خبر أكلوا لي، شربوا لي..يديعوت

الساعة 11:22 ص|19 مارس 2010

بقلم: ناحوم برنيع

بيتر فبريشيوس هو المحرر الخارجي لـ "ستار"، أهم صحف جنوب افريقيا. جلسنا أول من أمس في مقهى في جوهانسبرغ لحديث عن المستقبل: هو ودولته وأنا ودولتي.

"يتحدث الناس عن امكانين"، قال. "اما ان يصبح جنوب افريقيا بعد عشر سنين مثل كينيا واما ان يصبح مثل زيمبابوي".

كينيا دولة افريقية فقيرة يضربها الارهاب. وترزح زيمبابوي تحت سلطان الفرد لروبرت موغابي. كل من استطاع هرب منها.

"الامكانان مخيفان جدا"، اعترف فبريشيوس .

قلت "هذا مثير للاهتمام. منذ اللحظة التي أتيت الى هنا يقلقني التفكير أي نوع من جنوب افريقيا قد تصبح اسرائيل في المستقبل. هل سنصبح دولة تمييز عنصري كما كنتم، أي أقلية قومية تحكم بقوة الذراع أكثرية معادية، أم سنصبح مثلكم اليوم، دولة تتخلى بالتدريج من الرؤيا التي آمنت بها لتصبح دولة من العالم الثالث".

نظر بعضنا الى بعض باحثا عن عزاء. "أقول دائما يوجد امكان ثالث"، قال فبريشيوس. "نستطيع أن نكون مختلفين، لا نشبه أي دولة اخرى".

انه على حق بطبيعة الامر. فالدول تستطيع أخذ مصيرها بأيديها. والكثير متعلق باستعداد المجتمع لتحمل المسؤولية عن المستقبل. والكثير متعلق بالقيادة السياسية.

طلبت حكومة بنيامين نتنياهو الثانية اجازة الكنيست في الـ 31 من آذار 2009. طال التباحث واستعمل دان مريدور جميع مواهبه البرلمانية كي يتم أداء اليمين قبل منتصف الليل. افترض وبحق ان كثيرا من النكت سيطلق على حساب حكومة ستنشأ في الأول من نيسان.

نجح بمفهوم الرزنامة. مع ذلك في نهاية السنة ما زال السؤال بلا جواب وهو أي حكومة عندنا. أهي أفضل حكومة استطعنا الحصول عليها أم أنها مط قاس على حساب التاريخ، مط الاول من نيسان.

لنتنياهو عدة أسباب لتلخيص السنة ايجابيا. فقد أظهرت الحكومة التي أنشأها في سنة ولايتها الاولى استقرارا لا مثيل له. تجاوزت بسلام، في أدنى حد من الاخطاء الازمة الاقتصادية العالمية؛ ولم تتورط في مغامرات عسكرية لا حاجة اليها او صراعات شديدة في الداخل. كل من تعقب حكومات اسرائيل على اختلاف اجيالها يعلم أن ليس من السهل دائما ضبط النفس وعدم الفعل. تبين ان بنيامين نتنياهو في هذه السنة ضابط لنفسه ممتاز.

بخلاف ما يقولون عنه في الاسبوع الاخير في العالم كله، لم يتبجح بنيامين نتنياهو بفعل الكثير في المجال السياسي. ان القرار السياسي الأشد اشكالا الذي اتخذه كان تأسيس حكومته على ائتلاف يميني واضح. كانت دوافعه شخصية تماما: فلم تكن لها أي صلة باليمين او باليسار، بل بتسيبي لفني وتداول السلطة فقط. ساعده ايهود باراك وشمعون بيرس على اقناع الاسرائيليين بأن الحديث عن حكومة مركز. لكنهم في العالم اعتقدوا اعتقادا مختلفا تماما، لكن في سباق اقامة الحكومة لم يكن لنتنياهو وقت كثير للتفكير في العالم.

ولانه لم يفكر في  العالم، بل في نفسه فقط، ولم يفكر بعيدا بل قريبا فقط، عين ليبرمان وزيرا للخارجية. منذ اللحظة الاولى لتولي ليبرمان عمل بنجاح في ابعاد حكومة نتنياهو عن سائر العالم. ليس رام عمانوئيل مذنبا ولا ديفيد اكسلرود ايضا. ان اخطر استيطان على نتنياهو في سنته الاولى كان استيطان ليبرمان وزارة الخارجية.

تحت ضغط امريكي تبنى حل الدولتين لكنه لم يؤمن به حقا ولم ينجح في اقناع الطرف الثاني بأنه يؤمن به حقا. وكذلك حال تجميد البناء. لقد أراد جدا ارضاء الجميع، بحيث دفع الى وعود متناقضة للامريكيين ولحزبه. لو لم ينفجر هذا زمن زيارة بايدن لانفجر بعد اسبوع او شهر.

ان نتنياهو على قناعة بأن الادارة الامريكية الحالية تميزه تمييزا سيئا قياسا بأسلافه. وليس هو مخطئا تماما. فأقوى جماعة ضغط في واشنط، اي جماعة الضغط العسكرية تعمل ضدا لحكومة نتنياهو. يرأس الحملة قائد قيادة المركز الامريكية الجنرال ديفيد باتريوس. اقتنع باتريوس بأن سياسة حكومة نتنياهو في الموضوع الفلسطيني تهدم مكانة الولايات المتحدة في المنطقة الاسلامية كلها. والاستنتاج ان اسرائيل مذنبة في موت جنود امريكيين في افغانستان والعراق.

القاعدة الحقائقية لهذا الزعم مشكوك فيها. فانه يمكن بنفس القدس ان نقول ان اسرائيليين قتلوا في غلاف غزة لان جنودا امريكيين يقتلون مسلمين في افغانستان. لكن الضرر الذي يحدثه ذلك لاسرائيل في الرأي العام الامريكي عظيم. سمع صدى هذا الزعم في الكلام الذي قاله في ذروة الازمة هيلاري كلينتون وآخرون. خصومة الجنرالات الامريكيين مضرة على نحو خاص لان اسرائيل محتاجة لهم احتياجا عظيما في الشأن الايراني.

المتمتعون المباشرون بالمواجهة هم الجمهوريون. فقد وقع هذا في أيديهم في ذروة الصراع الحاد على القانون الصحي. كان يكفي جماعة ضئيلة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين واسرائيل (او جماعة الضغط اليهودية) أعز عليهم من القانون الصحي، لمنع اجازة القانون. لهذا بادر الرئيس في مقابلة صحفية بذلها أول من أمس الى تسكين النفوس. كان ذلك تسكينا تكتيكيا لان المطالب من اسرائيل بقيت هي  نفسها.

في أول سني حكومة نتنياهو سأل نتنياهو نفسه في الاساس ما السهل وما الذي يجوز. وفي المكان الذي كان يستطيع فيه الطمس على الاشياء طمسها. وفي  المكان الذي كان يستطيع الهرب، هرب. يمكن ان نقول مدافعين عنه ان هذا ما توقعه منه اكثر الاسرائيليين وهذا ما فعلوه هم أنفسهم.

مع شيء قليل من الحظ يستطيع ان يطمس السنة الثانية ايضا. لكن ألا يستيقظ يوما ما ليجد نفسه في دولة فاسدة آثمة مثل جنوب افريقيا في الماضي أو تتهاوى مثل جنوب افريقيا في الحاضر ليقول: "لم أعلم، لم يقولوا لي، أكلوا لي، وشربوا لي ولست مذنبا".