خبر من قال « حق العودة »؟ .. هآرتس

الساعة 01:52 م|12 مارس 2010

بقلم: عكيفا الدار

"لا تكفي حجة ان أرض او مُلك ما هو "بيت""، هكذا خيب الاسبوع الماضي قضاة المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان أمل اللاجئين اليونانيين – القبارصة الذين التمسوا اليها، "على المدعي ان يشير الى صلة متواصلة بالمكان. 35 سنة مرت منذ أن فقد الملتمسون التصرف بملكهم، اجيال مرت، السكان المحليون تغيروا وجزء هام من الملك تبدل مالكيه على الاقل مرة واحدة من خلال البيت، التبرع او التورث".

اليونانيون – القبارصة  الذين فروا في العام 1974 الى القسم الجنوبي من الجزيرة من الاحتلال التركي، ادعوا مطالبين الطرف التركي بان يعيد اليهم اراضيهم وأملاكهم. ولكن معظم الـ 17 قاض في ستراسبورغ قبلوا كامل الموقف التركي – القبرصي، والذي بموجبه الواقع يفوق "الجذور العائلية"، الزمن اقوى من المشاعر وحقوق الساكن تسبق  حقوق المالك. اللاجيء يمكنه أن يتلقى ما يستحقه نقدا، وليس بالضرورة ارضا، كما قرر القضاة.

ومع أنه ليس لقرارات المحكمة الاوروبية مفعولا قضائيا ملزما خارج اوروبا، الا ان رجل القانون البروفيسور ايال بنبنستي من جامعة تل أبيب، الخبير في مسألة اللاجئين يوليها اهمية كبيرة: المؤسسة القضائية الدولية التي يعتبرها محترمة في العالم في مجال حقوق الانسان فتحت فصلا جديدا في الخلاف حول حق العودة. اعراف المحكمة تشكل مصدر الهام للمحاكمة في كل العالم، في اسرائيل وفي الولايات المتحدة ايضا.

برأي بنبنستي، وضع القرار الان حاجزا امام المحاولة المتعاظمة من جانب حكومات في الغرب، الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان للاعتراف بحق العودة للاجئين الى بلدانهم الاصلية، وبالاساس يدور الحديث عن "عودة خاصة" – الحق الشخصي للاجيء غير التابع للاتفاقات بين الدول. الميل السياسي للاعتراف بالحق القانوني لاعادة اللاجئين يتعاظم منذ نهاية التسعينيات، وليس بالذات انطلاقا من التماثل مع معاناتهم – هذا احيانا طريق لطيف للتخلص منهم. اوروبا، مثلا، فرحة لان تودع لاجئي حروب البلقان. في نهاية كانون الثاني تبنت الجمعية العمومية للمجلس الاوروبي قرارا يقضي بان اللاجيء يمكنه أن يختار بين العودة الى بيته وبين تلقي تعويض مساوٍ في القيمة.

بنبنستي، الذي يعتقد ان ليس للاجئين الفلسطينيين من العام 1948 حق عودة لاسرائيل لا يخفي رضاه من التعزيز الذي تلقاه تقسيره من قرار الحكم. وهو يعتقد بان قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة رقم 194 من العام 1948 هو ايضا – والذي بموجبه يمكن للاجيء الفلسطيني ان يختار بين العودة الى اسرائيل وبين التعويض – لا يمنح حقا شخصيا لكل لاجيء بالعودة، خلافا لحقه في التعويض. وحسب بنبنستي، فان مبادرة السلام العربية التي تتناول قرار 194 منحت اسرائيل حق فيتو على ذلك.

للمستوطنين، بنبنستي بالذات يوصي بعدم تعليق القرار الجديد في اطار مذهب انطلاقا من التفكير بان تواجدهم الطويل في المناطق – مثل ذاك للاتراك في قبرص – يضمن لهم التصرف في المنطقة. "يوج فارق بين وضع يدخل فيه اناس الى بيوت جيرانهم الذين اصبحوا لاجئين كنتيجة للنزاع وبين اولئك الذين يدخلوا عن وعي الى ارض السيادة عليها موضع خلاف وخاضعة للمفاوضات"، يقول. ويذكر بنبنستي بقرار محكمة العدل العليا في التماسات مخلي غوش قطيف ضد الاخلاء، والذي شدد على انهم يمكثون في اماكنهم بشكل مؤقت بقوة أمر قائد المنطقة.

جانب هام من القرار هو التمييز بين حقوق الفرد والعلاقات السياسية. المواطنون – وفي هذه الحالة، السكان الاتراك في شمالي قبرص – لا ينبغي أن يدفعوا ثمن انعدام قدرة السياسيين على تسوية النزاعات. "هذا المبدأ ينطبق علينا ايضا. المحكمة الاوروبية قضت بانه حتى لو كان الحديث يدور عن جريمة حرب واحتلال غير قانوني، يجب مراعاة الواقع الجديد الذي نشأ بالنسبة لاولئك الذين يعيشون على الارض"، يشرح بنبنستي. كما أن القضاة ايضا حذروا من وضع يؤدي فيه اصلاح ظلم قديم الى احداث ظلم جديد – للمستوطنين الاتراك.

المحكمة ردت بوحشية الادعاء بان حقوق الانسان تتضمن حماية القيمة الوجدانية لـ "الجذور العائلية" بالنسبة لارض معينة. كما ردت ايضا ادعاء الملتمسين بان رد التماسهم سيكون جائزة للمجرم. وشرح القضاة بان الملك يمكن استبداله – بتعويض مالي او بملك بديل، مثلا مُلك تركي قبرصي ترك جنوب قبرص.

القضاة في ستراسبورغ اوصوا اللاجئين اليونانيين – القبارصة بالتوجه الى الجهاز القضائي الذي اقامه الطرف التركي ومطالبته باستعادة ملكهم او التعويض المالي لاولئك غير المعنيين بذلك. اضافة الى ذلك اوصلوا اللاجئين بانتظار النهاية الناجحة للمفاوضات السياسية بين الطرفين.

ويقترح بنبنستي الانتباه للبنود "السياسية" في القرار: القضاة يتعاطون مع المسؤولية للطرفين في انهاء النزاع وهم يشيرون الى أن الاتراك صوتوا في 2004 في صالح خطة الامين العام للامم المتحدة السابق، كوفي عنان، بتوحيد الجزيرة، مع أنها تضمنت عودة محدودة لليونانيين الى قسمها الشمالي، اما اليونانيون فرفضوها باغلبية كبرى. كما أنهم يذكرون بان الاتراك اقاموا جهازا مصداقا لترتيب دعاوى اللاجئين. لهذه البنود كانت مساهمة مركزية في قرار المحكمة.

ويوصي بنبنستي اسرائيل والفلسطينيين بدراسة القرار جيدا: "يوجد هنا اعتراف بتعقيدات مشكلة اللاجئين، ولا سيما في أن حقوق الانسان ليست لطرف واحد فقط. مساعٍ صادقة من جانب المحتل للوصول الى حل نزيه يعكس الواقع، يمكنها أن تحظى باعتبراف قضائي دولي. بالمقابل، الجانب المتضرر الذي يقرر الانتظار حتى نهاية الاجيال، سيستيقظ ذات يوم ليكتشف بانه حل تقادم على حقوقه. الرسالة للطرفين هي بالتالي – لا تجروا الاقدام. بتعبير آخر، من معني بانهاء النزاع وحل نزيه لمشكلة اللاجئين، تلقى من المحكمة الاوروبية سلما مريحا لا مثيل له للنزول عن الشجرة".