خبر هل مازالت المفاوضات هي الحل الأوحد؟ .. د. أسعد عبد الرحمن

الساعة 08:09 ص|02 ابريل 2010

بقلم: د. أسعد عبد الرحمن

الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو لا يمكن اعتمادها شريكا في عملية "التسوية"، فهي تقابل دعوات الجميع للسلام والتسوية بمزيد من الاستعمار "الاستيطان" والتهويد. طبعا ليس آخر هذه الدعوات بيان "اللجنة الرباعية" حول سلام الشرق الأوسط، الداعي إلى تجميد كل النشاطات "الاستيطانية" بما فيها (تلك المخصصة للاستجابة) لما يسمى "النمو السكاني الطبيعي"، وتفكيك كل المواقع المتقدمة التي بنيت منذ آذار/ مارس 2001، والامتناع عن القيام بعمليات هدم أو إبعاد في القدس الشرقية، وإلى استئناف المفاوضات بغية التوصل في غضون عامين إلى قيام دولة فلسطينية.

من جهتها، ترى القيادة الفلسطينية أن المفاوضات هي الحل الأوحد لتحقيق السلام وقيام دولة فلسطينية. فرغم ما يمكن تسميته "سنوات الضياع" التي بدأت منذ أوسلو والتي قضتها الوفود الفلسطينية المفاوضة تحاول عبثا الوصول إلى "تسوية"، فإن الإسرائيليين لطالما خرجوا على الجميع بما يثبت دائما استحالة نجاعة المفاوضات. صحيح أن الجانب الفلسطيني يعتقد أنه لا يستطيع التفاوض مهما كانت الظروف والأسباب، كون كل الدعم الدولي للسلطة مشروطا ليس بالوصول إلى "تسوية" بل في استمرار التفاوض. لكن صحيح أيضا إن استمرار المفاوضات ضمن الظروف الحالية هو "حمل كاذب"، والبديل هو رفض العودة إلى المفاوضات حتى التوصل أولا إلى صيغة يجرى فيها وقف العدوان، والاستيطان الاستعماري، ورفع الحصار، وفتح الحدود والمعابر، وتهدئة متبادلة وشاملة ومتزامنة. فالعودة للمفاوضات تعطي انطباعا مضللا للعالم بأن السلام قادم بين الفلسطينيين والإسرائيليين طالما أن المفاوضات مستمرة. هذا أولا.

أما ثانيا، فإن على القيادة الفلسطينية التمسك بقرار الإجماع الصادر عن المجلس المركزي الفلسطيني في دورته السابقه، (15 و16 يناير 2010) والذي نص على تأكيد "المجلس المركزي تمسكه الكامل والثابت بوقف الاستيطان الإسرائيلي في القدس ومحيطها وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل أي حديث عن استئناف جديد للمفاوضات مع إسرائيل، كذلك على تحديد مرجعية وفق قرارات الشرعية الدولية للمفاوضات، وتحديد سقف زمني لها، وبحدود عام 1967 حدودا للدولة الفلسطينية وبالقدس الشرقية جزءا لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67". فاستئناف المفاوضات في ظل استمرار المقارفات الإسرائيلية، حتى وإن كانت مفاوضات غير مباشرة، هو تكريس للرؤية الإسرائيلية لنهج المفاوضات ومرجعياتها، مع استمرار فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض، مع التحذير من خطر تحويلها إلى مفاوضات على قضايا جزئية كما جرت عليه العادة في السابق، ثم ممارسة الضغوط ذاتها لمواصلتها بعد انقضاء الأشهر الأربعة التي أقرتها لجنة المتابعة العربية وإن بحجج مختلفة.

ما المشكلة في أن تتمسك القيادة الفلسطينية، صاحبة المرجعية في تقرير استئناف المفاوضات من عدمها، بقرار "المركزي الفلسطيني"؟ فنحن لسنا مع من يطالب مفاوضينا بالاعتراف بأن المفاوضات كانت جريمة لا يمكن أن يغفرها لهم الشعب الفلسطيني، بل ندعوهم للتمسك بما سبق وأعلنوه صراحة بأنها باتت مفاوضات عبثية من المطلوب أولا، قبل أي شيء، وقفها إلى حين توقف المقارفات الاحتلالية الإسرائيلية. لذا، لا بد من وقفة جدية مع النفس ومراجعة الموقف الفلسطيني برمته، تبدأ بالحوار والتدقيق في الحسابات والعودة إلى الشعب الفلسطيني ومؤسساته وتنظيماته وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكل القوى "من خارجها" التي وافقت على وثيقة الوفاق الوطني، بل والتنسيق مع رموز وقيادات العمل القومي الفكري والإسلامي والتقدمي لمواجهة تحديات المرحلة ومتطلباتها. فالمفاوضات، وحدها، لن تجعل إسرائيل تنظر جديا للاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ولن يجعلها تعيد القدس أو أقلها توقف مؤقتا "الاستيطان" والتوقف عن تحويل الأرض إلى جيتوهات متقطعة الأوصال. كما أنه ليس هناك حاليا معطيات تشجع على استئناف المفاوضات. فحجم المقارفات الإسرائيلية زادت واتخذت أبعادا غير مسبوقة خاصة في مدينة القدس التي تعتبرها إسرائيل، بأكملها، عاصمتها التي لا تتجزأ، وأن الخطط الخاصة ببناء وحدات سكنية جديدة في شرق القدس شأن داخلي خاص بإسرائيل ليس لأحد أن يتدخل فيه، حتى وإن كان هذا الشخص الولايات المتحدة نفسها، أكبر حليف لإسرائيل. بل إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد أن "القرارات التي أعلنتها الحكومة الإسرائيلية عن إقامة آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة تشكل نسفا للثقة وضربة قاصمة للجهد الذي بذل خلال الشهور الماضية لإطلاق المفاوضات غير المباشرة".

بعد هذا، أيضا، ما المشكلة في تكريس القيادة الفلسطينية للتحرك الجماهيري، أو الهبة/ الانتفاضة، إن شئتم، في الضفة الغربية، والمسارعة ببناء جبهة موحدة للمقاومة الشعبية تتسع يوما بعد يوم، وإعادة النظر في التزامات السلطة الفلسطينية، خاصة الأمنية، تجاه إسرائيل، وتعميق التعاون مع قوى التضامن الدولي لتوسيع الحملة. فحقا، لم يعد مقبولا السماح باستمرار السياسة الإسرائيلية "الاستيطانية" الاستفزازية في غياب ضغط أمريكي فعلي يلزم إسرائيل بوقف هذه الأعمال والممارسات، مع التأكيد على ضرورة أن يأخذ الموقف العربي أبعادا جادة وحقيقية تزيد من عزلة إسرائيل وترفع سقف الموقف الدولي.

بعد هذا وذاك، ربما يكون الأنسب أن يتغير أسلوب الأداء التفاوضي الفلسطيني المغيب للمؤسسات وللقوى الفلسطينية، ولقد أحسن "حزب الشعب" الفلسطيني صنعا حين تجاوز عالم الحديث والاعتراض الشفوي على مساعي استئناف المفاوضات (مباشرة كانت أم غير مباشرة) ودخل في عالم تسجيل موقفه في مذكرة رسمية مكتوبة رفضت أي دعوة للمفاوضات في ظل استمرار المقارفات الإسرائيلية وبخاصة في القدس، مثلما كرست موقف كل القوى الممثلة في المجلس الوطني الفلسطيني (في دورته الأخيرة في 15/16 يناير المنصرم). بل إن هذا الموقف كان- فيما تؤكده الوثائق والبيانات- هو الموقف الذي تبنته حركة فتح سواء على لسان قائدها الرئيس أبو مازن أو على لسان لجنتها المركزية ومجلسها الثوري. وحتى حين وفرت "لجنة المتابعة العربية" الغطاء لاستئناف المفاوضات غير المباشرة (ولو ضمن شروط مضمونة وزمنية) وجدنا الحكومة الإسرائيلية تقابل "حسن النوايا" العربية (بل والأمريكية والدولية على حد سواء) بقرار "أسمنتي" جديد تلته قرارات مشابهة تكرس بمجموعها الرفض الإسرائيلي الحازم لوقف "الاستيطان" الاستعمار!!!.