خبر تطرف اجتماعي يدعم تطرف نتنياهو السياسي .. بلال الحسن

الساعة 06:48 م|09 مايو 2010

بقلم: بلال الحسن

رغم سوء وفشل المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية على مدى سبعة عشر عاما، ورغم الإجماع في السلطة الفلسطينية على وصف تلك المفاوضات بالعبثية، فإنه لم يحدث أن كانت جولة مفاوضات على وشك البدء، ثم ووجهت بإحساس عارم، بأنها مفاوضات فاشلة حتما حتى قبل أن تبدأ. وربما يكون السبب في ذلك أن كل طرف أصبح يعرف مواقف الطرف الآخر، ويستطيع أن يتكهن سلفا بما سيعرض، وبما سيقبل، وبما سيرفض. ويزيد من وضوح هذه المسألة أن نتنياهو وحكومته لا يجدون حرجا في الكشف علنا عن مواقفهم الخفية، بل يجدون فيها وسيلة من وسائل كسب وتوسيع التأييد الداخلي لهم. وحين يؤدي ذلك كله إلى نوع من الأزمة بين حكومة إسرائيل والرئاسة الأميركية، يتشجعون في إسرائيل بأخبار التراجع الأميركي عن الضغط على إسرائيل، ولو في إطار قضية واحدة هي وقف الاستيطان في مدينة القدس. بل ويتشجعون أكثر حين يستعد الوسيط الأميركي ديفيد ميتشل لبدء الجولة الجديدة من مهمته، وتكون الخطوة الأولى في هذه المهمة، أن يقوم الرئيس الأميركي نفسه بالاتصال هاتفيا بنتنياهو، ويتبادل معه عبارات الثقة والحرص الأميركي على أمن إسرائيل، بينما يسأل الصحافيون المتحدث باسم البيت الأبيض عن موعد الاجتماع المقرر بين أوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيمتنع عن الإجابة عن هذا السؤال. ويتولد عن ذلك أمر جديد، وهو أن الفلسطينيين هذه المرة، لا يثقون بوعود الإدارة الأميركية، بعد أن وثقوا بها طويلا من دون نتيجة تذكر، وبخاصة مع وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض.

في ظل هذا الجو من الإحباط، ستبدأ المفاوضات غير المباشرة. المفاوضات عن قرب، حسب التسمية الأميركية. وهي ستبدأ بتمهل. إذ وصل ميتشل إلى المنطقة، واجتمع مع نتنياهو، وسيجتمع الأحد (اليوم) مع محمود عباس، ثم يغادر إلى واشنطن، ليعود بعد أسبوعين.

وبانتظار ذلك تواصل حكومة نتنياهو إعلان «بعض» مطالبها من الفلسطينيين في عملية التفاوض القادمة. وللتذكير فقط نورد منها ما يلي:

* اعتراف فلسطيني بيهودية دولة إسرائيل.

* القدس عاصمة لإسرائيل ولن تقسم أبدا.

* اعتماد مبدأ تبادل الأراضي بما يضمن ضم المستوطنات المحيطة بالقدس إلى دولة إسرائيل رسميا.

* حق العودة لن يطرح للتفاوض، لأنه لا يوجد في القانون الدولي مفهوم يدعى «حق العودة». أي حق العودة إلى بلد ليس بلدك.

* مراعاة الحقائق على الأرض عند بحث موضوع المستوطنات. وهذا موضوع تم تضمينه في رسالة شهيرة من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى آرييل شارون.

* مراعاة الاحتياجات الأمنية عند بحث موضوع الحدود، وذلك لتأمين حضور دائم للجيش الإسرائيلي على نهر الأردن في أي تسوية.

ويكفي حين نقرأ هذه المطالب الإسرائيلية، أن نجزم سلفا، بأن المفاوضات غير المباشرة ستفشل قبل أن تبدأ، وحين تبدأ، وحين تنتهي. وستفشل أيضا حين تتحول إلى مفاوضات مباشرة.

وما يجب ملاحظته هنا، أن التطرف الذي تعبر عنه السياسة الإسرائيلية في عملية التفاوض مع الفلسطينيين والعرب، والذي تتساوى بداخله كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، يتساوى مع تطرف أخطر ينمو داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه. فالوضع القائم في إسرائيل لا يتلخص بحكومة يمنية متطرفة يتزعمها نتنياهو، بل إن هذا الوضع الحكومي هو تعبير عن نمو مسبق للعقلية اليمينية المتطرفة داخل المجتمع، ويتناغم هذا الوضع الشعبي اليميني مع الحكومة الرسمية اليمينية، وتنشأ بسبب ذلك حالة خطرة، تعبر عن مجتمع يسير بأكمله، جمهورا وأحزابا وهيئات وجمعيات، نحو اليمينية والتطرف، وبالتالي نحو الفاشية والعنصرية والأبارتهايد والترانسفير..

وقد أصبح نمو هذه الظاهرة داخل إسرائيل، قضية تتداولها الصحف، ويناقشها الكتاب والسياسيون، وتجري نقاشاتها وسجالاتها داخل الكنيست الإسرائيلي. وهناك أمثلة علنية بدأت تعبر عن هذه الظاهرة منها:

كتلة حزب «إسرائيل بيتنا» الذي يرأسه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، تقدمت إلى الكنيست بمشروع قانون أطلق عليه اسم «قانون الولاء»، وتم رده من الكنيست. وهو مشروع قانون يدعو إلى أن يحرم من حق الانتخاب، كل من يمس بالأسس الديمقراطية للدولة، واعتبر القانون مناهضا للديمقراطية.

مشروع آخر مناهض للديمقراطية، وأكثر خطرا منه، مطروح على الكنيست، ويتبناه نائبان يمينيان متطرفان من حزب «كديما» الذي ترأسه «تسيبي ليفني» وزيرة الخارجية السابقة. وهدف القانون أن تعتبر الجمعيات والمنظمات الإسرائيلية التي تطالب بمحاكمة ضباط أو سياسيين إسرائيليين بارتكاب جرائم حرب، جمعيات ومنظمات خارجة على القانون.

ويندرج في هذا الإطار ما أعلنه جهاز الأمن الإسرائيلي عن مستوطنين يعملون سرا، وينوون المس بالمساجد. وقد جرى في هذا الإطار حادث إحراق مسجد قرية «اللبن الشرقية» جنوب نابلس قبل أيام. وحادث إحراق مسجد في قرية ياسوف في شهر كانون الأول من العام الماضي. وحادث الاعتداء على مسجد حواره في شهر نيسان الماضي.

ويندرج في هذا الإطار أيضا، حملة منظمة تجري بأشكال مختلفة ضد صحيفة «هآرتس» التي تعارض هذه السياسات اليمينية. من أمثلتها رسم كاريكاتوري ظهر في موقع إلكتروني، يبين جنديا يعتمر قبعة دينية، وقد غرس في ظهره سكين كتب تحتها «صحافيو هآرتس». وعريضة كتبت ووقعت ووزعت، وهي تدعو إلى اعتبار صحيفة «هآرتس» خارجة على القانون، وتعريفها بأنها منظمة إرهاب.

وهناك أيضا قانون ضد من يحتفلون بذكرى النكبة الفلسطينية، بدلا من الاحتفال بفرحة الاستقلال الإسرائيلي. وقد أجيز هذا القانون في القراءة الأولى.

وقد علقت صحيفة «هآرتس» على كل هذا المنحى قائلة إن هذا الذي يجري في إسرائيل هو الفاشية بعينها، فالفاشية ليست حركة سياسية، إنها مزاج عام. وقالت الصحيفة إن جماعات يهودية متطرفة، قد استولت على الصهيونية في إسرائيل، وهي تهاجم كل من ينتقد من اليسار. وقالت أيضا: ها نحن نشهد حركة «إسرائيل بيتنا» وهي تستلب الشعور الوطني.

وحين يكون المجتمع غارقا في صراع محتدم إلى هذا الحد، ولا يتقبل حتى الآراء اليهودية الأخرى، نستطيع أن نستنتج ماذا سيكون موقف هذه القوى تجاه مطالب الفلسطينيين، حتى تلك المطالب التي لا تخرج عن إطار «اتفاق أوسلو» الذي وقعته إسرائيل.

والطريف في الأمر، أنه بينما يجري كل هذا الذي يجري في إسرائيل، تخرج أصوات رسمية وشعبية من داخل هذا اليمين المتطرف، تدعو الفلسطينيين إلى وقف ما يسمونه «التحريض» الفلسطيني. والتحريض الفلسطيني يشمل، حسب ما تقول إسرائيل، كل ما يتم إعلانه في الإعلام الفلسطيني من مواقف، وكل ما يتم تلقينه للأطفال الفلسطينيين في المدارس حول وطنهم وتاريخه، وكل ما يتم ذكره حول الحواجز، والأسرى، والاعتقالات، والقتل العمد أثناء الملاحقات.

.. وإسرائيل هي واحة الديمقراطية. صدق أو لا تصدق. وهي أيضا الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. صدق أو لا تصدق.