خبر القدس في نظر واشنطن..إسرائيل اليوم

الساعة 09:38 ص|21 مارس 2010

 

بقلم: دوري غولد

قررت ادارة اوباما تصعيد الخلاف بينها وبين اسرائيل في قضية خطط البناء في القدس الى حد الأزمة. وجندت الادارة من أجل ذلك المستوى الرفيع كله من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الى مستشار الرئيس ديفيد اكسلرود.

في بدء الازمة، مع التشاور في واشنطن، طلب الى نائب الرئيس بايدن "التنديد" بخطط البناء الاسرائيلية. استعمل بايدن لغة تستعمل في الاكثر لأشد العثرات الدبلوماسية.

جرى توجيه وسائل الاعلام الامريكية توجيها كثيفا، واستعملت احيانا لغة لاذعة جدا. وقد صبغ جزء من وسائل الاعلام الامريكية بنغم شريرة عندما اثيرت اسئلة مثل هل يعرض "الرفض" الاسرائيلي في موضوع البناء في القدس القوات الامريكية في العراق وافغانستان للخطر.

ربط ضباط كبار في الجيش الامريكي بين استمرار النزاع الاسرائيلي – العربي وبين مكانة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، لكنهم لم يتهموا اسرائيل بأن سياستها تعرض قواتهم للخطر. تعلمون ان اسرائيل تتشارك مع الجيش الامريكي في المعلومات الاستخبارية وطرائق محاربة الارهاب وتدافع بذلك عن حياة الجنود الامريكيين لا كما ألمح على نحو داحض جدا.

***

أيمكن أن نرى توجه الادارة في موضوع القدس على أنه استمرار للتوجه التقليدي من اسرائيل، أم طرأ تحول حاد في هذه الايام قياسا بالماضي؟

الصحيح هو، أن الولايات المتحدة لم تعترف قط بضم اسرائيل لشرقي القدس في تموز 1967 بعد انقضاء حرب الايام الستة. لكن السياسة الامريكية في السنين التي تلت ذلك تميزت بتنوع كبير وتأثرت بمعضلات مختلفة.

مثلا في حين أن مجلس أمن الامم المتحدة بالنسبة لاكثر الحروب يدعوا الى الوضع الراهن الذي سبق القتال، لم تشأ الولايات المتحدة تخليد الوضع الذي سبق حرب 1967. ينبغي أن نتذكر ان الولايات المتحدة لم تعترف قط بسيادة الاردن على القدس. والى ذلك غزت الاردن القدس على نحو سماه الأمين العام للأمم المتحدة في 1948 "عدوانا مسلحا"، ودخلت اسرائيل قياسا بها المنطقة في 1967 بحرب دفاعية؛ طرد الاردنيون جميع السكان اليهود من المنطقة التي احتلوها ومنعوا دخول اليهود الأماكن المقدسة مدة 19 سنة، وعلى ذلك لا يقبل اعادة الواقع الذي ساد قبل حرب الايام الستة وتقسيم القدس من جديد.

وقد قرر ستيفان شفيبل الخبير الامريكي بقضايا القانون الدولي الذي عين بعد ذلك مستشارا قانونيا لوزارة الخارجية ورئيسا بعد ذلك للمحكمة الدولية في لاهاي، قرر في 1970 انه "يوجد لاسرائيل حق ملكية يفضل على حق الاردن في المنطقة التي كانت فلسطين وفي ضمن ذلك القدس كلها...".

كذلك ذكر السفير الامريكي في الامم المتحدة في 1967، آرثر غولدبرغ بعد سنين من ذلك أن قرار مجلس الأمن 242 الذي أصبح اساسا للمسيرة السلمية الاسرائيلية – العربية، لم يذكر القدس بصراحة وأضاف ان "هذا الحذف تم على عمد".

في تموز 1969 هاجمت صحيفة "نيويورك تايمز" ادارة جونسون لسياستها اللينة نحو اسرائيل فيما يتعلق بالقدس. بعد ذلك زاد الخط الامريكي صرامة مع انتخاب ريتشارد نيكسون للرئاسة وهو الذي سمى سفيره لحينه شرقي القدس، أول مرة "أرضا محتلة". في السنين التي تلت ذلك سعت الادارات التالية الى الفصل بين السياسة نحو الضفة الغربية وبين السياسة نحو شرقي القدس. بل ان الرئيس كارتر وبخ سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة الذي صوت خطأ مؤيدا قرارا يتناول على نحو متساو المستوطنات في الضفة الغربية والاحياء اليهودية في شرقي القدس.

في الماضي عرفت الولايات المتحدة واسرائيل كيف تواجهان بل تتغلبان على الفروق في التوجه بينهما في شأن القدس: فقد بذلت ادارة كلينتون ثروة سياسية في اتفاقات اوسلو 1993 بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكنها أدركت جيدا الموقف الصلب لرئيس حكومة اسرائيل اسحاق رابين، الذي أعلن في الكنيست قبل شهر من مقتله في تشرين الثاني 1995 ان اسرائيل ستحافظ على "القدس موحدة".

لقد فهم مجلس الشيوخ موقف رابين في هذا الشأن، وأيد في التصويت في تلك السنة على مسألة السفارة في القدس، بأكثرية حاسمة (93 مقابل 5 معارضين) الموقف الاسرائيلي في شأن القدس الموحدة. في ذلك الحين ساد اجماع أمريكي – اسرائيلي على هذا الموضوع.

في نهاية المحادثات في اتفاقات الخليل أرسل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مبعوثين الى ادارة كلينتون، ليبينا ان الحكومة، على أثر نشر الجيش الاسرائيلي من جديد في الخليل، تنوي بناء حي جديد في شرقي القدس – في جبل أبي غنيم. لم يؤيد الرئيس كلينتون الخطة لكنه أدرك أنه يوجد في الدبلوماسية مبدأ "أعط وخذ". وهكذا عندما كان مجلس الأمن يوشك أن يندد باسرائيل لبناء الحي الجديد، استعمل سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بيل ريتشاردستون قرار النقض مرتين على محاولتي اجازة اقتراح القرار في هذا الشأن. لكن بعد ذلك اقترح كلينتون تقسيما من جديد للقدس في غضون سنتين، يشتمل على ضم الاحياء اليهودية في شرقي المدينة، لكن اقتراحه نبع من موقف حكومة اسرائيل في ذلك الحين تحت رئاسة رئيس الحكومة آنذاك ايهود باراك.

***

يبدو اليوم ان ادارة اوباما قررت، على علم، استعمال ضغوط على اسرائيل بواسطة املاء قوي. يلحظ تغير السياسة الامريكية منذ عدة شهور، عندما عبرت الادارة عن عدم رضا عن خطط بناء اسرائيلية في الحي اليهودي القائم منذ زمن وهو جيلو.

ينبغي افتراض ان البيت الابيض يعتقد ان زيادة صرامة الموقف الامريكي ستخدم مصالحه في المنطقة وفي العالم العربي وأن الفائدة التي سيحصلها من ذلك ستزيد على الضرر الممكن.

لكن الواقع سيبين ان سياسة الادارة لن تسهم في السلم والأمن في الشرق الاوسط – فالفلسطينيون سيتحصنون بقوة أكبر في مواقع اكثر تطرفا، وقد أخذنا نسمع دعوات مكرورة الى انتفاضة ثالثة؛ ولن تزداد ثقة الدول العربية بالولايات المتحدة لان أهم ما يهمها سؤال كيف ستنجح الادارة في تثبيط التهديد الذري الايراني.

المزية الاستراتيجية التي ستنشأ لواشنطن من المواجهة الحالية مع اسرائيل ضئيلة، وقد تفضي بالشرق الاوسط الى اتجاهات خطرة.