خبر حكمة آبائنا في القدس -هآرتس

الساعة 09:56 ص|13 مايو 2010

حكمة آبائنا في القدس -هآرتس

بقلم: افشلوم فيلان وموريس سترون

(فيلان عضو كنيست سابق عن ميرتس؛ وسترون استاذ في العلوم في جنيف)

(المضمون: يجب الفصل بين الدين والسياسة في ادارة شؤون القدس ونقل بت أمرها لاستفتاء الشعبين الفلسطيني واليهودي - المصدر).

        نحتفل مرة اخرى بيوم القدس. المدينة التي ضم جزآها قبل 43 سنة ما تزال تثير بواعث تزداد على السنين، كتلك التي تبعد بطبيعتها كل حل سياسي في المستقبل.

        إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي اعترف في خطبة بار ايلان بحل الدولتين، يكرر شعار أنه سيظل يبني في القدس لان المدينة أسست على أنها مدينة يهودية وقد كانت كذلك منذ فجر وجودها، وعلى ذلك لن تكون هوادة في شأنها. كل ذلك برغم أنه يتبين للجميع ان الاعتراف بحل الدولتين يعني تقسيم القدس.

        كذلك من جهة التاريخ، مقالة ان القدس كانت دائما مدينة يهودية، وعلى ذلك فان حقوقنا فيها تاريخية ليست مقالة دقيقة اذا لم نشأ المبالغة، على حسب القصة التوراتية في الاقل. فقد سميت المدينة قبل سنين كثيرة من احتلال الملك داود لها باسم يبوس. ليس اصل اليبوسيين واضحا الى اليوم لكن يبدو انهم أتوا من الاناضول او من شمال سورية. كان الجيش الذي احتل به داود المدينة جيش مرتزقة كونوا حرسه الشخصي. لم تشارك في ذلك أسباط يهودية البتة، ولهذا لم تنسب المدينة الى أي سبط بعد احتلاله، وأصبحت ملكا خاصا للملك (ولهذا سميت مدينة داود).

        بعد احتلال المدينة اشتر الملك داود من حاكمها السابق قطعة أرض ليبني عليها الهيكل ونقل الى هذه الأرض التابوت المقدس. وبرغم ذلك رفض مدة أربعين سنة من حكمه جعل القدس مركز دين موسى، لانه أشفق من أن تختفي بذلك المراكز الاخرى التي كانت فيها هياكل مثل شيلو وبيت لحم والخليل وبيت ايل. ضمنت كثرة الهياكل توزع العبادة الدينية. بل ان داود استجاب نصيحة النبي نتان وحرص على الاحتفاظ باستقلال المعابد بحيث استطاعت أن تعرض مطالب سياسية أخلاقية على السلطة السياسية. وبهذا أحدث داود فصلا للدين عن السياسة ونجح في ألا يتورط، لا كما في أيامنا هذه، في الصلة غير  الممكنة بين المشاعر الدينية والسياسة الواقعية.

        لم يكن للقدس في ذلك العهد أي دور في عقيدة التوحيد. لم يجند الشعب اليهودي لاحتلالها وتحريرها، وكان المحتلون من  المرتزقة عبدة أوثان. إن استقرار الرأي على جعل القدس عاصمة سياسية كان لداود ولسبب سياسي فقط: فموقعها الاستراتيجي وحقيقة أنها لم تكن ملكا لسبط ما جعلاها عاصمة مثالية، ورمزا لوحدة شعب اسرائيل السياسية.

        محاولات السيطرة الدينية على العاصمة السياسية لم تحدث سوى الضرر. فقد بلغ التطرف اليهودي في نهاية عصر الهيكل الثاني مثلا الذروة في الصراع بين الصدوقيين والفريسيين في القدس. وانتهى الى سيطرة السكريكيين على الخطاب العام بالارهاب وأفضى ذلك الى خراب الهيكل وضياع الاستقلال السياسي.

        ان العبرة التي تعلمت من الصدمة أظهرت علاماتها، وفي سنة 361 للميلاد كانت عودة الى سياسة داود السليمة. آنذاك اقترح القيص يوليانوس (ابن أخ قسطنطين الاكبر) على اليهود ترميم الهيكل. رفض هلل الثاني الاقتراح لانه اعتقد أن السلطة السياسية ستختفي تحت السلطة الدينية التي ستنحصر حول الهيكل وهو ما سيفضي الى ضرر سياسي بالشعب اليهودي. أدرك حكماء قادة اسرائيل ومستشاروهم أن الربط بين الدين والسياسة في القدس سيضر بامكان اقامة حياة سوية في  المدينة وفي المملكة.

        لكننا في الـ 43 سنة التي مرت منذ ضمت أجزاء المدينة معا لم نتعلم من التجربة التاريخية. تقرر سياسة اسرائيل في القدس قيادة سياسية قصيرة النظر، محصورة في أيدي أحزاب أصولية، ليس عندها أي اهتمام باقامة حكيمة للسيادة الاسرائيلية. حكم على كل محاولة للفصل بين الدين والسياسة في شأن المدينة والدولة بفشل محقق تقريبا.

        الحل الممكن على ذلك هو نقل بت مسألة القدس، مثل الحال مع سائر موضوعات النزاع الجوهرية الى الشعبين مباشرة الاسرائيلي والفلسطيني باستفتاء شعبي في اقتراح حل دائم. يستطيع الاقتراح الذي يصاغ على أيدي وسطاء برئاسة الولايات المتحدة، أن يلتف على العوائق التي ستحاول قيادة الطرفين الجوفاء اقامتها أمام كل تسوية ممكنة.

        تحتاج القدس  العاصمة الابدية اليوم الى الحكمة السياسية لقادتها الماضين.