خبر حدائق حيوان غزة.. بزنس دون ضوابط

الساعة 05:41 م|03 مايو 2010

حدائق حيوان غزة.. بزنس دون ضوابط

فلسطين اليوم – قسم المتابعة

كثيرون يرَون أن الحيوان مجرَّد كائنٍ مخلوق كيفما أردنا له العيشَ "عاش"، وأينما أردناه له أيضاً "عاش"، ولكن أيمكن أن تكون المسئولية التي يحتاجها الحيوان من ذاك "الناطقِ" مجردَ وضعه في قفصٍ أمام وعاءِ ماءٍ وآخرَ طعام، ومن ثم استقبال نظرات المتفرجين القادمين للاستمتاع برؤية حيوانٍ لم يسبق لهم أن رأَوه على غير شاشات التلفاز, ليليه بعد ذلك أو قبله ربحٌ ماديٌ كبير يجنيه صاحب تلك الحديقة؟!

 

ففي زيارةٍ لإحدى حدائق الحيوانات بغزة كانت البصمةُ الواضحة على ذاك المكان رائحةً تشمئز منها الأُنوفُ, وتنفر لرؤيتها العيون لسوء حاله، لكن أحداً من المتفرِّجين لم يعلم بحال المسكين داخلها، فهو كما رآه.. مجرَّد "حيوان" لا ينطق..

 

وبنظرةٍ أكثر عدلٍ لتلك الحيوانات في حدائق غزة، كان لابد من طرق باب أصحابها للتعرف عما تعانيه بعيداً عن بيئتها الأم والخروج بهذا التقرير:

 

اتجهنا من خلال "فلسطين" إلى عماد قاسم, مدير حديقة حيوانات شذا بمدينة غزة, الذي أوضح بدوره أن حديقة "شذا" تعمل جاهدة على توفير البيئة المناسبة للحيوانات, ومحاولة إيجاد مناخ مناسب لها.

 

ترفيه الأطفال

وتابع :" على الرغم من أن فكرة إنشاء حديقة حيوانات واسعة النطاق في قطاع غزة موضوع صعب في الفترة الحالية, إلا أننا حاولنا قدر الإمكان إقامة هذه الحديقة لترفيه الأطفال في المقام الأول, حيث إن عدد الحيوانات محدود ولكن هذا المتوفر ".

 

وعن مصادر جلب تلك الحيوانات الموجودة في حديقة شذا بيَّن أنها أدخلت للقطاع عبر الأنفاق, مشيراً إلى أنها أصبحت تعتبر المعابر "الشرعية" والمتاحة أمام المواطن الغزي الذي أغلقت أمامه كافة المنافذ.

 

 

مناخ قطاع المعتدل يناسب أغلب الحيوانات التي تتميز بسرعة التأقلم فهو دافئ وتغيراته ثابتة نسبية، وتبقى عملية توفير الأغذية والأقفاص المناسبة أمر ضروري لاستمرار هذه الحيوانات في الحياة

قاسم

 

أما بخصوص الأجواء التي يتم توفيرها للحيوانات كي تلائمها ولو بمقدار بسيط, قال قاسم:"مناخ القطاع بشكل معتدل يناسب أغلب الحيوانات إلى جانب أن الحيوانات سريعة التأقلم فهو دافئ وتغيراته ثابتة نسبية "، منوهاً إلى أنه بجانب توفير الأجواء المناسبة يتم توفير الأغذية والأقفاص التي تلائم تلك الحيوانات.

 

من جهة أخرى, تحدث عن الرعاية الطبية المقدمة للحيوانات في حديقة شذا قائلاً :" عندما نقوم بجلب تلك الحيوانات عبر الأنفاق يكون معها مخالصات طبية إلى جانب إشراف وزارة الزراعة من الناحية الطبية المتعلقة بصحة الحيوانات، كذلك الإشراف البيطري المستمر للتأكد من سلامة هذه الحيوانات".

 

من جهة أخرى, أشار إلى أن أكثر المشاكل التي تواجههم هو غياب الضوابط القانونية التي من شأنها تقييد افتتاح هذه الحدائق في أراضي القطاع ، واصفاً أن العديد من الحدائق تحمل صفة " البزنسة " .

 

وأضاف:" العديد من أصحاب الحدائق المنتشرة في القطاع هدفهم الأساسي من هذه الحدائق هي تحقيق الربح المالي دون مراعاتها للأهداف الأساسية وراء إنشاء هذه الحدائق, الأمر الذي جعلهم مقصرين في العديد من الأمور والجوانب خاصة المتعلقة برعاية الحيوانات, وتوفير البيئة اللازمة ".

 

المعبر الشرعي

أما أبو إسماعيل برغوت صاحب حديقة "مرح لاند" فيرى أن السبب الرئيس وراء جلب الحيوانات عبر الأنفاق هو عدم توافر أصناف عديدة في قطاع غزة إلى جانب عدم وجود أي محميات طبيعية, الأمر الذي جعل جلب الحيوانات مقتصر على الأنفاق .

 

وأضاف :" هذا ما نملكه لتأسيس هذه الحدائق في غزة، فلو كانت الطرق متاحة أمامنا لكانت الحدائق بصورة أخرى غير الموجودة حالياً, ولكن بالإمكانات البسيطة تمكنا من تأسيس "مرح لاند"، إلى جانب قيامنا بجلب الزواحف كالثعابين وخلافه من الأراضي الخالية وكروم العنب وبعض " البيارات", حيث لا تتواجد في أماكن أخرى في القطاع".

 

وفي السياق ذاته, أوضح أبو إسماعيل أن البيوت والأقفاص التي يتم تجهيزها للحيوانات تعد لتحميها من الشمس والبرد إلى جانب تغذيتها وفقاً للإمكانات المادية المتاحة ".

 

ويتمم أبو إسماعيل شارحاً " مصيبته " حسب وصفه :" خلال الحرب التي استهدفت القطاع تم استهداف حديقة "مرح لاند" فقُتل عدد من الحيوانات, ودُمِر جزء كبير من الحديقة، الأدهى من هذا كله أن الجهات الحكومية لم تقدم لنا الدعم لتعويض خسائرنا ولو بجزء بسيط والتي تقدر 70 ألف دولار ".

 

 

أكثر المشاكل التي تواجههم هو غياب الضوابط القانونية التي من شأنها تقييد افتتاح هذه الحدائق في أراضي القطاع ، واصفاً أن العديد من الحدائق تحمل صفة "البزنسة"

قاسم

 

ويتابع :" الأمر لم يتوقف على تلك الأزمة والدمار الكبير الذي تعرضت له الحديقة ، بل تجاوزتها لتشمل الإهمال الطبي وعدم خبرة الأطباء البيطريين بالصورة المطلوبة" ذاكراً أنه قبل فترة ليست ببعيدة عانت نعامة من مرض، فقام أحد الأطباء البيطريين بتقديم دواء "شربة" للنعامة التي لقيت حتفها على الفور نتيجة سمية هذه الشربة.

 

وأضاف :" الطب البيطري الموجود في القطاع مقتصر فقط على الدجاج والماشية دون أي اعتبار لباقي الحيوانات التي بحاجة لرعاية طبية مستمرة وخبرة واسعة ".

 

كما اختتم حديثه مع "فلسطين" قائلاً :" ها أنا اليوم قد عرضت حديقتي للبيع لأن التكاليف المالية مرتفعة ولا يوجد أي دعم مقدم من جانب الحكومة الفلسطينية, لذلك لم أجد سبيلاً آخر إلا إقفالها وعرضها للبيع".

 

ضعف الرعاية البيطرية

من ناحية أخرى, اتفق مدير حديقة غابة الجنوب أبو دياب عويضة مع برغوت في ضعف الرعاية البيطرية المقدمة للحيوانات, إلى جانب قلة خبرة الأطباء في علاج العديد من الأمراض التي تعتري الحيوانات خاصة البرية منها.

 

وتابع :" مشاريع حدائق الحيوانات من المفترض أن تكون تحت رعاية الحكومة الفلسطينية وليس ذات ملكية لأشخاص كما هو حال حدائق القطاع" منوهاً أن ذلك من شأنه توفير الرعاية الطبية اللازمة إلى جانب توفير الدعم المالي .

 

من جهة أخرى, انتقد عويضة الجهات المختصة التي تقوم بإغفال أهمية الحدائق في غزة دون تقديم أي عون لها مما ضاعف المهمة والعبء على كاهل أصحاب حدائق الحيوانات في غزة ,حيث إنه من المفترض رعاية هذه المشاريع من قبل الدولة الأم، حسب قوله.

 

"السفاري"

وفي هذا السياق, أكد المحاضر في قسم الأحياء في الجامعة الإسلامية أ.أشرف الشافعي أنه في شتى أنحاء العالم منتشرة يتجه التفكير نحو حدائق الحيوان المفتوحة "السفاري"، مؤكداً أن الوضع في غزة غير مناسب لإنشاء هذه الحدائق من الأساس.

 

وقال في هذا السياق:" إن تغير المناخ والطبيعة على الحيوانات يؤدي ذلك إلى إصابتها بـ" اكتئاب" حيث إنها تتأثر سلبياً باختلاف ساعات الليل والنهار والمناخ ودرجات الحرارة إلى جانب ضيق المساحات مقارنة مع بيئتها الأساسية.

 

وأوضح في هذا الجانب أن هناك طيوراً قد تحتاج إلى هدوء نسبي حتى تتزاوج أو تضع البيض، حتى أن هناك بعض الحيوانات التي تترك طعامها نتيجة لاختلاف البيئة أو حتى التعامل معها.

 

 

الحيوانات ليست سريعة التكيف كما يعتقد البعض وتحتاج لفترة مناسبة حتى تعتاد على المكان الذي تعيش فيه كما أن الحيوانات التي تنقل من قفص لآخر تكون تربيتها بشكل أفضل وأسهل من تلك التي تجلب من البرية

وأشار إلى أن الضرر لا يقتصر على بيئة الحيوانات بل يتجاوزه ليشمل أنواع غذائها, فعلى سبيل المثال يعتقد الكثيرون أن " القنفذ " يتناول الحشائش إلا أنه يعيش على ديدان الأرض، هذه المعتقدات الخاطئة وغيرها تسبب إما مرض الحيوانات أو موتها.

 

وفي سياق آخر, أكد الشافعي أن الحيوانات ليست سريعة التكيف كما يعتقد البعض, بل تحتاج لفترة مناسبة حتى تعتاد على المكان الذي تعيش فيه، كما أن الحيوانات التي تنقل من قفص لآخر تكون تربيتها بشكل أفضل وأسهل من الحيوانات التي يتم جلبها من البرية.

وتابع :" حتى الرعاية البيطرية بحاجة إلى تطوير حتى تناسب الحيوانات الموجودة، نظراً لأن معظمها من خارج فلسطين بالتالي فهي بحاجة لرعاية خاصة على كافة الأصعدة وأهمها الرعاية الصحية البيطرية".

 

ناحية ايجابية

إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الإيجاب كما اعتبر الشافعي الذي أوضح أن تلك الحدائق تقوم بتثقيف الطفل وزيادة معرفته الذي تمنى أن يكون هذا هو الهدف الأساسي من إنشاء هذه الحدائق، مشدداً على أهمية أن ترتكز هذه الحدائق على أهداف اجتماعية وليست مادية ربحية.

 

ووجه الشافعي كلمة إلى الجهات المختصة للقيام بدراسة الإمكانيات المتوافرة في القطاع، والحيوانات الموجودة في الحدائق إلى جانب توفير الضروريات لهذه الحيوانات حتى يصبح سلوكه مشابهاً لسلوكه الطبيعي، مشيراً إلى أن الناحية الفسيولوجية للحيوانات تتأثر بشكل كبير بسبب اختلاف البيئة.

 

وعن الدور الحكومي تجاه حدائق الحيوانات أكد د.حسن عزام نائب دائرة الخدمات البيطرية أن وزارة الزراعة هي المتابع الرئيسي للحدائق، حيث إنها تقوم بتقديم الإرشادات واللقاحات الكاملة بالإضافة إلى تزويدها لأصحاب الحدائق بأرقام هواتف الوحدات البيطرية المتواجدة في القطاع.

 

وزارة الزراعة ودورها

وأضاف :" الوزارة معنية جداً بالرعاية الصحية المقدمة للحيوانات, إلى جانب الاهتمام بشكل كبير بأقفاصها والمنازل المخصصة لها، ناهيك عن إشرافها على نظافة تلك الحدائق حتى لا تتسبب بأي أمراض سواء للحيوانات أو زوار الحديقة ".

 

من جهة أخرى, أكد أن أصحاب الحدائق هم المسؤولون عن الأمراض والأخطار التي تتعرض لها حدائقهم أو الحيوانات, وذلك بسبب عدم الخبرة, إلى جانب استخدامهم لأدوية خاطئة من شأنها أن تضر بالحيوانات .

 

كما لفت إلى أن الوزارة حريصة على أن تهيئ الأجواء للحيوانات البرية من خلال تكييف الظروف وبيئة الحديقة طبقاً لنوع الحيوان الموجود، إلى جانب أنه يتم الحجر صحياً على أي حيوان يصل إلى الحديقة حتى يتم فحصه والتأكد من سلامته قبل دمجه مع الحيوانات الجديدة.

 

وفيما يتعلق بالكوادر الطبية, أكد أن الوزارة حريصة على تطويرهم وتوسيع خبراتهم حتى يتمكنوا من علاج الأمراض التي تعتري الحيوانات .

 

وأضاف:" معايير الغذاء لدى الحيوانات تخضع لنظام صارم, حيث إن الحيوانات حساسة ,خاصة الحيوانات الآكلة للحوم ، لذلك يجب توفير الطعام الطازج لها والصالحة للاستهلاك ".

 

أما عن أهم المشاكل التي تواجه وزارة الزراعة في هذا الشأن فأجملها عزام بالعشوائية في إدخال الحيوانات للقطاع، إلى جانب عدم مطابقة مواصفات الكثير من الحيوانات للمواصفات المطلوبة، كما تم في الفترة الأخيرة إدخال العديد من الحيوانات دون أن تخضع للمراقبة الصحية.

- صحيفة فلسطين