خبر الصهيونية بين أزمتين .. حسن عبدو

الساعة 06:42 م|04 ابريل 2010

الصهيونية بين أزمتين .. حسن عبدو

غالباً يتم الحديث باستفاضة عن التوزيع الحيوسياسي للحركة الوطنية الفلسطينية وتقسيمها بين الداخل والخارج، خاصة عند تحليل مركز القرار السياسي الفلسطيني, دون أن يتم ذلك للحركة الصهيونية بوصفها نظام عابر للدول والقوميات، لها نقطتي ارتكاز جغرافيتان تتنافسان على مركز القرار الصهيوني في العالم: الأولى (إسرائيل الأمريكية) والثانية هي (إسرائيل الشرق أوسطية) ولولا إسرائيل الأولى السابقة من حيث النشأة، لما كانت إسرائيل الثانية.

فقد عملتا معاً وبتناغم فريد ليس للتغطية السياسية والأخلاقية على اختلاق وتأسيس إسرائيل على أرص فلسطين فقط، بل إلى الانجاز العملي الأهم من ذلك بكثير، وهو الحفاظ على بقاء الصهيونية لصيقة بالاستراتيجيات الاستعمارية واستراتيجيات الهيمنة الدولية، والسير في ركابها، فنجاح الصهيونية العملي لا يعود إلى قدرتها في إيجاد المبررات الدينية والتاريخية والأغطية الأخلاقية على أكبر عملية سطو مسلح لسرقة بلد ووطن، وإنما لقدرتها الفائقة في ربط المشروع الصهيوني بالمشروع الغربي الاستعماري الأم، على مدى أكثر من قرن كامل من الزمان.

وقد شهدت الصهيونية أزمة تاريخية فجرها الموضوع الفلسطيني في الثمانينيات من القرن الماضي عندما انطلقت شرارة الانتفاضة الأولى. فقد كان لنقل مركز الثقل في العمل الفلسطيني من الخارج إلى الداخل دور كبير في تهديم أسطورة عدم وجود الشعب الفلسطيني كشعب حقيقي، أو أسطورة لا أخلاقيته.

لقد كانت المواجهة بين أطفال سلاحهم الحجارة وجيش مجهز بأحدث المعدات العسكرية دافعاً وراء معرفة المحفزات التي تسير كل منهما، والرهانات التي تقف وراء هذه المواجهة، حيث أخذت تدرك قطاعات كبيرة من الرأي العالمي وحتى القريبة من الصهيونية إن تفاقم الصراع وتجاوزه تلك الصورة اللاإنسانية، يكمن في منطق النفي لوجود الشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه.

وأمام تنامي شعور العالم واعترافه بشرعية الكفاح الفلسطيني وعدالة قضيته، واستعادة الشعب الفلسطيني لصورته الإنسانية والأخلاقية، بدأت أزمة الصهيونية. وجوهر هذه الأزمة كان مواجهة تحدي الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني، بصرف النظر عن حقوقه.

فبمجرد الاعتراف، تصبح الصهيونية مضطرة إلى مراجعة تاريخها، والتفكير في نسبة عدالة قضيتها وأخلاقيتها ومشروعيتها، إن الاعتراف هنا يعني أن هناك جريمة وضحية مازالت ماثلة، والسلام لا يتحقق إلا بتصويب الأخطاء.

لقد أصابت الانتفاضة الأولى وأعطبت الدفاعات الأيديولوجية التقليدية للصهيونية، وفجرت أعمق أزمة في تاريخها طارحتاً سؤال المصير الأول مرة، وان على الإسرائيليتان والصهيونية عموماً أن تقرر طبيعتها النهائية.

حيث أصبحت حتمية الاختيار بين الاستعمار الاستيطاني الصافي كهوية، وهو توجه اليمين في الاسرائليتان ونتنياهو عملياً يمثل هذا النهج في كتابه "مكان تحت الشمس"، أو التخلص من الآلية والروح الاستعمارية والاستيطانية، والعودة إلى صف الدول القانونية والديمقراطية وشيمون بيريز عبر عن هذا النهج في كتابة "الشرق أوسطية".

أمام تفجر أزمة الصهيونية، وحتمية الاختيار المفروض عليها بين حلم الدولة الاستيطانية القوية والمسيطرة التي تفرض هيبتها علي المنطقة والعالم أجمع، وبين واقع الدولة الديمقراطية المندمجة مع محيطها والساعية إلي إيجاد حلول للمشاكل الناجمة عن وجودها، من خلال التعاون والتكامل والتفاهم، وليس من خلال المنافسة والإخضاع والإملاء.

وبرغم أهمية ومصيرية هذه الأزمة التي واجهت الصهيونية إلا أنها بقيت أزمة داخلية، لم تهدد العلاقة الجوهرية والإستراتيجية البالغة الأهمية مع المشروع الغربي الاستعماري، والذي حافظت الصهيونية علي البقاء لصيقة له ولسياساته التوسعية والاستعمارية علي مدي أكثر من قرن كامل من الزمان.

لكن الحال تغير ألان تماماً، بعد إقدام الصهيونية وبتدخل وهيمنة كبيرتين من (إسرائيل الأمريكية) علي حسم حتمية الاختيار تجاه الخيار الأول : أي نحو تعميق منطق النفي والإنكار للشعب الفلسطيني، وتوسيع دائرة الاستيطان وطرد الفلسطينيين، والتمسك بكامل الأرض وكامل القدس.

لقد اختارت الصهيونية أن تكون نقيض كامل لتاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين، قلعة حصينة لا يضمن بقائها غير الدم والقتل والقهر الدائم للفلسطينيين والعرب والمسلمين.

وهذا عمليا يضع المشروع الصهيوني ومراكز قوته الداخلية والخارجية وجها لوجه، مع المشروع الغربي التوسعي، في تحدي مكشوف عبرت عنه قيادات أمريكيين وأوروبيين بشكل لا يقبل اللبس: فقد قال (زبيجينو برويجنيسكي) مستشار الأمن القومي الأمريكي وأبرز الاستراتيجيين الأمريكيين في مقالة له نشرت بتاريخ 22/مارس الحالي في "كريستيان ساينس مينوتر": "إن الاستيطان في القدس الذي يعبر عن التوجيهات الصهيونية الحالية يقوض مصداقية واشنطن وهيبتها، ويدعم النفوذ الإيراني، ويزيد من التأيد الشعبي للتطرف الإسلامي عموما في مواجهة الغرب، ويهدد الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط كلها، ما يعني تهديداً مباشراً لحياة الجنود الأمريكيين والغربيين المرابطين في العراق وأفغانستان".

كما يشير بروجنيسكي إلي الخطر الثاني المتمثل في "تعميق الهوة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وما لذلك من ضرر مباشر على المصالح الإستراتيجية الصهيونية، علي اعتبار أن أمريكا هي مصدر قوة إسرائيل وليس العكس".

ويذهب بروجنيسكي إلي أكثر من ذلك عندما وصف الصهيونية المتطرفة بأنها ليست اقل ضررا ولا خطرا من أن تسيطر حماس علي الجانب الفلسطيني كله!!!".

وقد ربطت هلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية بين الموضوع الفلسطيني والإيراني وزيادة قوة "الرفضيون" للسياسات الغربية أمام منظمة الايباك الصهيونية (إسرائيل الأمريكية) وقالت لن نفرض حلا علي الطرفين" بمعني أن الصهيونية لها كامل الحرية في الاختيار، لكن عليها أن تدرك أن خيارها غير قابل لتحقيق، ويصطدم ليس فقط بمصالح المشروع الغربي ويعيقه فقط، بل أيضا يصطدم بحقائق الواقع المتغيرة وهي "حيوية الديموغرافيا الفلسطينية، وحيوية الايديولوجيا الإسلامية النقيض الجوهري للظاهرة الصهيونية، وحيوية الصواريخ ووسائل نقل الدمار التكنولوجية لدي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحلفائها من "الرفضيون" بلغة كلينتون الجديدة.

لقد كان الفضل للانتفاضة الأولي في تفجير أزمة الصهيونية الداخلية، أما الفضل الثاني في تفجير أزمة الصهيونية مع المشروع الغربي التوسعي والناجمة عن حتمية الاختيار، فيعود إلى (إسرائيل الأمريكية) في مفارقة غريبة من نوعها، عندما أعلت المصالح الصهيونية دون الالتفات للمصالح الأمريكية والغربية، على اعتبار أن نتنياهو محسوب على إسرائيل الأمريكية وهو امتداد لها وتعبير عنها.

ومع تعاظم معسكر "الرافضيين" بلغة كلنتون الجديدة، وبداية تفجر أزمة الصهيونية الثانية مع المشروع الغربي التوسعي، تكون الصهيونية وصلت إلي نهايتها، فمع كل ميلاد أزمة للصهيونية نشهد ميلاد حقيقة. والحقيقة التي نعنيها هنا هي ميلاد شرق أوسط إسلامي ممانع وآخر أمريكي صهيوني يحتضر.