خبر تحرير وتقديم ايهود باراك..يديعوت

الساعة 09:04 ص|30 ابريل 2010

بقلم: اليكس فيشمان

        (المضمون: يعلم وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك أنه من أجل ان يحظى بتأييد الامريكيين لموقف اسرائيل اذا ارادت أن تشن هجوما على المنشآت الذرية الايرانية، يجب أن يأتي الامريكيين بمهر على صورة خطة ما لتسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني - المصدر).

        يصعب أن نفترض أن وزراء المجلس الوزاري المصغر أو أعضاء السباعية يعلمون بذلك، وليس واضحا ما الذي يعلمه حتى رئيس الحكومة، لكن ايهود باراك لم يخرج هذا الاسبوع الى واشنطن بيدين فارغتين. فليس عجبا أن اوباما قفز على نحو تلقائي – مخطط له الى مكتب مستشار الامن القومي، جيم جونس، عندما بسط باراك مطعوماته على المائدة بالضبط.

        والحديث عن خطة طرية صاغها باراك في الزمن الاخير مع جماعة من المقربين من أجل تسوية دائمة بين اسرائيل والفلسطينيين، وهم يتبنون أيضا عناصر من خطط سابقة. لكن السم في الدسم: فكعادة باراك، هذه خطة معوجة ترمي، في المراحل الاولى في الاقل الى الالتفاف على حقول الغام في الاساس. وهي لا تناقض من جهة ثانية خطة فياض لبناء الدولة الفلسطينية، ولا تناقض الخطة السعودية ولا مبادرات ميتشل بل إنها لا تتحرش كثيرا جدا بائتلاف نتنياهو اليميني. لكنها تتحدث عن عاصمتين في القدس وعن تبادل أراض في الضفة.

        لا توجد في خطة باراك، على طولها كله جداول زمنية، ولا يوجد في المراحل الاولى ايضا اخلاء للمستوطنات بل للبؤر الاستيطانية فحسب. واذا علا صراخ مع كل ذلك فان باراك يعتقد انه يستطيع اخراج قطع الحلوى لتحلية الحبة المرة.

        يتحدث باراك في المراحل النهائية عن كيس حلوى كامل: "بوليصة تأمين" دولية من أجل أمن اسرائيل. ويقصد أن تجاز حين يحين الوقت جميع هذه الرزمة الاسرائيلية – الفلسطينية لا في الشرق الاوسط فحسب بل على أعشاب البيت الابيض. في يوم القرار التاريخي ستقوم الامم المتحدة من خلفها وسيضمن أمن اسرائيل بالربط بتسوية أمنية دولية.

        أيبدو هذا مثل رؤيا آخر الزمان؟ ربما لكن من المنطقي افتراض انه اذا لم تتحقق أفكار وزير الدفاع على أنها خطة اسرائيلية (وهذا معقول جدا مع ائتلاف نتنياهو الحالي)، فانها ستعود الى هنا واحدة بعد الاخرى على أنها خطة أمريكية.

 

        "لن نفاجىء"

        مما يلذ أن نعلم ان موظفين رفيعي المستوى ما عادوا يمتعضون في الوقت الاخير عندما يثار اسم اسرائيل في الأروقة الطويلة المعوجة من وزارة الخارجية. بل انهم يبتسمون وليس ذلك بفضل باراك وحده.

        انهم ينجحون في الوقت الاخير. عاد ميتشل راضيا الى مكتبه في الطابق الرابع. وعلى حسب الفهم في واشنطن، التزمت اسرائيل ألا تفاجئه باجراءات بناء في الضفة وفي القدس ما ظل المسار الذي يقوده قائما. الحديث في الحقيقة عن التزام شرق اوسطي، لانه ما الذي يعنيه بالضبط "ألا تفاجئه"، لكن الامريكيين يفهمون ذلك كالامريكيين، بمصطلحي الابيض والاسود، وبعد سلسلة عدم التفاهم السابقة لا نوصي بالفحص عن فهمهم للمقروء.

        أقنع ميتشل الاسرائيليين والفلسطينيين ايضا بأنه يمكن بدء محادثات تقارب لاربعة أشهر، والانتقال بعد ذلك مباشرة الى محادثات مباشرة كامتداد واحد. الحديث من جهته عن مسألة تقنية ولا فرق بين المضامين التي ستثار في محادثات التقارب وتلك التي ستثار في المحادثات المباشرة. في الحالتين، حتى عندما ينتقل المبعوث الامريكي بين الجانبين، لن يعمل مثل وسيط فحسب بل سيكون لاعبا نشيطا يثير أفكارا.

        السؤال الاول الذي سيبحثونه – اذا بدأت المحادثات وعندما تبدأ، ربما في الاسبوع المقبل – سيكون الحدود الدائمة ما عدا القدس. لا يوهم أحد نفسه بأن يوجد اتفاق حتى شهر ايلول على خريطة الغد، لكن مجرد وجود تفاوض في هذه القضية يلتف في رأي الامريكيين على النقطة الحرجة لانقضاء تجميد البناء. اذا اتفقت في الاشهر القريبة اسرائيل والفلسطينيون والولايات المتحدة على مخطط الحدود، حتى بغير توقيع عليه، فستستطيع اسرائيل أن تهضم استمرار التجميد كما يعتقدون في واشنطن.

        التزم ميتشل أن يقدم للفلسطينيين اجابات على سلسلة من الاسئلة، قبل أن يجلسوا لمحادثات التقارب. مثلا: ماذا ستفعل الولايات المتحدة اذا نقضت اسرائيل تجميد البناء. لكن في حين ما زالوا ينتظرون في رام الله الجواب، يوجد في القدس من هم على ثقة بأنهم يعلمونه: في المحادثات التي أتمها ميتشل مع اسرائيليين ألمح الى انه اذا نقض نتنياهو التجميد من طرف واحد فلن تمنع الادارة في مجلس الامن اتخاذ قرار مضاد لاسرائيل في هذه القضية.

        من أجل تعزيز هذه النقطة بين أناس يعملون تحت إمرة ميتشل قائلين: انطروا، صارت عند رئيس فرنسا حساسية من رئيس حكومتكم. فقد انتقل عن صداقة كبيرة الى غضب عظيم. محي نتنياهو من قائمة اصدقاء ساركوزي، وستكون فرنسا هي التي ستقدم اقتراح التنديد والتوصيات بخطوات مضادة لاسرائيل. نحن لن نتدخل ببساطة.

        في هذه الاثناء، في الجو الايجابي الذي ساد هذا الاسبوع، استقر رأي السلطة الفلسطينية على قرار استراتيجي هو جهد اعلامي مباشر نحو الرأي العام في البلاد. أن يعرض على الاسرائيليين جوهر التسوية الدائمة كما يرونها واقناعنا بأن اليوم الذي سيتلو توقيع الاتفاق لن يكون فظيعا، وأن يبينوا في الاساس انه يوجد من يتحدث اليه وما يتحدث فيه. كان أول تباشير ذلك أبا مازن مع المقابلة الصحفية مع ايهود يعاري في القناة الثانية، وبعد ذلك يخطط الفلسطينيون لدعوة ممثلين من الجامعات والقطاع الاقتصادي وصاغة الرأي العام لمحادثات مع قادة السلطة وزيارات في المناطق.

        وقد دفع الى هذا الصدع الذي يبزغ منه شعاع ضئيل في ظلام الشرق الاوسط، دفع هذا الاسبوع أحد الاشخاص القلة في القيادة الاسرائيلية ممن ما تزال الادارة الامريكية تحفظ لهم شأنهم.

        ايهود باراك بعيد من أن يكون سائسا ساذجا ذا رؤى عن شرق اوسط جديد. أتى واشنطن للحديث عن ايران، لكنه يدرك ايضا ان قدرة اسرائيل على التوصل الى تفاهمات في هذه القضية متعلقة بعمق سيرها نحو تسوية مع الفلسطينيين. ذلك الرباط المشهور. لهذا شخص باراك وفي جعبته خطة مدرجة، وأساسية جدا للحل الدائم. لو كان أتى بيديه فارغتين لما رأى الرئيس ولما حظي بحفل صحفي مع روبرت غيتس. وأسوأ من ذلك لكانت سدت آذان قادة الادارة عن قضية التعاون في الموضوع الايراني.

        يرون في اسرائيل ان الصلة التي أنشأها الامريكيون بين النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني وبين ايران والعراق وافغانستان خطأ بل خطر. ان باراك هو في قلة القلة بين وزراء السباعية. حتى وان لم يعتقد انه يوجد منطق في هذا الربط، فانه يدرك انه لا حاجة الى محاربته الان لان اوباما مؤمن بالربط. وما ظل من الممكن الجريان معه بغير جعل كل خلاف في الاجراء مسألة مبدئية – يمكن التقدم، يقول باراك لنفسه ولمن هو معني بسماعه.

        أو بعبارة أخرى: ان باراك اليوم هو رئيس مذهب البراغماتية السياسية .

        واحد عن ثلاثة

        تحاول اسرائيل منذ اكثر من سنة أن تفهم ما هو في الحقيقة موقف امريكا من موضوع ايران، وبأي شروط سيكونون مستعدين لعملية عسكرية. تحسس باراك ذلك عدة مرات في واشنطن. وفعل فعله الوزيران بوغي يعلون ودان مريدور، ومستشار الأمن القومي عوزي اراد ايضا يجوب المحيطات لهذا الشأن.

        أتى باراك هذه المرة قاصدا أن يعود الى البيت مع أجوبة أشد وضوحا بقليل لسؤالين. يتصل أحدهما بمقدار العقوبات التي يخطط الامريكيون لفرضها على ايران، وصبغتها. والثاني: ماذا سيحدث اذا فشلت وبقي الخيار العسكري فقط.

        لكن باراك هبط في الولايات المتحدة في ذروة صراع قوى – داخل البيت الابيض والمؤسسة الامنية. من الصحيح اليوم وجود ثلاثة مذاهب سيضطر اوباما الى الاختيار من بينها. يقول مذهب جديد نسبيا منسوب الى العسكريين خاصة: سنضطر الى تعلم العيش مع قدرة ذرية عسكرية في ايران. بالمناسبة، يقدر زعماء عرب معتدلون يلتقون اسرائيليين أن هذا هو التوجه الذي سيغلب، وأنه سينشأ سباق تسلح ذري في الشرق الاوسط. بل انهم أكثر قلقا في هذا الشأن منا.

        والمذهب الثاني ويتمسك به اوباما الان يقول: تحادث والى جنبه تهديدات وعقوبات، في حين لا يثور امكان عمل عسكري. ان وزير الدفاع غيتس مثلا لا يتأثر تأثرا خاصا بحقيقة أن ايران توشك أن تجتاز شفا احراز القدرة الذرية العسكرية. ويقول لا يوجد ما يقلق. فقنبلة واحدة ليست تهديدا، وسيحتاجون الى سنوات كثيرة لانتاج ترسانة كاملة. لا شيء ملح.

        ويقول المذهب الثالث الذي يمثله اثنان من كبار مسؤولي مجلس الأمن القومي هما دينيس روس وتوم دونيلون: اذا أزالت الولايات المتحدة الخيار العسكري عن الطاولة فلن تملك وسيلة لوقف اسرائيل. لا يحل للولايات المتحدة أن تبلغ وضعا تسلم فيه للذرة الايرانية، ولهذا يجب أن تعد الخيار العسكري لا على أنه بديل نظري فحسب.

        ما يزال الرئيس حائرا، ومع ذلك كله تغير شيء ما في امريكا. فاذا كان روبرت غيتس ورئيس مقار القيادة المشتركة مايكل مالن قد أعلنا على رؤوس الاشهاب قبل سنة أنهما لن يقبلا على أي حال من الاحوال عملا عسكريا اسرائيليا مستقلا لمواجهة ايران، فان النغمة في الاشهر الثلاثة الاخيرة اصبحت اقل حسما. يوجد شعور بأن هذه قد تكون فرصة لتبين الموضوع مرة اخرى في جو أكثر ودا. وقد يكون هذا ما فعله باراك في واشنطن هذا الاسبوع.

        ماذا سيفعل الاسترالي

        تتحدث كل خطة عسكرية، ولا يهم من خطط لها او يخطط او سيخطط لها، عن هجوم جوي على أنه عنصر رئيس في القضاء على المنشآت الذرية الايرانية. ولما كانت اسلحة الجو بالحجم الاوروبي غير قادرة على القضاء على آلاف الأهداف التي ينبغي القضاء عليها، فسيختار المخطط عددا من الأهداف المركزية تصيبها بضع عشرات من القنابل اصابة حاسمة.

        هذه الاصابة تستطيع أن تؤخر استكمال القدرة الذرية الايرانية خمس سنين أخرى أو سبعا.

        الى جنب هجوم كهذا يحتاج الى عشرات الطائرات، في مشهد يكون أكثر من حدث لمرة واحدة. وبعد ذلك ايضا يحتاج الى الاحتراس، لان من المعقول افتراض ان يطلق الايرانيون على أهداف غربية، وسيكون من الواجب اصابة قواعد اطلاق ومقار قيادة وتسويتها بالارض. اذا شاركت اسرائيل في هجوم كهذا، فمن شبه المحقق أن نوجد في تلك المرحلة ايضا في حرب مع حزب الله ولبنان، او مع سورية او مع كليهما معا.

        سيسأل كل رئيس اركان لكل جيش نفسه في هذا الوضع: هل أنا قادر على تنفيذ عمل كهذا وحدي، بغير مساعدة خارجية وبغير دعم امريكي. وسيراوح الجواب بين "غير ممكن" و "غير مراد جدا". وسيتوجه آنذاك الى نظيره الامريكي ويسأل: بماذا تستطيعون مساعدتي؟ والى أي قدر أستطيع الاعتماد عليكم؟

        تبدأ مستويات التعاون الممكنة من الصفر، كما كان في قصف المفاعل الذري في العراق في 1981. فوجىء الامريكيون وجمدوا صفقة الـ اف 16، وحظيت اسرائيل بتنديدات دولية.

        في مقابلة ذلك كان التعاون على قصف المفاعل الذري في سورية (بحسب نشرات أجنبية) حوالي 7 في السلم بين صفر الى 10. يزعم باحثون امريكيون ، ان وزارة الدفاع الامريكية كانت تعلم بالعملية مسبقا، وانه تم تعاون استخباري. ليس واضحا أكان هنالك اتفاق على طريقة العمل، لكن كان هنالك علم وموافقة صامتة ومنح دعم سياسي. يستطيع من يحظى بتعاون كهذا على قصف ايران الاكتفاء بذلك.

        إن مستويات أخفض من التعاون هي تفاهمات من نوع "الانساني": أنا لا أبلغك شيئا ولا أطلب اذنك، لكنني اذا هاجمت، وحدث عطل وسقوط طائرة في البحر، فساعدني على تخليص الطيارين.

        في المستويات التالية يوجد تبادل معلومات استخبارية، من النوع الذي يتم كما يبدو بغير استعدادات لعملية عسكرية ايضا. وأنت تطلب في ذلك ألا يشوشوا عليك حتى وإن لم تطلب المساعدة قبل العملية. يمكن التشويش بطرق سياسية وبطرق عسكرية أيضا تشتمل على مجال الحرب الالكترونية. وعدم التشويش يعني تجاهل طائراتك في مسارات جوية ما. في مستويات تعاون كهذه تستطيع أيضا أن تطلب معلومات استخبارية محددة، وحالة الجو في يوم الهجوم وسائر المعطيات في الوقت المناسب.

        نحن نتحدث في الحقيقة عن وضع يستطيع فيه رئيس الاركان الاسترالي، على سبيل المثال أن يفهم أنه تلقى ضوءا أخضر، من غير أن يسألوه متى وأين ولماذا. سيقول لك حليفه في ظروف ما، سنقبل بتفهم حقيقة أنك اضطررت للعمل وسنؤيدك في الميدان السياسي.

        في مستويات أعلى من التعاون سيمنح الامريكيون هيئة القيادة العامة الاسترالية قدراتهم العسكرية مع طائرات انذار وطائرات تزويد بالوقود، وفي هذا المستوى الاقصى ستكون هذه عملية مشتركة، كما في الحرب المشتركة بين سلاحي الجو الامريكي والبريطاني في العراق.

        عندما يصبح واضحا للاسترالي أين ستقف الولايات المتحدة في يوم الفصل، سيكون عنده امكان اتخاذ قرارات في قضيتين جذريتين تشغلان كل مخطط في كل جيش في العالم، ولهما تأثير حاسم في التوازن بين الاخطار والاحتمالات. الاولى: كيف ستبدو الساعات والايام التي تلي موجة الهجوم. والثانية: كيف نواجه في اليوم التالي المعركة السياسية.

        الى الهجوم الذي يرمي الى تدمير البنى التحتية الذرية، قد تتم أيضا عمليات عسكرية محدودة، من أجل ضعضعة الفرض العالمي الذي أخذ يزداد أنه يمكن العيش مع الذرة الايرانية. قد يكون ذلك عملية من الجو على احدى المنشآت كتلك التي تمت في سورية على يد جهة ما تزال غير معروفة الى اليوم.

        بعد أن نقض في 1981 حظر مهاجمة منشأة ذرية، قد ينقض حظر اصابة منشأة نشيطة أيضا. ليس كل اصابة لمنشأة كهذه يقتضي احداث صورة تشارنوبل، ولا يستطيع الايرانيون الاعتماد على أنهم سيصبحون ذوي حصانة في اللحظة التي يملكون فيها مفاعلات ذرية نشيطة.

        يمكن بحسب هذا التوجه تأجيل الهجوم عدة سنين، الى أن تتغير الظروف السياسية وينضج الاستعداد العسكري.

        وفي النهاية: كما تحاول عدة مذاهب في الولايات المتحدة أن تحظى بثقة المستوى السياسي، الامر مشابه في اسرائيل ايضا. والمشكلة هي ان كل توجه يجذب لحاف الميزانية اليه، وكل واحد ينشىء، بدل الجدل الموضوعي خصومات مسفة، وكراهيات وتسريبات على عمد وحروب كرامة.

        إن الجهاز الامني – السياسي على اختلاف أذرعه يبذل اليوم الكثير من الطاقة في حروب اليهود. قد لا يوجد ما يخيف من القنبلة الايرانية لاننا اصبحنا نأكل بعضنا بعضا.