خبر غزة تهدي رام الله التحية .. د. سفيان أبو زايدة

الساعة 03:10 م|18 ابريل 2010

غزة تهدي رام الله التحية .. د. سفيان أبو زايدة

 

د. سفيان أبو زايدة

 

 الحياة أقوى من الحصار و الأنفاق تقوم بالواجب

 

عدت يوم الخميس إلى رام الله بعد قضاء أسبوع في غزة بعد غياب قسري لثلاث سنوات نتيجة الانقلاب و ما تبعة من انقسام.

لم يتغير الكثير خلال هذه الفترة سوى حجم الدمار الذي خلفته الحرب الأخيرة. الناس كما هم ببساطتهم و دفئهم و كرمهم و استعدادهم للتعالي على الجراح و نسيان الماضي من اجل مستقبل أفضل لهم و لأبنائهم و أحفادهم.

البحر و شاطئه الجميل برماله الناعمة الذي اشتقت له أكثر من إي شيء آخر لم يتأثر كثيرا لا بعدوان و لا بانقسام و بقي المتنفس الوحيد لغالبية الناس الذين يذهبون إليه ليشكون همومهم أو هربا من انقطاع الكهرباء التي أصبحت تتحكم في عادات الناس و سلوكهم.

غزة لا تعاني من نقص في الطعام و الشراب، كل شيء متوفر ربما أكثر من رام الله، الأنفاق حتى الآن تقوم بالواجب. المحروقات سعرها في غزة خمس سعرها في رام الله و علبة سجائر دخان فاخر بستة شواقل فقط.

النقص الأساسي في مواد البناء من حديد و اسمنت و حصمة، آما لوازم البناء الأخرى فهي متوفرة الآن و بأسعار معقولة.

على الرغم من ذلك، الشعور العام أن كل هذا قد يتغير في كل اللحظة و أن سعر صنف معين قد يرتفع أضعاف الأضعاف دون سابق إنذار، الحركة التجارية في غزة و القوانين التي تتحكم بها لن يفهما فقهاء الاقتصاد.

أن أكثر ما يؤلم أهل غزة هو إغلاق المعابر في وجه المسافرين و من كل الاتجاهات. لا يوجد مكان في العالم بهذه المساحة و هذه الكثافة السكانية التي هي الأعلى في العالم محكمة الإغلاق بهذا الشكل. حلم الآلاف من الناس هو السفر بحرية كبقية البشر، ليس من اجل قضاء إجازة ممتعة، بل من اجل تلبية احتياجات الحياة الضرورية من علاج و تعليم و عمل.

 

 

 

استقبال دافئ

 

ما أن وصلت إلى البيت، الكائن في مخيم جباليا  شمال القطاع، حتى بدأت الناس تتوافد للتهنئة بسلامة العودة. على مدار ستة أيام لم أغادر البيت سوى لساعات معدودة، ما تبقى من الوقت أمضيته مع الأهل و الأحبة و الأصدقاء و أبناء حركة فتح الذين لم يفارقوني لحظة و احده و كانت سعادتهم بعودتي أكثر من سعادتي الشخصية.

على الرغم أن الزيارة كانت لكسر الحاجز و اشتياق شخصي لهذا المكان الذي أفضل العيش به عن إي مكان آخر في العالم  ، إلا أن الناس نظروا و تعاطوا مع هذه الزيارة على أنها بادرة أمل و مؤشر على إنهاء الانقسام و  وجهد متواضع لإعادة النسيج الوطني و الاجتماعي إلى ما كان علية.

منذ اليوم الأول فقدت الزيارة طابعها الشخصي و لم اعد أتحكم في مسارها. تعطش أهل غزة بكافة انتمائتهم السياسية للتقدم في ملف المصالحة لم يعطي مجال للتهرب. الإحساس العام لدى الناس هو أن الانقسام الفلسطيني، و بالتحديد بين فتح و حماس قد وصل إلى الذروة، و أن العد التنازلي يجب أن يبدءا ، إن لم يكن قد بدأ فعلا.

لم يعد إي تبرير لعدم تحقيق المصالحة مقبول على عامة الناس في غزة، و أن انطباعي الذي آمل أن يكون صحيحا أن القواعد التنظيمية لكلا التنظيمين هي أكثر استعدادا لدفع ثمن المصالحة و استحقاقاتها.

 

الذهاب لفضائية الأقصى

 

بعد يومين من وصولي و في ساعات الصباح تلقيت تلفون من فضائية الأقصى. بعد الترحيب بالعودة إلى غزة عرض علي المشاركة في برنامج تلفزيوني على الهواء مباشرة و لمدة ساعة مع احد قيادات حماس. تفاجئت بطبيعة الحال من العرض حيث حسب علمي لم يحدث أن شارك مسئول في فتح في برنامج لفضائية الأقصى التي تعتبر الأداة الإعلامية الأكثر تحريضا في إعلام حماس. أعطيت الموافقة دون تردد مع إدراكي المسبق أن هذه المشاركة ستثير بعض الجدل و بعض التحفظ.

كان مقابلي النائب في التشريعي عن حركة حماس يحي موسى. على مدار ساعة تقريبا كان نقاش هادئ دون إساءة أو تخوين. كل طرف طرح وجهة نظره بأدب و احترام للطرف الآخر.

الرسالة كانت واضحة، أن  بإمكان قيادات فتح و حماس التعبير عن مواقفهم و إدارة خلافاتهم دون استخدام مصطلحات مسمومة.

اعتراض بعض الفتحاويين كان على مبدأ المشاركة في فضائية الأقصى وليس على فحوى اللقاء رغم أن البعض كان له ملاحظات على الجوهر أيضا. الإحساس أن الغالبية العظمى من أبناء فتح و كل الشارع الفلسطيني كان سعيد بهذه الخطوة.

 الاعتراض على المبدأ أتفهم دوافعه و لكنه غير مقبول رغم الجرح العميق في النفس و رغم طبيعة فضائية الأقصى. إذا كنا قبلنا أن نتحاور مع الإسرائيليين في فضائياتهم لمحاولة التوصل إلى اتفاق سياسي هل من الخطاء أو العيب الحديث في فضائية حماس لمحاولة ترطيب الأجواء للتوصل للمصالحة؟ و لماذا تسمح حماس لقياداتها المشاركة في برامج لتلفزيون فلسطين و نحن نتحسس من المشاركة في فضائية الأقصى؟ على أية حال الاجتهاد مسموح في مثل هكذا حالات.

 

اللقاء مع فتحي حماد

يعد ثلاث أيام من وصولي إلى غزة ، التقيت بشكل شخصي مع فتحي حماد وزير داخلية الحكومة المقالة  و النائب في المجلس التشريعي في منزله بشمال قطاع غزة و بحضور النائب إسماعيل الأشقر. اللقاء كان متفق عليه من حيث المبدأ قبل قدومي إلى غزه. معرفتي به تعود إلى الطفولة حيث كلينا من نفس السن و زملاء مدرسة منذ الصف الأول الابتدائي حتى الثانوية، نتقاسم نفس البيئة الاجتماعية كأبناء مخيم .

على الرغم من أن هذا اللقاء لم يكن الأول من نوعه بين قيادات من فتح و حماس

، إلا أن خصوصية هذا اللقاء تعود إلى طبيعة فتحي حماد من حيث موقعة و تاثيره و موقف حركة فتح بشكل خاص منه. شخصية متطرفة قياسا مع قيادات أخرى، و شخصية متنفذه له تأثير كبير على الميدان. و يعتبر من قبل حركة فتح أكثر الشخصيات التي لعبت دورا في الانقلاب.

كل هذه المعطيات هي التي أضافت أهمية كبيرة لهذا اللقاء الذي استمر ما يقارب الثلاث ساعات و الذي تحدثنا خلاله عن كل شيء له علاقة بالانقسام و السياسة، تحدثنا عن الماضي و الحاضر و المستقبل. ردود الفعل كانت ايجابية جدا على مجرد اللقاء دون معرفة التفاصيل. الناس لا تريد أن تسمع تفاصيل، لا تريد أن تعرف من هو على حق و من على باطل، لا تريد أن تسمع تبريرات لماذا لا يمكن تحقيق المصالحة. غالبية الناس كانت سعيدة لأنها تريد أن تتعالى على جراح الماضي مهما كانت أليمة والنظر إلى مستقبل أكثر رحمة و رأفة بهم و بقضيتهم الوطنية و تفاصيل حياتهم اليومية.

 

فتح و حماس، الربط بين  غزة و الضفة

 

حركة فتح بشكل فعلي محظورة من ممارسة أي نشاط تنظيمي في غزة،  شمال قطاع غزة يأخذ نصيب الأسد من هذا الحظر . تبرير حماس في غزة أن حماس   الضفة تعامل و تلاحق و يعتقل عناصرها و يتم التعامل معها كتنظيم محظور. طالما الأمر كذلك سيبقى وضع ابناء فتح في غزة على حاله إلى أن يتم تغيير الحال في الضفة.

و السؤال الذي يطرح نفسه إلى آي مدى يمكن تنظيم هذه العلاقة حتى قبل التوصل إلى اتفاق مصالحة؟ هل من الممكن إجراء عملية مسح شامل لأوضاع الحركتين في غزة و الضفة و معرفة حقيقة الوضع بعيدا عن السجال الإعلامي و الاتهامات التي تشوش الفكر و تفقد التركيز على التفكير بشكل هادئ لنخرج من هذه الدوامة؟

هل هناك إمكانية للاتفاق على مساحة للحركة لكلا التنظيمين؟ هل سيبقى أبناء حركة فتح رهائن في غزة إلى أن يتغير وضع حماس في الضفة؟ اعتقد جازما أن هناك إمكانية للاتفاق على شيء بهذا الصدد من شأنه أن يخفف من حده الاحتقان و يهيئ الأجواء للمصالحة.