خبر ليس هذا تجسسا

الساعة 12:10 م|15 ابريل 2010

بقلم: ابراهام تيروش

        مثل غير قليل من زملائي، نظرت سنين طويلة في أنباء ووثائق سرية أيضا. على حسب القانون الجاف، كان يمكن أن أجد نفسي وراء القضبان ولا سيما في احدى الحالات بحسب المادة 113 من قانون العقوبات. لكن العقل الرشيد، لا عقلي، ونزاهة الشخص الرفيع المستوى الذي كشف أمامي عن المادة السرية، لم يبقياني حرا فقط بل مكناني من أن أنشر القصة المدهشة التي بينتها هذه المادة.

        رأس هذا الشخص المسؤول قبل ذلك بسنين جهة رسمية مهمة وحصد نجاحات ملحوظة زمن ولايته. وعندما حدث ما نقصه ها هنا كان قد أصبح شخصا خاصا وعمل من جملة ما عمل في كتابة مذكراته. طلب الي ذات يوم أن أقرأها وأبدي رأيي. أتيت مكتبه. أقعدني في غرفة مغلقة وأعطاني اضبارة فيها الفصول التي كتبها معززة بصور وثائق اصيلة. التزمت ألا أتحدث الى أحد عما أقرأ. قعدت هناك عدة ساعات، أقرأ في عناية فصولا آسرة لم يعرف بعضها ولو تلميحا حتى ذلك الحين. وعندما أنهيت طلبت الاذن بنشر تقرير يعتمد على فصل واحد كان مثيرا للعناية جدا ويبدو أيضا أنه قد مضى ما يكفي من الزمن كي يسمح بنشره. وقد تناول القضية التي تتصل بالعلاقات بمصر، وكشف عن مسؤول مصري رفيع تعاون مع اسرائيل وعند اخفاق ومخاوف مفرطة للحكومة منعت لقاء اسرائيليا – مصريا في مستوى رفيع في القاهرة قبل حرب الايام الستة في محاولة لانشاء خط تحادث مباشر بين الدولتين. قال محادثي إنه يرى أنه لم يعد مانع من نشر هذه القصة.

        صورت سكرتيرته الفصل مع الوثائق التي فيه وسلمتني اياه. أسرعت الى البيت وأغلقت على نفسي داخل الغرفة وكتبت مدة ليلة كاملة القصة الآسرة. كانت المشكلة أنني لم أستعمل لكثرة الحماسة لكشف عن القضية، ما يكفي من إعمال العقل ولا قدرا كافيا من مهارة الكتابة، ودلقت القصة بغير محاولات تغطية واجبة وحذف تفصيلات كان من الواضح أن يحظر نشرها.

        حولت المادة للرقابة كما يجب. عادت مرفوضة من الألف الى الياء. هاتفت المراقب الرئيس ووبخني بطريقته الهادئة لانني يخطر في بالي أنه يمكن نشر القصة، وأضاف أنه إذا أجاز النشر فسنضطر نحن الاثنين الى قضاء عدة سنين في سجن الرملة. وقال أيضا كلاما لاحظت فيه أن رئيس الجهة الرسمية آنذاك يتحدث من حنجرته. لم تنقض ساعة حتى هاتفني المسؤول الكبير في تلك الجهة الذي كان من معارفي و "انصب علي" بل صدرت عنه عدة تهديدات تلميحية.

        لكن هذا ما يزال لا شيء. هاتفني بعد ذلك الشخص الذي سلمني المادة. لقد هاج غضبا، بسبب كتابتي الفاضحة جدا ولأنني لم أره ما كتبت قبل تحويله للرقابة. تعللت واعتذرت وتلعثمت وكاد يطرق السماعة. تبين لي بعد ذلك أن رئيس الجهة الرسمية ذلك الوقت الذي حصل على التقرير من الرقابة أدرك المصدر من الفور، وهاتف من سرب إلي ولم يحجم عن توبيخ من كان رب عمله الكبير في الماضي. اعترف رب العمل من الفور، واعتذر وصب بعد ذلك وبحق جام غضبه علي. كانت النهاية حسنة. فبعد أن سكنت النفوس كتبت التقرير من جديد مع حذف وتغطية بعض الشخصيات والأماكن، ورضي "المسرب" المراقب ونشر التقرير.

        ان ما قصصته هنا لا يشبه بطبيعة الأمر في خطورته سرقة ألفي وثيقة والاستيلاء عليها خلافا للقانون، وهذا عمل لا يتصل بحرية الصحافة ويستحق العقاب. ان تفسيرات السيرة كام استهزاء بالعقل الرشيد. لكن فعلي فضلا عن فعلها لا صلة له البتة بالتجسس، ويحسن آخر الأمر أن نفصم هذه الصلة غير المنطقية الموجودة في القانون.