خبر عن صحفيين وأسرار..هآرتس

الساعة 09:19 ص|09 ابريل 2010

 بقلم: ألوف بن

في 13 حزيران 1971 نشرت "نيويورك تايمز" سبقا صحفيا تحت عنوان رئيس: مقاطع من التاريخ السري لحرب فيتنام، كتبتها وزارة الدفاع الامريكية. "وثائق البنتاغون كشفت النقاب عن مراحل التورط الامريكي في الحرب في جنوب شرق اسيا، والذي تم في ظل اخفاء معلومات وقرارات هامة عن الجمهور. وسرعان ما تبين ان الوثائق سلمها الى الصحيفة دانييل السبرغ، الذي شارك في كتابة البحث واحتفظ بنسخة عنه لنفسه. السبرغ كان معارضا للحرب وسعى الى كشف الحقيقة للشعب الامريكي.

                              الادارة خرجت في هجوم ضد الصحيفة وضد المسرب: الرئيس ريتشارد نكسون اتهم السبرغ بالخيانة، والمحكمة اصدرت امرا احترازيا ضد مزيد من النشر. ولكن حرية التعبير انتصرت: المحكمة العليا في واشنطن قبلت استئناف "نيويورك تايمز" وقررت ان نشر وثائق البنتاغون محمي حسب التعديل الاول للدستور الامريكي. السبرغ قدم الى المحاكمة حسب القانون ضد التجسس، واعتقد انه سيقضي باقي حياته في السجن. في محاكمته تبين أن البيت الابيض بعث بمقتحمين الى عيادة المعالج النفسي لـ السبرغ، بحثا عن مادة محرجة له. المحاكمة الغيت، والسبرغ خرج الى الحرية واصبح رمزا للكفاح ضد الطغيان السلطوي واخفاء اخفاقات عسكرية بمعاذير امنية كاذبة.

                              في اسرائيل، قضية "وثائق البنتاغون" لا يمكن ان تقع لسبب بسيط: توجد هنا رقابة عسكرية، تفحص مسبقا كل نشر في شؤون الامن. الرقابة تحبط أمل الصحفيين الذين يرغبون في النشر ولا يستطيعون، ولكنها تمنحهم حماية. الصحفي الامريكي يمكنه ان ينشر ما يريد ويخاطر بان يقدم الى المحكمة على المس بامن الدولة. اما الصحفي الاسرائيلي الذي يلقى تقريره إذنا من الرقابة فيكون قد أدى واجبه القانوني واعفى نفسه من المسؤولية. الرقيب، وليس الصحف هو المسؤول عن الحفاظ على الامن.

                              كل صحفي يغطي الشؤون الامنية والسياسية يطلع على معلومات سرية. هذه هي طبيعة المعلومات في هذه المجالات: كل برقية من وزارة الخارجية وكل وثيقة عسكرية او حديث خلفية تحمل سرا امنيا ما. والعمل يستدعي من الصحفيين أن يعرفوا الاسرار، بل واحيانا ان يطلعوا على عمليات تنفيذية او تكنولوجية حساسة. القانون يحميهم من تهمة التجسس طالما جمعوا المعلومات "لهدف معقول". التغطية الصحفية، وحتى التغطية النقدية للسلطات، لا تزال تعتبر في اسرائيل هدفا معقولا.

                              العمل الصحفي يستدعي ايضا تلقي معلومات من "اناس لم يخولوا بذلك". لو كنا متعلقين فقط بالمعلومات المرشحة التي يوفرها لنا الوزراء والناطقون، لكانت اسرائيل تشبه روسيا السوفييتية و "هآرتس" كانت ستذكرنا بصحيفة "برافده" او بصحيفة "تشرين" السورية. هكذا هو الحال في الدولة الديمقراطية: بعض المعلومات الحيوية للجمهور تأتي من اناس خاطروا بانتهاك السرية الامنية، مثل دانييل السبرغ. فقط اناس كهؤلاء يتجرأون على كشف السلوك الكاذب، في ظل الاخذ بمخاطرة شخصية.

                              حكومات عديمة الثقة بالنفس تكثر من التحقيق بالتسريبات، في محاولة لاخافة المصادر وكبح جماح الصحف. هكذا تصرفت ادارة نكسون، وهكذا ايضا ادارة بوش بعد اجتياح العراق. في اسرائيل جرت مطاردة للمسربين على نطاق واسع في الجيش الاسرائيلي بعد حرب لبنان الثانية. وكان القاسم المشترك بينها جميعه هي رغبة الحكومات في طمس تورطها في حروب فاشلة. كشف المصادر يعتبر، على ما يبدو، كطريقة مناسبة للحفاظ على الصورة النظيفة والمظفرة والضمان بان فقط "ورقة الرسائل" للسلطات ستظهر في العناوين الرئيسة.