خبر حماس وإسرائيل.. مرحلة جديدة ..مؤمن بسيسو

الساعة 09:45 ص|14 ابريل 2010

حماس وإسرائيل.. مرحلة جديدة ..مؤمن بسيسو 

تعيش حركة حماس في قطاع غزة وضعا استثنائيا بكل معنى الكلمة، فهي تعايش إشكالية العلاقة الميدانية اليومية مع قوات الاحتلال على امتداد الجبهة الحدودية، في ذات الوقت الذي تعايش فيه إشكاليات فلسطينية داخلية داخل إطار العمل المقاوم وتكتيكاته المختلفة.

 

في سياق العلاقة الممتدة مع الاحتلال برزت عملية خان يونس البطولية كأولى التحديات الكبرى منذ انتهاء الحرب على غزة، وكادت تودي بقواعد اللعبة التي حكمت العلاقة الميدانية بين إسرائيل وحماس حتى الآن، وتؤسس لمرحلة جديدة ذات سمت خاص لولا التدخل الأميركي الذي كبح الاندفاعة الصهيونية العدوانية، ومنع –ولو مؤقتا- فصلا جديدا من فصول المواجهة الدامية مع الفلسطينيين في القطاع المحاصر.

 

لا جدال في أن حماس تواجه وضعا صعبا ومعقدا اليوم في ظل انعدام الخيارات تقريبا باستثناء خيار الثبات والصمود، فهي تدرك أكثر من غيرها أن الحفاظ على الحد الأدنى من استمرارها في الحكم والسلطة في ظل قسوة واشتداد الحصار يعتمد على مدى قدرتها على اللعب على وتر التناقضات، ونسج القواسم المشتركة من رحم المتضادات.

 

يشتد الحصار يوما بعد يوم، وتسوء الأحوال بإطراد، ويقترب بناء الجدار الفولاذي من نهايته ليحكم قبضة الموت على غزة المحاصرة، في حين يتربص جيش الاحتلال أي فرصة لفتح نيران حقده وإرهابه ضد حماس وأهالي القطاع، وكأنه يُمني نفسه بمواجهة جديدة تحقق له أهدافه التي عجز عن بلوغها إبان الحرب الأخيرة.

 

معادلة حساسة ومعقدة للغاية بلا شك، ومعها تبدو حماس أكثر حساسية إزاء الخروج من محددات وقواعد اللعبة الراهنة، فهي ترغب في تحييد العامل الإسرائيلي الضاغط المتربص الذي كاد أن ينفلت من عقاله مؤخرا، كي تتفرغ لمواجهة تداعيات المعضلة السياسية والاقتصادية، ورسم معالجات الحد الأدنى التي تضمن بقاء قطاع غزة على درجة من الكفاية بما يؤهله لتحمل تبعات الهجمة الخارجية أطول فترة ممكنة.

 

لكن العملية الأخيرة، رغما عن كل محاولات الضبط، دشنت مرحلة جديدة في مسار حركة حماس التكتيكي الذي يسعى للتوليف بين تعقيدات السلطة والحكم واستحقاقات المقاومة والتحرير.

 

لم تكن العملية هجومية ذات مبادرة، واقتصرت على الجانب الدفاعي المحض، ولكنها كانت كافية لتحريك المياه الراكدة في إطار علاقة حماس بالاحتلال ميدانيا، وإدخال تعديلات معينة على طبيعة وآفاق السياسة الأمنية التي حكمت التوجه الصهيوني الرسمي تجاه حماس في قطاع غزة عقب الحرب الأخيرة.

 

حتى هذه العملية، شكل تكريس الهدوء الميداني مصلحة مشتركة للطرفين رغم اختلاف الدوافع والمنطلقات، لكن الوقوع القدري للعملية مثّل انعطافة جديدة في مسار الوضع الميداني وآفاق العلاقة المتبادلة بين الطرفين التي تحكمها مؤشرات الحذر البالغ والترقب الكبير في ظل الخطط العسكرية الصهيونية الجاهزة لضرب حماس وإضعافها التي تنتظر اللحظة المناسبة لتنفيذها.

 

منذ تنفيذ العملية توالت التصريحات الصهيونية المعادية الصادرة عن بعض المستويات السياسية والعسكرية التي دعا بعضها إلى توجيه ضربة عسكرية مؤلمة إلى حماس في غزة والعودة إلى أسلوب الاغتيالات النوعية لقياداتها السياسية والعسكرية، في حين دعا البعض الآخر إلى إعادة احتلال القطاع وإسقاط حكم حماس وإنهاء التهديد الإستراتيجي الذي يمثله على الدولة العبرية.

 

تحتوي أدراج وزارة الحرب الصهيونية على العديد من السيناريوهات بشأن ضرب حماس، ومن بينها سيناريو توجيه ضربة جوية قوية بشكل مباغت لنخبة سياسية أو عسكرية أو كلاهما داخل الصف القيادي لحماس ومراكز التصنيع ومخازن الأسلحة، ومعالجة الأمر ميدانيا فيما بعد وفقا لردود الفعل الفلسطينية، وسيناريو ثانٍ يتعلق باغتيال كادر أو كوادر عسكرية في إطار ضربة جوية مفاجئة والاستعداد للتعامل مع الموقف الميداني على أساس الفعل ورد الفعل، وسيناريو ثالث يتعلق بمعالجة حالات المواجهة وإطلاق الصواريخ كلا على حدة، وتقدير الرد العسكري الإسرائيلي إزاءها وفقا لحجمها ونتائجها الميدانية.

 

وفي إطار هذه السيناريوهات يُتوقع أن يدور الطرفان في إطار حلقة من ردود الفعل التي ستشهد اتساعا في دائرة الاستهداف قبل أن يفيئا إلى أسس ومحددات المرحلة السابقة ذات الهدوء الهش والمناوشات التي لا تخرج عن نطاق السيطرة، والعودة للانتظام في إطار حالة اللاحرب واللاسلم من جديد.

 

ومما يبدو فإن السيناريو الثاني كان السيناريو المفضل للقيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية، خاصة أنه يتكامل لاحقا مع السيناريو الأول مع تصاعد المواجهات، ويحقق إسرائيليا جملة من الأهداف الداخلية والخارجية، ويحررها من الضغوط والأزمات السياسية والحزبية التي تواجهها حكومة نتنياهو حاليا.

 

ومع ذلك فإن الرفض الأميركي القاطع لإشعال الأوضاع، والتحذيرات الأميركية التي أُطلقت إزاء أي تغيير إسرائيلي لقواعد اللعبة مع حماس في غزة، حال دون بلوغ أيّ من السيناريوهين الأولين، واضطر حكومة الاحتلال للقبول بالسيناريو الثالث على مضض، وهو ما بدا واضحا في تصريحات نتنياهو الأخيرة قبل عدة أيام.

 

من جهتها لم تتأخر حماس عن تقدير الموقف وتقييم التطورات، وعمدت إلى تبني خطة طوارئ شاملة تستند إلى خطورة التطورات الحاصلة، وتأخذ بعين الاعتبار كافة التفاصيل والبدائل والاحتمالات، وتعمل على إرساء معالجات أمنية شاملة تشمل مختلف بناها ومؤسساتها، الحكومية والحركية والجماهيرية، بعيدا عن أي تهاون أو تقصير قد تدفع ثمنه باهظا في قادم الأيام.

 

لم تقرأ حماس الموقف الصهيوني بشكل تقليدي هذه المرة، وبسطت توقعاتها إزاء طبيعة واحتمالات الرد العسكري الصهيوني، فهناك الكثير من الدوافع والأسباب التي نضجت من زاوية صهيونية لتأديب حماس وإضعافها وتركها تلملم ذاتها وتلعق جراحها فترة من الزمن.

 

لقد استعادت حماس عافيتها عسكريا إثر الحرب الأخيرة، وطوّرت منظومة صاروخية تهدد "تل أبيب" وفق اتهامات جيش الاحتلال، وتحدت العناد والصلف الصهيوني إزاء صفقة شاليط، ولا تزال ترفض الانصياع لشروط "الرباعية"، وتصر على تعديل بعض بنود الورقة المصرية للمصالحة الرامية إلى إخراجها من دائرة الشرعية الدستورية عبر البوابة الانتخابية، وتحمي حق المقاومة بمظلة شرعية، وهي أسباب كافية لتعجيل استدعاء ضربة عسكرية صهيونية قوية محفوظة في أدراج وزارة الحرب وتنتظر الإقرار من المستوى السياسي فحسب.

 

تعلمت حماس الكثير من الحرب الأخيرة ذات صفة المباغتة والضخامة والشمول، وكان من الحكمة أن توسع مدى رؤيتها وتوقعاتها كي تتلاءم احتياطاتها مع حجم التحدي الصهيوني المفروض، وتقلص دائرة الأثر المباشر للهجمة الصهيونية المتوقعة، وتخفض خسائرها إلى حدها الأدنى.

 

ومع ذلك فإن العلاقة الميدانية الظاهرة مع الاحتلال تخفي في باطنها خللا فلسطينيا داخليا في معالجة أداء الحالة المقاومة ككل وسبل التنسيق والتعاون بين فصائلها، وهو ما تعاني منه حماس كثيرا، وخصوصا فيما يتعلق بقضية إطلاق الصواريخ، وإشكالية التبني الفصائلي لعمليات الآخرين.

 

طفا الجدل الفصائلي والوطني حيال قضية إطلاق الصواريخ على السطح مؤخرا إثر تصريحات عضو المكتب السياسي لحماس د. محمود الزهار، فلم يكد الزهار يدلي بدلوه إزاء بعض المجموعات العابثة التي تمتهن إطلاق الصواريخ في أوقات ومفاصل معينة دون رؤية وطنية مصلحية أو بهدف الإرباك والتخريب، حتى تكاثرت عليه السهام والطعان من هنا وهناك.

 

وما هي إلا لحظات حتى تصدر اليسار وبعض الإسلاميين مشهد الرفض, وألقوا الكلم الجزاف الذي جسد في بعضه تسرعاً وقصر نظر، في حين عبر البعض الآخر عن تصفية حسابات ومناكفات حزبية مزمنة لا تنشد المصلحة الوطنية الفلسطينية بحال.

 

تصريحات الزهار لم تحمل جديداً أو تخالف سياقات الواقع, فقد عبر الرجل عن رؤية واضحة لم يخالجها أي التباس إزاء القضية الأكثر إثارة للجدل على الساحة الفلسطينية طيلة الأعوام الأخيرة.

 

لكن صوابية الرؤية المطروحة إزاء هذه الجدلية الحساسة لم يكن من الحكمة معالجتها وإدارة ملفها الإعلامي عبر المستوى القيادي الأرفع, أو القيادات الأساسية لحماس, وإنما كان ينبغي طرقها من خلال منظومة الناطقين الإعلاميين الذين خبروا الجدل الفصائلي وتعرجاته الشائكة.

 

قضية الصواريخ، شأنها شأن كل وسائل وأدوات المقاومة، يجب أن تخضع لمعايير الربح والخسارة الوطنية, وأن يظللها سقف المصلحة الوطنية الفلسطينية على الدوام, بعيدا عن الفوضى العشوائية واجتراح العمل الاعتباطي الذي لا يحتكم إلى هدف أو منطق وطني رصين.

 

ولا تبدو مقارنة الوضع الراهن بواقع الحال الفائت قبل دخول حماس معترك الحكم وميدان السلطة ذات أثر أو قيمة موضوعية, فالدوافع غير الدوافع, والمنطلقات غير المنطلقات, ولا يصح إطلاقا وضع ممارسات تدور في فلك الالتزامات الأمنية مع الاحتلال مع ممارسات تستهدف حماية الشعب والمجتمع من هول وبشاعة الإجرام والإرهاب الصهيوني في الكفة ذاتها وإخضاعهما للمنطق والتقييم ذاته!

 

ينبغي الاعتراف بأن المقاومة الفلسطينية على اختلاف قواها وفصائلها تعيش أزمة مزمنة حجزتها عن تلمّس واستيعاب متطلبات إنجاح العمل المقاوم في ظل تقلب الظروف الوطنية, وحالت بينها وبين إرساء منظومة رؤى ومحددات إستراتيجية قادرة على التعاطي بشكل راشد وحكيم مع استحقاقات كل مرحلة وفقا لظروفها وخصائصها، وبناء رؤية متكاملة تحدد الأولويات، وتوازن بين المصالح، وتضع نقاط العمل المقاوم على حروف المصلحة الوطنية الفلسطينية الجامعة.

 

لا مفر من الإقرار بأن استدراكا عاجلا يجب أن تبادر إليه حماس وتتداعى إليه القوى الفلسطينية ومنظمات وشخصيات المجتمع الفلسطيني الوازنة لإرساء قواعد عمل وطنية ناظمة للأداء الفلسطيني المقاوم خلال المرحلة المقبلة، ورسم ملامح إستراتيجية عمل موحدة يتقيد بها الجميع، وتشكل عنوانا للتوافق الوطني والإجماع الفلسطيني.

 

ما يحفل به الوضع الميداني اليوم يبعث على القلق الكبير الممتزج بالخطر الداهم، فالظرف الداخلي الذي يعتمل في قطاع غزة لا يحتمل أي عبث إضافي يستهدف جرّ شعبنا إلى أتون مواجهة دامية تفتح جروحه الغائرة من جديد.

 

ومع ذلك ينبغي التفريق بين المبادرة بإطلاق الصواريخ وبين المبادرة إلى صدّ العدوان والاجتياحات والتوغلات الصهيونية، فلا خلاف على أن الدفاع عن غزة وأهلها ومقدراتها يشكل واجبا وطنيا مقدسا، بل إن الاستعداد لمواجهة الاحتلال ومخططاته العسكرية يشكل أولى الأولويات ضمن أجندة المرحلة الراهنة، في وقت تستعجلنا عملية إطلاق الصواريخ العشوائية إلى مرحلة صدام ذات إيقاعات قاسية لا لزوم لها في ظل جبهة داخلية مثخنة اقتصاديا وإنسانيا، وتقحمنا في أتون جدل داخلي لا طائل من ورائه على الإطلاق.

 

لا شك أن المقاومين الفلسطينيين الصادقين المخلصين كُثْر وأيضا العابثين المخربين وأصحاب المصلحة الهدامة والأغراض السياسية الدنيئة، وهو ما يقتضي انحيازا إلى منطق التنسيق، والاقتراب أكثر فأكثر من دوائر التعاون المشترك بين قوى وأذرع المقاومة المختلفة، وبلورة تفاهمات وآليات توافق موحدة بغية تفعيل المقاومة وأدواتها بما يخدم المصلحة الوطنية الفلسطينية والعمل على عزل وتعرية الحالات المشبوهة التي تمتهن العبث والتخريب وخلط الأوراق على الساحة الفلسطينية وسط ظروف دقيقة ومفاصل حساسة.

 

بموازاة ذلك لا يمكن التقليل من حدّة وأثر الإشكالية المزمنة حيال تضارب التبني الفصائلي لعمليات المقاومة بأي حال من الأحوال، كونها تلقي بظلالها السلبية على آفاق التنسيق والعمل الجمعي المقاوم، وتبثّ توترات حادة في سياق العلاقات الفلسطينية الفصائلية التي يُفترض أن تنصب لخدمة وتعزيز النهج المقاوم وسبل الارتقاء به دون أية مؤثرات سلبية جانبية.

 

لا تعنينا الإعلانات الفصائلية المتهافتة على الظفر بحظوة الجهد المقاوم وقطف ثمار العملية الأخيرة رغم مؤشراته السلبية وإعادة إنتاجه لواقع إشكاليات التبني الفصائلي لعمليات الآخرين، بقدر ما يعنينا صدق وإخلاص العمل المقاوم ذاته، وانتظامه شعارا وتطبيقا على أرض الواقع في مضمار الدفاع الفعلي عن شعبنا المحاصر داخل جدران غزة الضيقة إبان المرحلة المقبلة.

 

نستحضر بكل أسف المشهد الميداني الذي حملته الحرب الأخيرة على غزة، وأبرز حقيقة بعض المواقف الفصائلية المدّعاة، والبون الشاسع بين النظرية والتطبيق، فالعبرة لا تكمن في الشعارات الرنانة التي تجلجل الأرض وتدوّي في فضاء الناس والإعلام، وإنما في الثبات أمام الجحافل الغازية، والصمود في قلب المعركة، ودفع تكاليف المقاومة واستحقاقات الكفاح دون التولّي لحظة الحسم وقصر الحالة الدفاعية على طرف وحيد!

 

على أية حال، فإن أشكال التناقض الفلسطيني الداخلي يجب أن تبقى ثانوية على الدوام، وأن تحظى بأشكال العلاج الملائمة في إطار توافقات وطنية مناسبة، وأن لا تشغل البعض عن جرائم الاحتلال ومخططاته العدوانية.

 

دلفت حماس إلى مرحلة جديدة حافلة بتحديات لا تحصى، وما لم تبادر إلى حملة سياسية وإعلامية لفضح المخطط الصهيوني، وتُرسي منظومة إجراءات أمنية صارمة، فإن حكومة الاحتلال وجيشها المجرم ستمضي –بكل أريحية- في مخططاتها العدوانية، وحينها ستخسر حماس الكثير.

 

صحيح أن حماس استعصت على كل محاولات التذويب والاستئصال، لكن حكومة الاحتلال لن تتورع عن اقتناص كل الفرص المتاحة للإثخان فيها وإضعافها ونزع أنيابها وتقليم مخالبها التي نمت جيدا خلال الأشهر الأخيرة.

 

من الصعب أن تمضي الأمور على شاكلتها الأمنية الراهنة دون معالجات سياسية فلسطينية داخلية –ولو في حدها الأدنى- بحيث تكون قادرة على لمّ الشمل الوطني وتحقيق المصالحة الداخلية وإحباط المخططات الصهيونية في أقرب وقت ممكن.