خبر الفرصة الأخيرة .. هآرتس

الساعة 09:54 ص|21 ابريل 2010

بقلم: أري شفيت

سيدي رئيس الوزراء ليس في كل يوم يكتب صحافي رسالة علنية لرئيس الوزراء. ولكن اليوم ليس يوما عاديا. اليوم هو يوم الاستقلال الـ 62 لدولة اسرائيل. كما أن اللحظة ليست عادية. اللحظة هي اللحظة التي ستدق فيها الساعة منتصف الليل. صدفة نادرة تجعل دولة اسرائيل تقف في يوم الاستقلال الحالي أمام تحد لم تشهد له مثيل منذ يوم الاستقلال في 1048. السنة التي بين يوم الاستقلال هذا وبين يوم الاستقلال القادم هي سنة حاسمة.

بعد وقت قصير من غدوك رئيسا للوزراء – بالضبط قبل سنة – دخلت لبضع لحظات الى مكتبك. وبشكل لا يعبر عن طبيعتك، نهضت نحوي وعانقتني. وبشكل لا يعبر عن طبيعتي، انا أيضا عانقتك. قلت لك إني كمواطن كيهودي وكاسرائيلي، أتمنى لك النجاح. قلت لك إني أعتقد أني أعرف كم ثقيل الحمل الذي وضع لتوه على كتفيك. أجبتني بأني لا أعرف وأنه رغم أني اعتقد أني أعرف، فأنني لا أعرف. لم تكن لحظة كهذه اللحظة منذ قيام اسرائيل.

استنادا الى أحاديث سابقة عرفت ماذا تقصد: تحدي النووي، تحدي الصواريخ، تحدي نزع الشرعية. هذا الخليط الذي تقشعر له الأبدان من التهدي الوجودي من الشرق، التهديد الاستراتيجي من الشمال وتهديد الهجران من الغرب. الخطر في أن تندلع حرب غير مسبوقة. الخطر في ألا يقف حلفاء اسرائيل الى جانبها مثلما وقفوا في الماضي. واحساس العزلة. احساس الحصار. الاحساس في أننا نقف مرة أخرى وحدنا لنواجه مصيرنا.

أنت انسان مكروه يا سيدي رئيس الوزراء. رئيس الولايات المتحدة يكرهك. وزيرة الخارجية الامريكية تكرهك. بعض من زعماء العرب يكرهونك. الرأي العام في الغرب يكرهك. الكثير من السياسيين الاسرائيليين والصحافيين الاسرائيليين يكرهونك. رئيسة المعارضة تكرهك. يكرهك زملائي، يكرهك رفاقي، تكرهك الدوائر الاجتماعية التي أعيش فيها. ومع ذلك، في الـ 14 سنة التي عرفتك فيها، لم أكن شريكا أبدا في هذه الكراهية. المرة تلو الأخرى وقفت مناهضا لهذه الكراهية. اعتقدت انه رغم نواقصك ونقاط ضعفك، فانك لست انسانا غير مناسب. اعتقد انه رغم ان مذهبك بعيدا عن مذهبي، فان فيك ميزة فائقة. آمنت بأن في نهاية المطاف، عند حلول لحظة الحقيقة سيكون فيك ما يكفي من القوة كي تخلق الدمج السليم بين حقيقة اليمين وحقيقة اليسار. بين عالم أبيك، الذي جئت منه وبين عالم الواقع الذي تناور فيه. بين الاحساس بأن اسرائيل هي قلعة وبين الفهم بأن مهمة هذا الجيل هي اخراج اسرائيل الى الرحاب.

في 14 حزيران 2009 أثبت بأن قدرة التكامل كامنة فيك. نحو 2000 كلمة أطلقت من على منصة جامعة بار ايلان. ولكن من أصل الألفين كلمة سبع فقط كانت ذا معنى تاريخي: دولة فلسطينية مجردة الى جانب دولة اسرائيل يهودية. كان واضحا فيك أنه صعب عليك قول هذه الكلمات. وبالألم انتزعت من فمك. ولكن في ذات المساء في بار ايلان السياسي الذي فيك تغلب على الحزبي الذي فيك. الهرتسيلي الواعي تغلب على القومي العدمي المتطرف. بعد نحو ساعة من نهاية الخطاب، عندما تحدثت معه هاتفيا، كان يمكن لي أن اسمع في صوتك بعض الراحة. فقد عرفت بأن في النهاية قمت في العمل السليم. عرفت أنه بتأخير كبير سموت على نفسك. عرفت بأن من هنا فصاعدا أنت زعيم صهيوني – مركزي يسعى الى سلام الأمن. يسعى الى تقسيم البلاد لترسيخ الدولة. يؤمن بأن بالذات من أجل تعزيز اسرائيل وضمان مستقبلها واجب علينا اصلاح الخطأ التاريخي الفادح الذي ارتكبناه في يهودا والسامرة.

سيدي رئيس الوزراء، شيء سيء جدا حصل منذ ذلك المساء. يحتمل أن يكون الذنب هو للرئيس اوباما. الضغط الذي لا يتوقف، غير المتوازن وغير النزيه الذي مارسه عليك أدى بك الى أن تتجمد في مكانك. يحتمل أن يكون الذنب هو للأسرة الدولية. موقفها المثير للحفيظة تجاه اسرائيل دفعك الى أن تشعر بأنك في حصار. يحتمل أن يكون الذنب هو لتسيبي لفني. سلوكها المتهكم قيدك بسلاسل من حديد بأفيغدور ليبرمان وايلي يشاي اللذين يضيقان على خطواتك. ولكن حتى لو كان الذنب هو ذنب الآخرين، فان المسؤولية مسؤوليتك. أنت رئيس الوزراء المنتخب. أنت الجالس على تلك الطاولة الخشبية في تلك الغرفة المقدسية التي يحسم فيها مصيرنا. وعليه فأنت المسؤول بأن بعد سنة من انتخابك اسرائيل تواصل المراوحة في  المستنقع السلام لاحتلال غرقت فيه قبل 43 سنة. أنت المسؤول عن أننا آخذون في الغرق في الوحل. حتى الرقبة.

صحيح، جمدت البناء في المستوطنات. صحيح بذلت كل جهد لاقناع أبو مازن الدخول في مفاوضات. في الوقت الذي لم يحرك الفلسطينيين ساكنا، قدمت تنازلا اثر تنازل اثر تنازل. ولكن اللعبة السياسية التي أدرتها كانت ضائعة مسبقا. منذ البداية كان واضحا ما هو معروف للجميع الآن: لا يوجد شريك فلسطيني لسلام حقيقي. لا يوجد حتى شريك فلسطيني مصداق لتقسيم البلاد. ولكن حقيقة ان الفلسطينيين لا يتصرفون كأمة راشدة لا تمنحنا الحق في التصرف مثلهم. كوننا نحن الذين نغرق في الوحل فواجب الفعل هو علينا. اسرائيل هي التي ملزمة بأن تحطم الخاتم الخانق الذي يتوثق على رقبتها.

سيدي رئيس الوزراء، ها هي حقائق أساسية: عصر الرأفة الذي منحته اوشفيتس وترابلنكا لدولة اليهود آخذ في الانتهاء. الجيل الذي شهد الكارثة نزل عن المنصة. الجيل الذي يذكر الكارثة آخذ في الاختفاء. ما يصمم اليوم فهم اسرائيل في العالم ليس المذبوحين كالخراف بل الحواجز. لا القطارات بل المستوطنات. وكنتيجة لذلك، حتى عندما نكون محقين فانهم لا ينصتون لنا وحتى عندما نكون ملاحقين لا يهرعون لنجدتنا. الريح تهب ضدنا. روح عصر القرن الـ 21 تهدد بالقضاء على الصهيونية.

من مثلك يعرف: حتى القوى العظمى لا يمكنها أن تقف ضد روح الزمن فما بالك دول صغيرة وهشة كاسرائيل. وعليه فان السؤال الان هو ليس من جلبنا الى هذا الحد – اليمين ام اليسار. السؤال الان هو ليس من أوقع علينا كارثة أكبر – اليمين أم اليسار. السؤال هو أي فعل نفعله كي نغير فورا مكانة اسرائيل في العالم. أي فعل نفعله كي لا يدفع العصف التاريخي في المشروع الصهيوني الى الانهيار.

الامكانيات معروفة: أن نعرض على السوريين الجولان مقابل ايران. ان نعرض على ابو مازن دولة بحدود مؤقتة. ان نبادر الى فك ارتباط ثان محدود. أن ننقل الى سلام فياض المناطق التي تتيح له ان يبني فلسطين سوية العقل. ان نتوصل الى اتفاق مع الاسرة الدولية على الخطوط الرئيسة لتقسيم البلاد الى دولتين قوميتين.

كل واحدة من هذه الخطوات تنطوي على مخاطر عالية. كل واحدة من هذه الخطوات الخمس ستكلف ثمنا سياسيا داخليا باهظ. فانت قد تفقد حكمك. ولكن اذا لم تتبن واحدة على الأقل من الخمس مبادرات المحتملة، فلا يوجد أي معنى لحكمك. لا نفع لحكمك. حكمك سيذكر كحكم في أثنائه تحولت اسرائيل الى دولة منبوذة، تقف على شفا الضياع.

الأوراق التي تلقيتها عندما تسلمت مهام منصبك كانت أسوأ الاوراق. ايران على شفا النووي، حزب الله بقوة غير مسبوقة، اسرائيل في عزلة دولية. في واشنطن حكم ليس عاطفا. في القدس حكم لا يؤدي مهامه. بالفعل، أرض محروقة كالفحم. ولكن في كل هذه لا يوجد ما يشكل عذرا لك او يبررك. فلم تسر الى المكان الذي سرت اليه كي تبكي مر مصيرك. مع الأوراق الأسوأ التي وزعت لك أنت ملزم بأن تنتصر. على الأرض المحروقة التي ورثتها أنت ملزم بأن تنبت الأمل. هذا هو الموجود. ومع ما هو موجود أنت ملزم بأن تفعل  الحد الأقصى. أنت ملزم بأن تنمو الى العظمة التي وعدت بها.

تحدي 2010 هو تحد أثري. فعلى مستوى ما يشبه تحدي تصريح بلفور الذي حققه حاييم وايزمن. ومثلما في 1917، اليوم أيضا الصهيونية ملزمة بأن  تبلور اعترافا دوليا واسعا وصلبا لحق وجود دولة يهودية. على مستوى ثان، فهو يشبه تحدي 1948 لدافيد بن غوريون. مثلما في 1947، اليوم أيضا القيادة ملزمة بأن تعد الأمة الى سيناريوهات قاسية يصعب على العقل ادراكها. في مستوى ثالث، يشبه تحدي ديمونا بن غوريون، اشكول وبيرس. مثلما في 1966 – 1977، على القيادة الوطنية أن تمنح الوجود الاسرائيلي غلافا واقيا قويا ومنيعا. ولكن من أجل الوقوف في وجه التحدي متعدد الأبعاد هذا، فان دولة اسرائيل بحاجة الى حلف شجاع مع قوى الغرب العظمى. ولأجل الصمود في وجه ما سيأتي، على اسرائيل أن تعود لتكون جزءا لا يتجزأ من الغرب. الغرب غير مستعد أن يقبل اسرائيل كدولة احتلال. وعليه، من أجل انقاذ الوطن، من الواجب العمل الان على انهاء الاحتلال. من الواجب احلال انعطافة سياسية حادة فورا.

سيدي رئيس الوزراء، الصلة بينك وبيني لم تكن أبدا شخصية. نحن لسنا أصدقاء. لم يسبق لك ان كنت في بيتك ولم يسبق لي ان كنت في بيتك للقاء غير مهني. لم نسرق الجياد معا. دوما عرفت بأنك لن تحصل مني على الحصانة. دوما عرفت بأنك لن ترشيني كأفضل  الصحافيين. ولكني اعطيتك فرصة. مرة اثر مرة اثر مرة اعطيتك فرصة. رأيت الوطني الذي فيك. رأيت ذا الكفاءات الذي فيك. رأيت أيضا الانسان الذي فيك والذي تحرص أنت على أن تخفيه. ولكن الزمن نفد، يا بنيامين نتنياهو. الزمن هو الان. وعليه فقد قررت القيام بهذا العمل الاستثنائي وأن أكتب لك هذه الرسالة الاستثنائية. أنا نفسي ليس لي أي أهمية، بالطبع. ولكني أؤمن بأن الأمور التي اكتبها لك هي الأمور التي يرغب كثير من الاسرائيليين ان يقولوها لك في يوم الاستقلال الـ 62. لا تخونهم. لا تخون نفسك. أنت رجل هذه اللحظة التاريخية. فكن الرجل.