خبر أحد ليس كام..يديعوت

الساعة 09:18 ص|09 ابريل 2010

بقلم: ناحوم برنياع

إذن ماذا يوجد لدينا هنا، في السطر الاخير؟ توجد مجندة، قررت الاحتفال بنهاية خدمتها في الجيش الاسرائيلي بسرقة نحو الفي وثيقة سرية وسرية للغاية من حاسوب المكتب؛ لدينا صحفي حصل على هذه الوثائق، استخدم بعضها صحفيا، والاخرى يرفض اعادتها؛ لدينا جهاز عسكري يستخف بحراسة ذاته؛ لدينا مخابرات تتلوى بين محاولة هادئة لتغطية القفى وبين فضيحة عالمية، ولدينا نيابة عامة تعرف كيف تخلق عناوين رئيسة ولكنها لا تعرف كيف تخلق عدالة.

                              لو أن كل ما فعلته عنات كام واوري بلاو يختصر بتقرير بلاو الذي نشر في ملحق "هآرتس" قبل سنة ونصف السنة، لكان يستحقان وسام بطولة. فقد اضاء التقرير بشكل موثق ومصداق كيف خرق الجيش الاسرائيلي تعليمات محكمة العدل العليا في أعمال القاء القبض على مطلوبين في يهودا والسامرة. عندما تخرق جهة حكومية القانون او الامر الصادر عن المحكمة، يوجد مبرر جماهيري واخلاقي للكشف عن هذا التجاوز، حتى لو كان الكشف ينطوي على تجاوز للقانون.

                              الحالة الاكثر شهرة، والاكثر تقديرا، لتسريب وثائق سرية لاعتبارات ايديولوجية هي قضية وثائق البنتاغون. روبرت مكنمارا، الذي كان وزير الدفاع الامريكي في السنوات الاولى لحرب فيتنام، طلب بحثا سريا للغاية في سياسة بلاده في فيتنام في اعوام 1945 – 1967. دانييل السبرغ، احد واضعي البحث، سلم الوثائق لـ "نيويورك تايمز"، وهذه نشرت بعضها – بعد ترددات – في 1971.

                              ادارة نكسون ردت على النشر بشدة: شرعت في اجراءات قانونية، وجرى التشهير بالسبرغ ومطاردته. وكانت النتيجة هبوط كبير في التأييد للحرب في اوساط الجمهور الامريكي وانتصار تاريخي للكفاح من أجل حق الجمهور في المعرفة. وعندما سئل السبرغ عن دوافعه قال: "اردت ان اوقف حربا مغلوطة". وقد اعتبر بطلا.

                              غير أن عنات كام واوري بلاو ليسا السبرغ. وحتى محاموهما لا يدعون بانهما السبرغ. محامي كامي، افيغدور فيلدمان، تحدث معي امس. وهو يشرح افعال كام اساسا بتعابير الثغرة التي تدعو الحرامي: الحاسوب كان مفتوحا ومكشوفا للجميع، ولم يكن يهم اللواء شيء، إذن لماذا لا. فيلدمان يشبه الواقع في مكتب اللواء قائد المنطقة بمكان تستخدم فيه الوثائق السرية لكتاب المسودات. وهو يقول: "الشكل الذي تحتفظ فيه بالوثيقة يدل على موقفك منها".

                              أم عنات كام تعلل الفعلة بشقاوة شباب. عنات ابنة الـ 23 تختلف عن عنات ابنة الـ 20 كما تعد.

                              ميبي موزار، محامي "هآرتس"، صحيفة اوري بلاو (ومحامي "يديعوت احرونوت". كي نمنع تضارب مصالح امتنعت عن الحديث معه. وانا اتناول ما قاله في مقابلة مع برنامج "عوفدا" التلفزيوني) وهو يقول ان بلاو هو صحفي مسؤول أمن الدولة في رأس اهتمامه. الوثائق التي تمس بالامن اعادها. الاخرى لن يعيدها الى ان يتوصل الى اتفاق مع المخابرات.

 الجهة الوحيدة التي تعزو دوافع ايديولوجية للاثنين هي النيابة العامة للدولة. وهذا هراء يرمي الى تبرير الغباء الذي ارتكبته النيابة العامة في فرض حصانة جارفة على القضية – غباء شدد هذه القصة وضخمها الى حجوم عالمية.

المحامون يريدون انهاء هذه القضية باقل ضرر لزبائنهم. هذا عملهم. فيلدمان يسعى الى صفقة قضائية تبعد كام عن العقوبات الخطيرة المحددة في القانون للتجسس الخطير وللخيانة. عنات كام ليست ماتا هري، يقول، وهناك حق في قوله. افترض أن صفقة ستعقد في النهاية. كام ستعاقب كي تكون عبرة لمن يعتبر، ولكن العقاب سيكون متوازنا.

اما بالنسبة لبلاو، فرفضه العودة الى البلاد يضر اساسا بصحيفته. من الصعب ان نلصق بهذا الرفض دوافع مهنية مثل حماية المصدر والاصرار على حق الصحفي في الاحتفاظ بوثائق لديه مصلحة في نشرها. عنات كام اعترفت بانها المصدر. ولو كان ممكنا نشر الوثائق لكان بلاو نشرها منذ زمن بعيد. موزار يتهم المخابرات بانها تدير حملة انتقام ضد بلاو. ربما. انا اعرف فقط مكانا واحدا يمكن فيه القتال ضد المخابرات: اسرائيل.

الصحافة في كل العالم الديمقراطي، بما في ذلك في اسرائيل، تعتمد بقدر كبير على التسريبات. بعض من هذه التسريبات ينطوي على انتهاك للقانون او للتعهد تجاه رب العمل او قواعد اللعب الدارجة في اطر مثل وحدة عسكرية، وزارة، او مصنع. احيانا التسريب هو شعاع الفانوس الذي يبدد الظلام: فهو يكشف القصورات، يدفع نحو الشفافية ويمنع الانتهاكات للقانون والتعسف.

ولكن ابتداء من نقطة معينة – كمية او نوعية – سرقة كهذه لمادة سرية كفت عن ان تكون صحفية، كفت عن أن تكون فعلا لمجندة عطشى للهالة، كفت عن ان تكون احتجاجا لاعتبارات ايديولوجية واصبحت شيئا آخر تماما – تسيب لا يمكن لصحيفة جدية أن تقف خلفه.

يخيل أن هذه القضية لن تدخل الى قصص التجسس. ليس فيها جواسيس. ويمكن المخاطرة والقول ان مكانها في تاريخ الصحافة لن يكون مركزيا. فليس فيها الكثير من الصحافة. دروسها تعود اساسا الى مجال أمن المعلومات (من المشوق أن نعرف اذا كان احد ما من ضباط قيادة المنطقة الوسطى قدم للمحاكمة على القصورات في حماية المعلومات، نحي او ارسل الى السجن).

وعليه يحسن الجميع اذا ما نزلوا عن الاشجار التي تسلقوا اليها، فيوقعون على صفقات ويجعلون نهاية لهذه القصة – ان لم يكن بدافع العقل، فبدافع الخجل.