خبر انهيار التسوية وأفق انتفاضة ثالثة؟!! ..هيثم محمد أبو الغزلان*

الساعة 12:44 م|18 مارس 2010

انهيار التسوية وأفق انتفاضة ثالثة؟!! ..هيثم محمد أبو الغزلان*

يبدو أن من مميزات المشهد السياسي الفلسطيني الحالي اكتنازه بالمفارقات والمقارنات على صعيد كل من الحدث والتاريخ والمكان. فعلى سبيل المثال، كان موعد اندحار آخر جندي صهيوني من غزة تحت وقع ضربات المقاومة في الثالث عشر من شهر أيلول، هو التاريخ ذاته الذي أعلن فيه عن ولادة مشروع اتفاقيات أوسلو، بموجب سلسلة طويلة و«مظلمة» من المفاوضات السرية التي عقدها مسؤولو السلطة مع قادة الكيان، تلك الاتفاقات التي لم تكد تر النور حتى انطفأت و"وئدت" بنقض صهيوني متوال لمجمل تفاصيلها، ما لم نقل لجميعها.

 

فما حصل ويحصل من تطورات دراماتيكية على الساحة الفلسطينية؛ من بعد فوز حماس، وحالة الفلتان الأمني، ازدياد الأعمال العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، العملية الفلسطينية النوعية "الوهم المتبدد" وأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شليط، والتي ردت عليها إسرائيل بعملية "أمطار الصيف"، والانقسام في الساحة الفلسطينية، وسيطرة حماس على القطاع، والعدوان الإسرائيلي أواخر 2008 وبداية 2009، إعلان أبو مازن عدم ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة.. من الواضح أن كل هذه الأحداث الحاصلة هي نتيجة تداعيات فشل عملية التسوية، بدءاً من اتفاقية أوسلو عام 1993‏ وملحقاتها، ‏وغموض مضمون خطة خريطة الطريق في ضوء التحفظات الإسرائيلية والضمانات الأمريكية المقدمة للأخيرة فيما يخص شكل التسوية النهائية مما أدى إلى بلورة مقترب التسوية أحادية الجانب من قبل الجانب الإسرائيلي الذي بدأ بالفعل في عملية ترسيم الحدود متستراً في مرحلة أولى وراء مفهوم العملية السياسية وضرورة توفير «الأمن» ضد العمليات الاستشهادية ودافعاً في الوقت الراهن بغياب الشريك الفلسطيني الذي يمكن التوصل إلى حل تفاوضي معه‏.‏

 

وفي الوقت الذي يُطالب فيه البعض بوقف المقاومة ويُجرّمها تقر إسرائيل زيادة النفقات الأمنية الإضافية؟!!! ومنذ أوسلو، ومروراً بكل الاتفاقات والتفاهمات واللقاءات والتصريحات والمباحثات التي استغرقت أكثر من تسعة عشر عاماً، لا تزال القضية تراوح مكانها، وما زال الاحتلال يقضم الأراضي الفلسطينية من كل أطرافها، والعدوان والتنكيل والحصار والاغتيالات في تصاعد مستمر، والقدس تسقط تدريجياً في مخطط التهويد والتدنيس، وجدار الفصل العنصري بات قاب قوسين أو أدنى من الانتهاء من بنائه.. وقد أظهر استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة "جيروزاليم بوست" في‏ (28-8-2009)،‏ أن غالبية الإسرائيليين اليهود تعارض تجميد الاستيطان ولو مؤقتا‏.‏ كما كشف استطلاع رأي آخر نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في‏ (10-8-2009‏)، أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون سياسة حكومة بنيامين نتنياهو التي تشجع استمرار عمليات البناء في المستوطنات‏.‏ ويكشف الاستطلاع الذي أعده مركز "الحرب والسلام" في جامعة تل أبيب أن (‏66%‏) من الإسرائيليين يؤيدون البناء في مدينة القدس لأنها تشكل‏،‏ بقسميها حسب رأيهم‏،‏ عاصمة دولة إسرائيل‏..‏.‏

 

ويظل العامل الديموغرافي هو الهاجس المسيطر على الصهاينة منذ استيلائهم على كامل مدينة القدس منذ العام 1967. وتبلغ نسبة الفلسطينيين في المدينة اليوم وفقًا للإحصاءات الإسرائيلية نفسها 35% من جملة السكان، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى 40% بنهاية العقد القادم.

 

لذا فإن عامل تعديل التوازن الديموغرافي يأتي على رأس سلم الأولويات في استراتيجية "تهويد" القدس، وربما تسعى حكومة نتنياهو إلى تفعيل  قانون عام 1973م الذي يقضي بأن لا تزيد نسبة الفلسطينيين في القدس عن 22% من إجمالي السكان بالمدينة.

 

ويتزامن هذا مع المطالبة الدائمة لإسرائيل‏ بإلتزام أمريكا و"العرب" بالكف عن مطالبتها بوقف سياسة التوسع الاستيطاني في القدس والضفة الغربية والموافقة على الشروط الإسرائيلية للقبول بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وبالتحديد اعتراف الفلسطينيين والعرب بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي‏، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل والتصفية الكاملة لحق العودة والمطالبة بأن تكون التسوية نهاية لأي مطالب‏، وضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح‏،‏ وأن تأخذ في الاعتبار كل متطلبات الأمن الإسرائيلي بما فيها منح ضمانات دولية لنزع السلاح والتدابير الأمنية مع الفلسطينيين‏.‏

 

واعتبر ألوف بن في ("هآرتس" 9/10/2009)، "أنه منذ عودته إلى السلطة، غيّر بنيامين نتنياهو التعامل الإسرائيلي مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فرؤساء الحكومات السابقين، أرييل شارون وايهود أولمرت، عرضوا عباس كـ" فلسطيني جيد" وكزعيم المعتدلين المعارضين (للإرهاب)، في مقابل "الفلسطينيين الأشرار"، مثل ياسر عرفات وقادة حماس والجهاد...".

وتوقع "آفي يسسخروف" في مقالة له في صحيفة "هآرتس" العبرية (9-10-2009)، أنه "قد لا تكون هناك انتفاضة ثالثة لتعب الجمهور الفلسطيني في الضفة، ولكن السؤال كيف يمكن مواجهة الأحداث دون أن يكون لها تواصل في الغد".

 

ومع ذلك فان "الجندي الأول الاستراتيجي" قد يجد نفسه مرة أخرى في العناوين الرئيسة.. جندي واحد يقرر إطلاق نار حية نحو راشقي الحجارة، أو متظاهر واحد من فتح يقرر إطلاق النار من داخل الجمهور نحو جنود الجيش الإسرائيلي يمكنهما أن يغيرا الصورة تماما"..

 

واعتبرت صحيفة "يورشليم بوست" أن الواقع على الأرض يبعث على القلق. شهدت الأشهر الأخيرة تظاهرات عنيفة في القدس، ودعوةً إلى تنظيم انتفاضة جديدة غير عنيفة أطلقها قادة فلسطينيون بارزون كثر، فبحسب أحد التقارير أنه على الرغم من أن خوض انتفاضة جديدة في المستقبل القريب أمر مستبعد، فإنها قد تندلع في غضون أشهر. من الواضح أن المجتمع الفلسطيني بدأ وقيادته بوضع الأسس لمثل هذا الخيار أقله لناحية الرأي العام.

 

ومن المؤكد أن الوضع الحالي بالنسبة لبنيامين نتنياهو مريح له ولإسرائيل. وسيبقى نتنياهو مستمراً في إطلاق التصريحات التي تطالب عباس والسلطة بالجلوس على طاولة المفاوضات على الرغم من أنه يدرك، أن هذا الأمر لن يكون ممكناً في ظل الوقائع الموجودة على الأرض.

 

فخِيَارُ المقاومة هو الذي أبقى القضية الفلسطينية حيَّةً، أمّا خيار التسوية، فهو الهزيمة بعينها. فـ (إسرائيل) لن تقبل السلام؛ لأن السلام هو النقيض التاريخي لوجودها كبِنْيَةٍ مجتمعية أيديولوجية وسياسية وعسكرية، تقوم بدور وظيفي في منطقة الشرق الأوسط. وعلى أبو مازن أن يعترف بفشله في قيادة نهج التفاوض. وانحياز أميركا إلى إسرائيل واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني بفعل فاشية النظام الصهيوني، هو تأكيد لسقوط نهج المفاوضات الذي لم ولن يؤدي إلى نتيجة مرجوة..               

 

* كاتب فلسطيني