خبر إسرائيل تعلن عن منازعتها الحياة..هآرتس

الساعة 09:06 ص|30 ابريل 2010

بقلم: تسفيا غرينفلد

مجلس الطلاب في جامعة بيركلي في كاليفورنيا اتخذ مؤخرا قرارا يدعو الى فرض مقاطعة على اسرائيل. فقد عرضت البروفيسورة جوديت بتلر، المعروفة بنزعتها المؤيدة للنساء امام الجمهور المتحمس رؤياها "اليهودية" الجديدة، التي تدعو الى التخلي عن دولة اسرائيل، وهكذا اعربت النخب الثقافية مرة اخرى عن ايمانها بالمبدأ الثيولوجي الذي اساسه معارضة الثقافة الغربية. كفاح الفلسطينيين ضد اسرائيل يرمز في نظر هذه النخب اليوم الى الانتفاضة البطولية للمهانين والمذلين ضد المنتصرين الذين فقدوا انسانية وشرعية الروايات المحلية – وفي الحقل الاسطوري والثيولوجي هذا لا يوجد على الاطلاق غطاء لنقاش سوي العقل يستند الى الحقائق والعقل السليم.

        جعل اسرائيل الممثل الاسوأ للاستعمار الغربي هي مفارقة كبيرة في ضوء قلة الشعب اليهودي والتاريخ المناهض لليهود الذي ساد اوروبا بحدة. حكم روسيا للشيشان او احتجاجات الايرلنديين والباسكيين ضد بريطانيا او اسبانيا، مثلا، لا تحظى بمثل هذا الانتقاد الحاد. ربما لانه ليس مناسبا الاشتباك مع الروس وبريطانيا واسبانيا تقترحان بالفعل على الاقليات مساواة ديمقراطية وحقوق انسان كاملة.

        اما اسرائيل بالمقابل فتواصل السيطرة بالقوة على الفلسطينيين وفي مناطقهم. ومن أجل الحفاظ على جوهرها اليهودي فانها ايضا لا تعتزم على الاطلاق منحهم حقوق المواطن المتساوية. لا حاجة لان يكون المرء مثقفا نقديا كي يفهم بان هذا التناقض الداخلي لدولة ترى نفسها تقدمية، غربية وديمقراطية هو أمر متعذر.

        لا يمكن إذن التملص هنا من حل يختار واحدا من امكانيتين: إما انسحاب ضروري من كل اراضي الضفة الغربية واقامة دولة منفصلة ومستقلة للفلسطينيين او اعطاء حقوق متساوية بالتأكيد لكل السكان الذين يوجدون في اطار القوة الاسرائيلية، فلسطينيين ويهود على حد سواء. في مثل هذا الحالة ستفقد اسرائيل بالطبع جوهرها الصهيوني كدولة الشعب اليهودي، واذا ما اتيحت على الاطلاق حياة مشتركة للفلسطينيين واليهود بعد مائة سنة من الكراهية – فان سكان فلسطين اليهود سيصبحون على الفور أقلية بائسة تعيش تحت رحمة ملايين العرب المسلمين حولها.

        مثل هذا التطور، الذي سيصفي المشروع الصهيوني، سيؤدي بمعظم السكان اليهود لاسرائيل سابقا لان يهجروا بلادهم في محاولة لايجاد حل جديد لانفسهم، على اساس فردي. وكل ذلك انطلاقا من الافتراض بان ما حصل قبل الكارثة لن يكرر نفسه، وملايين اللاجئين اليهود الجدد سيتمكنون بافعل من ايجاد ملجأ لانفسهم في الدول الديمقراطية الغربية. سيناريو رعب كهذا سيعيد الشعب اليهودي بأسره الى الوضعية التاريخية من الضعف والضحية، ومن الصعب التصديق ان يكون ممكنا التحقيق دون هزة أرضية.

        امكانية مخيفة اخرى هي، بالطبع، ان تتخلى اسرائيل عن وعي عن تعريفها الذاتي كديمقراطية غربية. وهي بالتدريج ستصبح دكتاتورية تعرف نفسها كيهودية، وهكذا تواصل السيطرة بقوة السلاح على كل اراضي البلاد غربي نهر الاردن وحرمان الفلسطينيين من حقهم في الحرية او المساواة. مثل هذا الحسم سيصفي اسرائيل كدولة حديثة، وبناء على ذلك ايضا سيصفي قدرتها على الدفاع عن نفسها وتطوير نفسها كمجتمع آمن ومزدهر في القرن الـ 21. واضح ان في مثل هذه الحالة ايضا سيغادر اسرائيل معظم سكانها المثقفين والمبادرين. اسرائيل ستبقى مع المتدينين واليمينيين، الذين بعضهم قادر على الدفاع عنها، ولكن معظمهم تنقصهم كفاءات التنمية والادارة المتطورة. وهكذا تنكشف الدكتاتورية الاسرائيلية – اليهودية امام ضعف جوهري يؤدي في النهاية الى سقوطها بالقوة على ايدي اعدائها المسلمين.

        من المحزن التفكير بان هذه المسيرة قد بدأت على ما يبدو، وانهيار التعليم والتعليم العالي، الى جانب الفساد السياسي والتعزز الهائل للقطاعات غير المستعدة لحمل العبء الاجتماعي، الاقتصادي والعسكري يشجع الاسرائيليين الاكفاء والنشطاء على ترك السفينة اليهودية الغارقة. وحتى لو كانت المعاملة لاسرائيل كمن تجسد الشر المطلق تعبر، عمليا، عن صيغة جديدة وبشعة للاسامية التقليدية، التي رأت دوما في اليهود ممثلي كل الشر على الارض – فلا تزال الحقيقة بسيطة وقاسية: اسرائيل التي لا تسمح بحل الوضع الفلسطيني، اعلنت في واقع الامر منذ الان عن منازعتها الحياة ذاتيا على نحو محتم، وعن التصفية التدريجية لمقدرات المعرفة والكفاءة التي بواسطتها عرفت كيف تدافع عن نفسها وتطورها. من أجل انقاذ اسرائيل يجب الانفصال فورا عن المناطق وسكانها.