خبر تصدير الغاز لـ« إسرائيل » من "شؤون السيادة .. ياسر الزعاترة

الساعة 02:32 م|09 مارس 2010

بقلم: ياسر الزعاترة

بعد رحلة طويلة في ميادين المحاكم، قضت المحكمة الإدارية في مصر بعدم اختصاص القضاء في مناقشة قضية تصدير الغاز لإسرائيل باعتبارها من "شؤون السيادة"، وهو القرار الذي غلفته بنصوص تتحدث عن ضرورة إعادة النظر في اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل التي وصفتها بالمعيبة.

والمثير أن يأتي قرار المحكمة في ظل أزمة الغاز المنزلي التي تعصف بالمصريين خلال موسم الشتاء، وفي ظل استمرار الجدل حول الاتفاقية التي أثارت وستبقى تثير قهر المصريين، ليس فقط لأنها بالغة الإجحاف، ولكن أيضا لأنها تمت مع عدو مصر الحقيقي (الدولة العبرية) الذي يريد البعض استبداله بالفلسطينيين في قطاع غزة باعتبارهم التهديد الحقيقي للأمن القومي المصري.

هذا الوضع البائس هو الذي استفز عددا من رواد الإنترنت الشباب، ودفعهم إلى إنشاء موقع ساخر على "الفيسبوك" بعنوان "فلسطين عدونا فلنعاملها كما نعامل إسرائيل"، مشيرين إلى ضرورة تزويدهم الفلسطينيين بالغاز مجانا أسوة بالإسرائيليين، فضلا عن قضايا كثيرة أخرى مثيرة للأسى والسخرية في آن.

ولأن قضية تصدير الغاز من "شؤون السيادة"، فإن الحكومة المصرية لن تقول لشعبها لماذا يقدم الغاز للإسرائيليين بحوالي ربع أو خمس سعره في السوق، ولماذا لا تتاح مناقشة الاتفاقية، وما هي الموانع دون ذلك؟ هل يأخذ المصريون شيئا في المقابل يشكل الإعلان عنه تهديدا للأمن القومي (قنابل نووية مثلا)؟، لاشيء من ذلك في واقع الحال، فما جرى هو نتاج سياسات لنخبة تحكمت بالسلطة والثروة، ورهنت وجودها ودورها بالخارج، وقد تكرس ذلك منذ ظهور ملامح التوريث، والشعور بضرورة قمع المعارضة دون ضجيج خارجي.

 

هل كان عبثا تبعا لذلك أن يخرج المصريون في استقبال محمد البرادعي، الأمين العام السابق لوكالة الطاقة الذرية في المطار بكل تلك الأعداد من أجل دعم ترشيحه للرئاسة، مع أن في مصر من هم أكثر قدرة منه على تولي المنصب.

موقف المصريين هذا كان بمثابة إعلان ضجر من السياسات القائمة على مختلف الأصعدة، والتي لم تصب الداخل فقط، وإنما أصابت أيضا الدور والحضور المصري في المجال العربي والإقليمي.

عندما يتشبث رموز الوضع الرسمي بفريق كرة القدم لكي يحسنوا شعبيتهم، فذلك منتهى البؤس، لأن فوز الفريق المصري بكأس العالم وليس كأس الأمم الإفريقية لن يعزز دور مصر الإقليمي ويحمي أمنها القومي، كما لن يغير طبيعة حياة المصريين، حتى لو كان من حق الناس أن يفرحوا بأبنائهم الذي جدوا واجتهدوا وفازوا، هم الذين ليس من بينهم ابن لمسؤول.

موضوع تصدير الغاز لدولة الصهاينة التي زرعت في هذه المنطقة من أجل ضرب مصر ودورها، أكثر من استهداف الفلسطينيين أنفسهم، هذا الموضوع كان ولا يزال بمثابة الجرس الذي يذكّر المصريين صباح مساء بالبؤس الذي يعيشونه على مختلف الصعد، ويحفز تبعا لذلك رغبتهم في التغيير.

والحق أن في مصر شعب أبي يرفض الظلم بكل أشكاله، لكن مؤسسة الأمن التي نمت وترعرعت طوال عقودا بعد أن صُرف عليها بسخاء هي التي تحول دون ذلك، أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في دور الخارج الغربي (الأمريكي على وجه الخصوص) الذي يقف بدوره إلى جانب الوضع القائم وضد أشواق المصريين في التغيير، ولنتخيل لو أن غضب المصريين يجد دعما من الخارج مثل غضب قطاع من الإيرانيين، ما الذي يمكن أن يحدث؟، مع أننا لا نأمل دعما، بل مجرد حياد لا أكثر.

كل ذلك لن يوقف مساعي المصريين لإحداث التغيير بكل وسيلة ممكنة، كما لن يوقف دعمهم لقضايا أمتهم الكبرى التي يفرط بها النظام، ما يعني أن التغيير قادم لن يوقفه شيء، طال الزمان أم قصر.