خبر كتب أيمن خالد: فلسطين ورسائل العشق من تركيا

الساعة 10:08 ص|28 ابريل 2010

كتب/ أيمن خالد

                                                 -1-

  في مدينة عثمانيا اقترب مني طفل صغير في العاشرة من العمر وهمس لي أن له أختاً صغيرة في غزة، وبالطبع اللغة العربية حاضرة لأن صديقي المترجم والصحفي آدم أوزكوسة معي طوال الرحلة الصعبة،  وأيضا لا يخلو الأمر من مترجمين دائما، فاللغة العربية لغة موجودة عند الأتراك في كل مكان، وهي حلم الشباب والفتيات الأتراك، وهم يأتون الى الدول العربية لتعلمها بعد او قبل تخرجهم من الجامعات، وأما إذا سالت عن أحلام شبان العرب سيقولون لك امتلاك الانجليزية، مؤكد أنها تساعد في الحديث مع الأجانب، ومؤكد إن الذي يتقن الانجليزية هو مثقف فوق العادة وعلى الأقل لا يحتاج إلى قراءة ترجمة الأفلام الأمريكية التي سيشاهدها، وأما الأتراك فهمومهم قراءة القران الكريم وتعلم العلوم الإسلامية،... هم قادمون حقاً.

  أعود إلى الطفل الذي همس بأذني أن له شقيقة تعيش في غزة وتعجبت وكيف دخلت، فأبلغت أنها أسيرة هناك وبالتفاصيل العجيبة، ولما تحققت من الأمر أكثر عرفت أن هناك مؤسسات خيرية في تركيا أخذت من فلسطين عشرة آلاف اسم لطفل فلسطيني،  وأعطوا هذه الأسماء إلى قرناء لهم من تركيا وابلغوهم ان هؤلاء إخوتهم في غزة، وبالتالي ولكي لا ينسى الطفل شقيقه الأسير، فعليه أن يسأل والده باستمرار كيف هو حال أخي.

 وينبغي على الوالد التركي أن يحدث الطفل كل أسبوع قصة عن أخيه الطفل أو الطفلة الأسيرة في مكان ما في فلسطين، وبالطبع الطفل التركي يعيش هذه القصة في حياته اليومية،ويكبر وهو يعتقد أن  أخته الحقيقية أو أخوه الحقيقي هو أسير في فلسطين، وفي كل أسبوع سينتظر قصة يحكيها له الوالد يقول له فيها شيئا عن أخيه أو أخته في فلسطين.....

الله اكبر ......

والله إني اشعر بالخجل.....

ولذلك سأتنحى جانبا ولعلي سأرثي أمة، أو ابكي على الحال الذي وصل إليه الفلسطيني الحائر والعاثر، فالعرب الإخوة والأشقاء لم يفهموا هذه المعادلة، ولم يستطيعوا أن يجعلوا من الفلسطيني الأسير أخا وشقيقا لهم، بل هو الغنيمة باستمرار، وإذا أمكن طحنه وشرب الماء عليه فلا مانع، وكذلك الأنظمة العربية جل همها طوال العقود الماضية، ظل في أن تشطب اسم الفلسطيني من ذاكرتها، وظل فلسطيني الشتات جريحاً، يئن في غربة بين الأهل، فهناك دولة عربية ألقت آلاف الفلسطينيين في رمال الصحراء سنوات عدة، لأنها غير مقتنعة باتفاق أبرمه سياسيون فلسطينيون، وكأن للفلسطيني في الشتات أرضا يمكنه أن يعود إليها، لذلك فهم يعاقبون هذا الضائع في الغربة، الذي يريد الخبز والماء في بلاد النفط، وبلاد الأحلام والقصور الجميلة، وكل ما ينقص الترف يستطيع ان يستكمله حتى في صحرائنا لأن المال متوفر، والإرادة لكل فنون الترف موجودة.

وكذلك في دولة أخرى يطردون الفلسطيني من جوار فلسطين لأنه أشعل ثورة، فيشترك في ذبحه العرب والصهاينة معا في معركة نسيها الإعلام لكن ذاكرة الشعب الفلسطيني الممتلئة لم تنسها بل بقيت تحمل منها كثيراً.

وفي دولة غيرها لا يحق للفلسطيني ان يكون انسانا، فهو ممنوع من العمل من البناء من امتلاك بيت او سيارة، ويحق للهندي والباكستاني واليهودي الصهيوني إذا حمل غير الجنسية الإسرائيلية أن يمتلك هناك، ولكن الفلسطيني هو خطر كبير على التوازن الديموغرافي، في بلد بحجم علبة الكبريت إذا قيست بحجم الدول ولكنهم صنعوا منها دولة وجل هم هذه الدولة كيف نغلق الأبواب على الفلسطيني من كل جانب، وكل من يبتكر فكرة يحاصر بها الفلسطيني الغلبان فهو مخلص لوطنه نافع له.

وهناك دولة طردت 800الف فلسطيني من أعمالهم ورمتهم في العراء، لأجل موقف سياسي لزعيم فلسطيني لا ذنب لهم به، واستبدلتهم واستبدلت فلسطين بجيش من الخدم والحشم من جنوب شرق آسيا وعلى رأس الجميع الخادمات السرلانكية والفلبينية التي أصبح مربية الجيل العربي الجديد هناك، والحمد لله لدى تلك الدولة برلمان وأحزاب وهم مشغولون يوميا بالسياسة، وسيتذكرون فلسطين في القرن القادم، لكنهم في شهر رمضان أوفياء،  يرسلون بعضاً من صدقة الفطر للفلسطينيين، كما يقسمونها بينهم وبين إخوتهم في الصومال أو أفريقيا الوسطى، فهم بكل تأكيد تذكروا واجب الأخوة بين المسلمين لكنهم لم يتذكروا واجب الحق عليهم صوب فلسطين.

وغيرهم، عندما انفلت الأمن في بلدهم وجدوا الفلسطينيين أضعف الناس فأكلوهم، واخذوا منهم حصاد العمر والقوهم إلى الصحراء،  فأخذتهم الدول الأوروبية إليها، وأنا أظن أنهم لن ينسوا وطنهم رغم الجراح، سوف يكونون سفراء فلسطين في الشتات الجديد.

دولة واحدة فقط هي التي عاملت الفلسطينيين معاملة أبنائها، وبقية العرب وجدوا في الفلسطيني مشكلة، ويريدون أن يتخلصوا منه بأي شكل، وسبب ذلك واحد، أنهم لا يريدون اسم فلسطين، لأن هذا الاسم يذكرهم بأن هذه القضية التي باعوها وهذه الجريمة التي شاركوا في صنعها، لا يزال عليها شهود.

 لكن الأتراك يحبون فلسطين، ويعملون من اجل فلسطين، ويربون أبنائهم على حب أبناء فلسطين ولكن ليس حبا عاديا بل هو حب أخ يعيش في تركيا لأخ أسير وجريح في فلسطين، وهكذا يريد الطفل التركي أن يكبر  لكي يساعد أخاه الفلسطيني في الأسر.

أحبابي:

الجيل الذي رباه صلاح الدين الأيوبي رباه على شيء واحد وهو عشق القدس، فكان الناس يقومون وينامون وهمهم القدس، وما يفعله الأتراك أنهم يجعلون أبناءهم وهم بسنوات الطفولة البكر، يشعرون بأنهم مسؤولون عن إخوتهم، ويعلمونهم ان فلسطين لهم، وان لهم دور قادم في معركتها.

هو درس إذا.....، لكنه يستحق أن نتأمل فيه جيدا.