خبر البعد الديموغرافي لسياسات الترانسفير الإسرائيلية .. نبيل السهلي

الساعة 04:07 م|14 مايو 2010

بقلم: نبيل السهلي

يندرج القرار العسكري الإسرائيلي رقم 1650 الصادر يوم الأحد 11/4/2010 في إطار السياسات الإسرائيلية الديموغرافية الهادفة إلى تفريغ الأرض الفلسطينية من عدد كبير من سكانها العرب الفلسطينيين، وتالياً القيام بعملية إحلال للسكان اليهود بغية الإخلال بالتوازن الديموغرافي في نهاية المطاف لصالح الإستراتيجية الإسرائيلية العليا.

ومن الأهمية الإشارة إلى أن المؤسسات الإسرائيلية سعت منذ عام 1948 إلى القيام بعمليات ترانسفير مباشرة من خلال استخدام القوة العسكرية القمعية، وغير مباشرة للفلسطينيين من خلال استصدار قرارات وقوانين إسرائيلية جائرة، تارة بحجج أمنية وتارة أخرى بمسميات التطوير والتحديث للبنى التحتية، ونجحت العصابات الصهيونية عبر ارتكابها للمجازر في عام 1948 وقبله من طرد غالبية الشعب الفلسطيني، وقامت الحكومات الإسرائيلية منذ إنشاء إسرائيل وحتى عام 2010 بابتكار سياسات إسرائيلية مدروسة لتهيئة الظروف لطرد مزيد من العرب الفلسطينيين والحد من تزايدهم الطبيعي المرتفع، فضلاً عن جذب مزيد من يهود العالم لقلب الميزان الديموغرافي لصالح اليهود.

وإن نجحت السياسات الإسرائيلية بشكل نسبي في توجهاتها، إلا أن وجود نسبة كبيرة من الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية -سواء داخل الخط الأخضر (1.4) مليون فلسطيني، أوفي الضفة الغربية (2.9) مليون ومن ضمنهم السكان العرب في مدينة القدس والبالغ عددهم نحو 230 ألف، وفي قطاع غزة (1.5) مليون فلسطيني- ما زال يؤرق أصحاب القرار والمؤسسات المختلفة في إسرائيل، ولهذا نرى تسارعا ملحوظا في وتيرة استصدار القرارات الإسرائيلية العنصرية التي تستهدف بمجملها اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم والقيام بعملية تهويد مدروسة تطال الأرض الفلسطينية وكذلك المعالم العربية المختلفة في فلسطين.

المذابح الصهيونية ومقدمات الترانسفير

لم تكن عملية اقتلاع القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني صدفة تاريخية، بل تم التحضير لمشاريع الترحيل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر أغسطس/آب من عام 1897، وكان العنوان الأبرز من أجل التنفيذ ارتكاب المذابح بحق الفلسطينيين باعتبارها من أنجع الوسائل التي يمكن استخدامها من قبل العصابات الصهيونية لإثارة الرعب بين السكان العرب وترويعهم، وبالتالي حملهم على الرحيل.

وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن في مذكراته أن المنظمات الصهيونية العسكرية قد قامت بطرد العرب، وهي التي نظمت عملية القتل والترويع ثم الطرد، وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى أن عدد المذابح التي أمكن تسجيلها قد وصل إلى (34) مذبحة، منها (24) مذبحة في منطقة الجليل، وخمس مذابح في وسط فلسطين، وخمس مذابح في منطقة الجنوب.

وثمة سبع عشرة مذبحة نفذت في ظل احتلال بريطانيا لفلسطين قبل عام 1948، ودون تدخل يذكر من قبل الجيش البريطاني، في حين تمّ ارتكاب سبع عشرة مذبحة صهيونية بحق الفلسطينيين العزل بعد انتهاء الانتداب البريطاني، ومن أشهر المذابح دير ياسين، ومذبحة الطنطورة في قضاء مدينة حيفا، والمذبحة التي ارتكبت في قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا، وكذلك في قرية الصفصاف في قضاء مدينة صفد، وعيلوط في قضاء مدينة الناصرة، ناهيك عن مذبحة مروعة ارتكبت بحق عرب المواسي، لكن أكبر المذابح كانت ارتكبت في الدوايمة قضاء مدينة الخليل.

ويمكن الكشف عن عشرات من المذابح الصهيونية في حال الوصول إلى رواة من القرى التي ارتكبت بحقها المذابح، لكنها لم تسجل لأسباب ضعف الإعلام من جهة وعدم وجود وعي كافٍ لتسجيل التاريخ الشفوي الفلسطيني ومن بينها المذابح.

ومن الوسائل التي سرعت في عمليات إفراغ القرى والمدن الفلسطينية من أهلها العرب الحرب النفسية والدعاية والحرب الإعلامية، حيث عمدت العصابات الصهيونية التي ارتكبت المذابح إلى فتح باب الخروج من إحدى جهات القرية لبعض من شهود عيان من أجل نشر الروايات حول الترويع الذي حصل بالفلسطينيين لحمل العرب الفلسطينيين على الرحيل إلى خارج فلسطين.

حقائق مثيرة حول الترانسفير (1948- 1967)

ثمة حقائق مثيرة حول الترانسفير الإسرائيلي، حيث تمّ طرد مبرمج لنحو (850) ألف فلسطيني في عام 1948 كمقدمة أساسية لفرض وقائع ديموغرافية يهودية في المناطق التي أقيمت عليها إسرائيل قبل 62 عاماً (1948-2010) واستمر مخطط التهجير الإسرائيلي، فأثناء احتلال الجيش الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1967 تم طرد 460 ألف فلسطيني بشكل مباشر وغير مباشر، وليطلق عليهم فيما بعد لقب نازحو العام المذكور.

وتشير تقديرات فلسطينية إلى أن مجموع النازحين الفلسطينيين قد وصل إلى نحو مليون ونصف المليون نازح في بداية العام الحالي 2010، ورغم عقد عدة جلسات للمفاوضات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل حول عودة الفئة المذكورة إلى الضفة والقطاع  فإن الطرف الإسرائيلي رفض عودتهم، بل على العكس من ذلك استصدرت إسرائيل قرارات عديدة منذ إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994 من أجل تعزيز توجهات المؤسسات الإسرائيلية في عدم عودة أي نازح فلسطيني، وبشكل خاص إلى مدينة القدس التي تتعرض إلى عملية تهويد مبرمجة من خلال محاولة ترحيل سكانها العرب في المقام الأول.

ومن الأهمية بمكان التأكيد بأن السياسات الإجلائية ومخططات الترانسفير الإسرائيلية المختلفة طالت نحو سبعة ملايين فلسطيني يشكلون (71.4%) من مجموع الشعب الفلسطيني في العام الحالي 2010 والبالغ نحو عشرة ملايين ونصف المليون فلسطيني حسب تقديرات الجهاز الإحصائي الفلسطيني، ومن بين الفلسطينيين الذين كانوا ضحية الترانسفير الإسرائيلي ثمة ستة ملايين لاجئ فلسطيني، إضافة إلى مليون ونصف المليون نازح.

أبعاد قرار الترحيل الإسرائيلي رقم 1650

يتضمن القرار العسكري الإسرائيلي رقم 1650 الصادر في أوائل شهر أبريل/نيسان المنصرم مخططا مرسوما ومعدا مسبقاً لطرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة من دون تصاريح إقامة، كما ينطوي القرار العسكري الإسرائيلي على دعوة مباشرة لعمليات ترانسفير مباشرة وتطهير عرقي لأبناء القدس وقطاع غزة الذين يعيشون في الضفة الغربية.

ومن أوائل الفلسطينيين الذين يحتمل أن يكونوا ضحايا للقرار الإسرائيلي العنصري هم أولئك الذين يحملون بطاقات هوية تبين عنوان مساكنهم في قطاع غزة -المولودون في غزة وأبناؤهم الذين ولدوا في الضفة الغربية– أو الذين ولدوا في الضفة الغربية أو في الخارج وفقدوا لسبب أو لأخر صفة الإقامة.

كما يحتمل أن يستهدف القرار أزواج الفلسطينيين المولودين في دول أجنبية، واللافت أن القرار الإسرائيلي الجديد يضع الفئات الفلسطينية المشار إليها سابقاً ضمن سلطة المحاكم العسكرية الإسرائيلية.

ويقوم القرار الإسرائيلي المذكور بتوصيف كل من دخل الضفة الغربية بصورة غير مشروعة على أنه "متسلل" إليها، وكذلك هي الحال بالنسبة لكل من يقيم في المنطقة من دون تصريح من قبل السلطات الإسرائيلية.

وينص القرار الإسرائيلي العسكري على أنه في حال اكتشاف القائد العسكري الإسرائيلي "لمتسلل" دخل أخيرا منطقة معينة في الضفة الغربية فإن له أن يأمر بإبعاده قبل مرور 72 ساعة على الوقت الذي يستلم فيه أمر الإبعاد الخطي، بشرط أن يعاد "المتسلل" إلى الدولة أو المنطقة التي تسلل منها، ولم يقف القرار الإسرائيلي عند الحد المذكور بل منح القائد العسكري الإسرائيلي صلاحية مطالبة "المتسلل" بتسديد تكاليف احتجازه وطرده بمبلغ يصل إلى 7500 شيكل إسرائيلي، أي نحو 1600 دولار أميركي.

والأخطر في القرار الإسرائيلي الجديد أنه سيطال في حال تطبيقه أكثر من سبعين ألف فلسطيني يقيمون في مناطق مختلفة في الضفة الغربية، ناهيك عن احتمالات الحبس لكل فرد من الأشخاص الذين أشار إليهم القرار الإسرائيلي لمدد قد تصل إلى سبع سنوات، ثم القيام بعملية إبعاد إلى خارج الضفة الغربية.

ويشار إلى أنه -وبعد إنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994- تمّ عودة نحو 190 ألف فلسطيني كانوا نواة للعمل في مؤسسات السلطة وخاصة الأجهزة الأمنية والشرطة وبعض المؤسسات الأخرى، ومن المقدر أن تصدر السلطات الإسرائيلية قرارات تدعو لإبعادهم في المستقبل.

استخلاصات

من خلال ما تقدم يمكن تسجيل الاستخلاصات التالية:

أولاً: يندرج القرار العسكري الإسرائيلي رقم 1650 في إطار السياسات الإسرائيلية الديموغرافية الهادفة إلى تفريغ الأرض الفلسطينية. وسيطال القرار المذكور سبعين ألف فلسطيني في الضفة الغربية في حال الشروع في تطبيقه.

ثانياً: لم تكن عملية اقتلاع القسم الأكبر من الشعب الفلسطيني صدفة تاريخية، بل تم التحضير لمشاريع الترحيل واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم منذ المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية في نهاية شهر أغسطس/آب من عام 1897.

ثالثاً: طالت السياسات الإجلائية ومخططات الترانسفير الإسرائيلية المختلفة نحو سبعة ملايين فلسطيني يشكلون (71.4%) من مجموع الشعب الفلسطيني في العام الحالي 2010 والبالغ نحو عشرة ملايين ونصف المليون فلسطيني.

رابعاً: من أشهر المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية من أجل ترويع الفلسطينيين وطردهم بعد ذلك، مذبحة دير ياسين، ومذبحة الطنطورة في قضاء مدينة حيفا، والمذبحة التي ارتكبت في قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا، وكذلك في قرية الصفصاف في قضاء مدينة صفد، وعيلوط في قضاء مدينة الناصرة، ناهيك عن مذبحة مروعة ارتكبت بحق عرب المواسي، والدوايمة في قضاء مدينة خليل الرحمن.