خبر انتفاضة فلسطينية ثالثة أم عربية غائبة؟! ..عبد اللطيف مهنا

الساعة 03:31 م|21 مارس 2010

 

انتفاضة فلسطينية ثالثة أم عربية غائبة؟! ..عبد اللطيف مهنا

 

العجز العربي يطالب الفلسطينيين بانتفاضة ثالثة. هذا ما أوحى به غالب الإعلام العربي هذه الأيام، أو ما بدا أنه يأمله منهم وهو يتابع عملية تصاعد إجراءات تهويد القدس، التي مع الوقت غدت خبراً يومياً معتاداً جديده تغطية آخر عمليات قمع المقدسيين الجارية، والتي أصبحت توثق ساعة بساعة بالصوت والصورة، وغدت وكأنما هي الأقرب إلى مادة مجانية لساعات بث تكفي الفضائيات كلفة البحث عن البرامج المثيرة. ما ينطبق على هذه الحالة العربية يمكن سحبه على العالم الإسلامي، الذي يتفرج على الفلسطينيين في أزقة أحياء القدس العتيقة الضيقة يسقطون بين جريح ومعتقل، وهم يواجهون بالحجارة والصدور العارية صنوف الرصاص المطاطي والحي وقنابل الغاز، والمشاهد المتلفزة لهم وهم يتعاركون بالأيدي مع وحدات المستعربين الشاهرة مسدساتها. وكأنما المطلوب من الفلسطينيين عربياً، أن يعوضوا بدمهم عن غياب الإرادة العربية المواجهة، وأن يحموا نيابة عن المسلمين المقدسات الإسلامية. الفلسطينيون هنا، هم ليسوا سوى أهل القدس المحتلة التي تهدم بيوتهم وتشرد أسرهم فحسب، باعتبار أن فلسطيني الضفة المحتلة، كما هو معروف ومعلن ومطبق، ممنوع عليهم الانتفاض على المحتل، حيث يعتبره الجنرال دايتون عملاً إرهابياً، وتعده "السلطة"، التي ليس عندها سوى المفاوضات خياراً، جرماً عبثياً وفعلاً لا وطنياً من شأنه أن يعيق عودة الحياة إلى "المسيرة السلمية"، التي يتكبد ميتشل عناء القدوم من أجل بعثها عبر المفاوضات غير المباشرة بعد أن فشلت المباشرة... وحيث يقول محمد دحلان جازماً، إنه لن نسمح باستدراجنا لانتفاضة ثالثة... وباعتبار أن غزة المحاصرة لا تسمح لها ظروفها، التي يسهم في صناعتها الأشقاء مع الأعداء، بغير نوع من الانتفاض بالقرب من معبر بيت حانون، وأسوار الحدود المضروبة من حولها التي تحميها الدبابات، وتحرص الطائرات بدون طيار وال F16 على أن لا يقترب منها فلسطيني دون أن يراق دمه... وبغير إطلاق صاروخ بدائي غاضب أو اثنين، من مثل ذاك الذي أردى عاملاً تايلندياً، الأمر الذي يحاول نتنياهو استغلاله لمزيد من الغارات على ورش الحدادة التي لا تزال تعمل هناك، ولتسوية الخلاف العارض بينه وبين الإدارة الأميركية... وفلسطينيو المحتل العام 1948 كان الله في عونهم. وهم يواجهون ظروفاً معروفة يعيشون فيها تحت طائلة العزل والإرهاب المبرمج وهراوة مخططات استراتيجية الترانسفير الموعودة.

 

هنا، وكأنما نحن، إزاء عملية تضليل واسعة النطاق، سواء بقصد أو بدونه، تحاول حجب حقائق مفضوحة لا يمكن تغطيتها بغربال... فالفلسطينيون منذ أن كان الصراع على فلسطينهم، لم يكفوا يوماً عن مواجهة الغزاة المحتلين بكافة السبل المتاحة لمستضعف مستفرد به يواجه الإبادة بكافة أوجهها مادياً وسياسياً، ويقاوم عدوه وظهره إلى الحائط وقد عزّ النصير. تارة هبة، وأخرى ثورة، فإن دُجّنت هذه فانتفاضة... ودائماً كانت المقاومة ودائماً كان الصمود وكانت البطولات والتضحيات الأسطورية... وانتظار نصرة الأمة.

 

المطالبون الفلسطينيون بانتفاضة ثالثة، كانوا حينما كانت الانتفاضة الأولى، والثانية، فماذا فعلوا حينها لدعم المنتفضين ليواصلوا انتفاضتهم؟! وكانوا حين كانت محرقة غزة وأسطورة صمودها، فماذا فعلوا يومها لنجدتها؟! وهم الآن، وغزة لا تزال محاصرة فماذا فعلوا لكسر هذا الحصار؟! ثم أوليست فلسطين أرضاً ومقدسات وقضية شأناً ليس فلسطينياً أكثر مما هو عربي وإسلامي وإنساني، فهل قاموا بأضعف الإيمان فيما يتعلق بواجبهم المفترض، أو الذي هو فرض عين، تجاهها؟!

 

الجميع يعلم أن الفلسطينيين في ظل توازن القوى الذي من تحصيل الحاصل أنه كان ولايزال لصالح عدوهم، لا يستطيعون وحدهم، أو في غياب أمتهم، مواجهة ما يجري لهم ولقضيتهم. هذا من جانب، ومن جانب آخر، ما الذي شجع المحتلين على مثل هذه الخطوات التهويدية التي هودت الأرض وصادرت الأحياء وهدمت المنازل وشردت الإنسان، والآن في سياق إكمال تهويد ما لم يهود بعد، التفتت إلى المقدسات الإسلامية لتهودها، سوى اطمئنانهم إلى استمرارية جاري إستراتيجية "السلام خياراً عربياً وحيداً"، وآخر بركات تغطية جامعة الدول العربية مؤخراً للمفاوضات غير المباشرة... أو تفاقم مظاهر هذا العجز العربي المنتظر اليوم انتفاضة فلسطينية ثالثة تعفيه من وجوب إعادة النظر في استراتيجية عجزه المزمن؟!

 

قد تتطور غضبة المقدسيين إلى انتفاضة، وقد تُجهض للعوامل التي أسلفنا الإشارة لها. وفي الحالين لسوف ينصرف العجز العربي، شأنه في الأيام السابقة التي أعقبت زيارة بايدن وقرارات التهويد التي استقبله الإسرائيليون بها، إلى الحديث حول ما يصفه بعض الواهمين بالحرج الأميركي، والكلام المرسل عن الأزمة بين الحليفين جراء ما يدعونه بالإهانة التي لحقت بالصهيوني نائب الرئيس الأميركي المفاخر بصهيونيته رغم عدم يهوديته... هذه الإهانة التي لم يبدو منه أنه يشعر بها كما لم يبدر منه أنه يعدها إهانة. وعن غضبة هيلاري كلينتون، التي سرعان ما تراجعت عنها... ولسوف يتجاهل المتجاهلون كالعادة كل ما يشي بخلاف ذلك، أو كل ما يؤكد بأن واقع العلاقة الأميركية الإسرائيلية يقول، أن لا أزمة، ولا حرج، ولا غضبة ولا تراجع، وإنما هي لا تعدو سحابة عتب سارع العاتب والمعتوب عليه كل من جانبه لجلاء بعض تلبد في أجواء عتيد العلاقة العضوية الراسخة بينهما والتأكيد على حتمية انقشاع هذه السحابة الطارئة.

 

من ناحية الأميركان، الديموقراطيون، وهم أمام استحقاق انتخابات اشتراعية قادمة، وعلى أبواب مؤتمر "إيباك" بعد أيام، يضغطون على رئيسهم ليأخذ في حسبانه عدم إغضاب صهاينة الولايات المتحدة واسترضاء نتنياهو وليس لومه، والرئيس بدوره يريد تحييد من يقدر على تحييده لتمرير قانون ضمانه الصحي في الكونجرس المتصهين، من هنا، ربما جاء توقيت القرارات الأخيرة بشأن تجميد أموال البنك الوطني الإسلامي، وفضائية الأقصى في غزة... وربما للغاية نفسها تم الكشف عن قيام وفد أمني أميركي برئاسة الملحق العسكري في السفارة الأميركية بالقاهرة بتفقد جاري العمل في السور الفولاذي الذي يقام على الحدود المصرية مع غزة!

 

... ولهذا، سمعنا، أوباما يقول، إن "إسرائيل هي أحد أوثق حلفائنا، ونحن والشعب الإسرائيلي يجمعنا رباط خاص لا ينفصم... لكن الأصدقاء يختلقون أحياناً"! وتقول، هيلاري كلنتون، أن "لأميركا التزاماً مطلقاً بأمن إسرائيل. وهناك علاقة شجاعة ووثيقة بين أميركا وإسرائيل، وبين الأميركيين والإسرائيليين"...

 

أما الجانب الإسرائيلي، فتعبر عنه خير تعبير رسالة من "مجلس المستوطنات"، و"إسرائيل" كلها عبارة عن مستوطنة ومستوطنين، إلى هيلاري كلنتون، تخبرها، بأن "طلب عدم البناء في القدس، أو تسليم جزء منها إلى آخرين، مرفوض تماماً بالنسبة للشعب اليهودي، ولن يكون هناك تفاوض بشأن القدس، ولن تكون هناك موافقة إطلاقاً على تقسيمها"... وقول ليبرمان لوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون التي سمح لها الإسرائيليون بالقيام بسياحة إنسانية أوروبية منافقة إلى غزة، إن المطالب الدولية بوقف "الاستيطان" هي "غير منطقية"... ويؤكد السفير الإسرائيلي في واشنطن في مقال له في "النيويورك تايمز"، أن الروابط بين الحليفين "يمكن أن نشهد خلافات عرضية لكنها تبقى لا تتزعزع"... وحيث يجاهرون في إسرائيل بالقول بأن "تصرفنا لا ينبع من تسرع أو أيديولوجية يمينية، وإنما تكتيك ديبلوماسي وتفكير سياسي"، تم تسريب يقول بأن نتنياهو الذي هاتف كلنتون قد توصل معها إلى مخرج يؤدي لانقشاع السحابة العارضة التي غشت تليد العلاقة الراسخة بين الطرفين، هو عبارة عن "إجراءات محددة يمكن اتخاذها من أجل تحسين الأجواء بغية التقدم نحو السلام"!!!

 

وبعد، وإزاء كل هذا الوضوح الإسرائيلي والأميركي، ما هو مقابله المفترض عربياً؟ هل هو القعود وانتظار انتفاضة فلسطينية ثالثة، يعلم القاعدون المنتظرون أنها المحاصرة خلف أسوار القدس المحتلة، أم انتفاضة إرادة مواجهة عربية غائبة طال انتظارها؟!

 

كاتب فلسطيني