدودي رفضهم باراك. لقد انتظر "انسحابه مع اتفاق" في حزيران. لكن السوريين استشاطوا غضبا وفجروا الصفقة. اضيعت فرصة تاريخية لمرة واحدة. لو أن باراك فعل الفعل الصائب، فعقد سلاما مع سورية، قرنه الى الخروج من لبنان لامكن آنذاك تحطيم ذراع حزب الله (عندما كانت ما تزال صغيرة نسبيا)، وان ينقض محور الشر بين طهران ودمشق (في حين كان ما يزال ضعيفا نسبيا)، وان يسكت الجبهة الشمالية (في حين كانت ما تزال في مهدها) ان يعزل ايران. كان ذلك يحدث انقلابا استراتيجيا ضخما في الشرق الاوسط ولربما ما كان ليحدث انتقاد العالم الحالي من مواجهة المشروع الذري الايراني. لكن باراك كما قلنا آنفا تمسك بمبادئه وتصريحاته وجداوله الزمنية. هكذا تكون الحال عندما تعمل الحياة كلها مع الساعات لا مع البوصلة.

        لقد منعت حقيقة انه خاف التسريب خوفا قاتلا عملا منظما بهيئة قيادة، كما قلنا آنفا. لم يعلم جيش لبنان الجنوبي شيئا ولهذا انتقض في ليلة واحدة. املى هرب جيش لبنان الجنوبي موعد الخروج الذي اصبح انسحابا مذعورا ان لم نقل هروبا تحت جنح الليل. ولما كان باراك رئيس الحكومة ووزير الدفاع ولم يحسب حسابا لوزير الخارجية دافيد ليفي، فانه وحده عالج موضوع الخروج. لم تكن وزارة الخارجية في الصورة. قد يكون هذا هو السبب لوجود عملية عسكرية غير مصحوبة بعملية سياسية. لم تستعمل ادوات ضغط، ولم توجد انجازات، ولم يفضِ الخروج من لبنان خلافا للانفصال الى ثمار سياسية. خرجنا فحسب. صفقنا الباب وراءنا، ورأينا نصرالله يصبح صلاح الدين الجديد، واعلنا بتبجح انه اذا اجترأ احد الان على مواصلة مطاردتنا فـ "سنعلم ماذا نفعل". كان ذلك تصريح باراك، ولم يعلم حتى هو سرعة اختبار الواقع لذلك.

        بعد الخروج بوقت قصير، اختطف حزب الله الذي حظي بمواقع مسيطرة على الجدار، ثلاثة جنود من الجيش الاسرائيلي في مزارع شبعا. لم يفعل باراك الذي قال قبل ربع ساعة ان ارض لبنان ستشتعل اذا وقعت اختطافات اخرى، لم يفعل شيئا. جثم هناك، غارقا في أناه الذاتي وابتلع الامر. وهو بالضبط ما حدث بعد بضع سنين بعد الخروج من غزة. لقد جعل الغول تهيج، وتطلع رؤوسا وتخرج اذرعا. دفعت اسرائيل الثمن في حرب لبنان الثانية. والحمد لله على أن ايهود اولمرت لم يوافق على التحمل اكثر، وقلب معادلة الردع الاقليمي بالخروج للحرب. والحمد لله على أنه فعل ذلك بعد ذلك ايضا، في الرصاص المصبوب.

        الذنب ذنبنا ايضا

        في مقابلة صحفية بذلها باراك قبل اسبوعين لصحيفة يديعوت احرونوت قال ان حزب ا لله أسس لان اسرائيل دخلت لبنان. وهذه سخافة مطلقة بطبيعة الامر. فكل من يفهم شيئا ما في الموضوع يعلم الحقيقة التاريخية. يروي العميد (احتياط) شمعون شبيرا الذي كتب كتابا عن حزب ا لله ويعد واحدا من كبار الخبراء في هذا المجال، يروي بانه في سنة 1979، مع الثورة الاسلامية، اتخذ آيات الله قرارا استراتيجيا هو تصدير الثورة الى اكبر عدد من الاماكن الاخرى في العالم. يروي شبيرا، الذي كان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة نتنياهو، أن احد ورثة الخميني وهو آية الله علي منتظري، عين للمهمة وانشأ "مكتب دعم حركات التحرر"، الذي كان في الحقيقة الجهاز الذي يفترض أن يدبر الثورات المتابعة. كان الهدف انشاء نوايات حركات اسلامية في أنحاء العالم تستعيد نموذج النجاح الايراني. وقد عملت على التوازي في عدة اهداف لكن لبنان كان الهدف الطبيعي اكثر من غيره. فقد كان فيه طائفة شيعية فائرة، مع صلة وثيقة بطهران، ووضع اجتماعي – اقتصادي قابل للانفجار وقرب جغرافي. وكان هناك ايضا ذخر آخر لا عوض منه، اكبر من الشراكة مع الشيطان نفسه الا وهو الكيان الصهيوني البغيض.

        زرعت بذور اقامة حزب ا لله في السنين الثلاث التي سبقت حرب لبنان. كان الهدف الايراني المعلن اقامة جمهورية اسلامية في لبنان. يروي شبيرا انهم توجهوا قبل ذلك الى حركة "أمل". لكن "أمل" كانت حركة لبنانية وطنية، لم توافق على المبدأ الشيعي – الايراني لـ "حكم الفقيه" بدل الحكومة العلمانية. رفض "أمل" أتى القرار على انشاء كيان شيعي مستقل. كان علي أكبر محتشمي، السفير الايراني في دمشق، هو المسؤول عن الاقامة نفسها. وحد في غضون بضعة اشهر جميع العناصر التي عارضت أمل"، وترك جزء منها "امل" (مثل نصرالله) وانشيء حزب الله مع غزو الجيش الاسرائيلي للبنان.

        صحيح أن غزو اسرائيل ووجود الجيش الاسرائيلي في لبنان 18 سنة كانا الزيت في عجلات حزب الله وعجلا جدا نشوءه وتأثيره، لكن من يقول ان الغزو الاسرائيلي انشأ حزب الله لا يدرك السياق الايراني الكوني ويعمل في مصلحة اولئك الذين يقولون ان حزب الله هو خلق يدي اسرائيل. الجواب الصحيح هو أن حزب الله خلق يدي ايران، نمته ورعته وعظمته اسرائيل بحماقتها. فشل تصدير الثورة الايرانية في أكثر الاماكن: في الخليج والعراق ومصر والاردن والمغرب. ونجح في لبنان فقط، بفضله.

        قبل خروج اسرائيل من لبنان حدث جدل بين مذهبين. قال الاول انه في اللحظة التي نخرج فيها، سيصبح حزب الله حزبا سياسيا. ويفقد من تأثيره وقوته. وقال الثاني عكس ذلك وهو أنه لا صلة بين الانسحاب الاسرائيلي ووجود حزب الله. فوجوده مشروط باستمرار الجهاد. الصلة عكسية. اذا انقطع الجهاد ضعفت المنظمة واختفت. ان من اعتقد ذلك كانوا قلة ضئيلة طوردت قبل الانسحاب وتبين بعده انها كانت على حق، فقد أحرزت ايران لنفسها موقعا ثمينا على جدارنا الشمالي. ولن تتخلى من هذا الموقع بسهولة. بين سنتي 2000 الى 2006 (حرب لبنان الثانية) جال على جدارنا جنرالات ايرانيون من الحرس الثوري مع نواظير. لم يعودوا هناك الان، لكن حزب ا لله اصبح اقرب من أي وقت مضى الى السيطرة المطلقة على لبنان.

        وماذا حدث لنا في العقد الاخير؟ من جهة احصائية، نحن نوفر 25 جنديا كل سنة (عدد القتلى في لبنان). ومن جهة ثانية، دفعنا عن ذلك قتلى حرب لبنان الثانية، ويقول غير قليل اننا دفعنا قتلى الانتفاضة. وحدث اختطافان قاتلان ايضا (خمسة قتلى) على الجدار. تحول حزب الله من حركة هامشية الى منظمة عظيمة القوة تملي السياسة اللبنانية. ويحاصر نصرالله رئيس لبنان ويسيطر على مجلس النواب والحكومة. انه الرجل الاقوى في لبنان، ممثل خمينئي الذي بيده تدبير الامر.

        والى ذلك يسيطر محور الشر على المنطقة. لو حدث السلام مع سورية ولبنان والخروج مع اتفاق حقيقي ونقض الجبهة الشمالية لوفرنا على انفسنا الواقع الصعب اليوم، حيث توجد فرقة ايرانية على الحدود وعشرات الاف الصواريخ الموجهة الى قلب تل أبيب. يسيطر على لبنان اليوم ذراعان قويتان لسورية وايران. ان مسألة متى يقرر الايرانيون استغلال التغيير السكاني في لبنان ويترجمونه الى مصطلحات سياسية، مع قلب نظام الحكم هي مسألة وقت فقط.

        لو أن اسرائيل ادركت عقد تسوية سلمية مع سورية لما وجد هذا النظام كله. ولكان خيار بنائه من جديد وتوزيع اوراق اللعب من جديد، ونقض محور الشر واكمال دائرة السلام حول اسرائيل. لكن كل هذا لم يحدث. حدثت امور اخرى سيئة مظلمة جدا، وهي في الحصيلة العامة الشيء الضئيل قياسا بما قد يقع بعد ذلك. لان البطلين نتنياهو وباراك لا يزالان في نفس الموقع الان ايضا.