خبر رجال الإطفاء يأتون .. هآرتس

الساعة 10:36 ص|07 مارس 2010

بقلم: امير اورن

المحفل الامني الاعلى في اسرائيل لم ينتخب ابدا، ليست له فترة ولاية محددة وهو يفتقد لاي صلاحيات قانونية. فهو لا يبني قوة، لا يستخدمها ولا يتدخل في التعيينات الشخصية، الا في حالات نادرة، مثلما في قضية العميد موشيه تشيكو تمير، عندما تردد رئيس الاركان غابي اشكنازي في ابلاغ تمير بان مسار ترفيعه انقطع. هذا محفل ينتظر في الغالب الطلبات ويقدم المشورات غير الملزمة ولكن نظريا فقط. عمليا، المقررون لن يعملوا خلافا لمشورة الموصين إذ في عصر لجان التحقيق سيجد المقررون الرسميون صعوبة في اتخاذ حسم محمل بالمصائر في خلاف قطبي مع التوصية التي استدعوها لانفسهم.

اذا كان هذا المحفل يبحث عن اسم عسكري قصير فيمكن تسميته " أ. س"، حسب الاحرف الاولى لعضوين دائمين فيه – أمنون شاحك واوري سغي. رئيس الاركان المتقاعد ورئيس شعبة الاستخبارات الاسبق كانا في العقد الماضي خصمين لدودين. اما اليوم فهما متصالحان اكثر، قليلا مثل اسحق رابين وشمعون بيرس في حكومتيهما الثانية.

في تلك الفترة، تحت قيادة رابين في جهاز الامن والى جانب رئيس الاركان ايهود باراك كان اللواءان شاحك (كنائب لباراك) وسغي في الفريق الرائد لهيئة الاركان. في المثلث اياه باراك – شاحك – سغي، كان هناك ضلع رابع – رئيس شعبة العمليات، العميد غابي اشكنازي، في تقلبات السياسة والجيش انسحب الجميع الى هوامش المنصة الى أن اعيدوا منها في اعقاب القتال في لبنان في صيف 2006. وزير الدفاع عمير بيرتس عين شاحك في التحقيق مع الجيش، ولكن رئيس الاركان دان حلوتس احبط الخطوة. عندما استقال حلوتس وعين اشكنازي رئيسا للاركان، قبل أقل نصف سنة من تغلب باراك على بيرتس وعودته الى وزارة الدفاع، كان شاحك وسغي كبيري المستشارين، ولا سيما لاشكنازي (ورئيس شعبة الاستخبارات عاموس يدلين)، ولكن ايضا لباراك. يمكن ان نرى فيهما هيئة رقابة، "فريق أحمر" يرشح تجربة واعية ومعفية من رحى الضغوط الشخصية والتنظيمية.

إرث اشكنازي

في الشهر الماضي جاء باراك، اشكنازي وسغي الى منزل شاحك، للتشاور. يمكن التخمين، ولكن محظور النشر، ماذا كان موضوع البحث. من الصعب التصديق حين يأتي باراك واشكنازي ليعرضا موقفهما في الحكومة، ان يستخفا بامور سمعاها من شاحك وسغي.

في هذه المجموعة توجد رواسب جديدة وقديمة على حد سواء. شاحك رفض في 1999 ان يكون مرشح باراك كوزير للدفاع وفضل التنافس ضده وضد بنيامين نتنياهو على حد سواء. اشكنازي غاضب من باراك الذي سمح لمحيطه ان يثور على مُقرب رئيس الاركان، الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي آفي بنيهو. باراك ملزم بان يرى في اشكنازي الذي سيكون في غضون سنوات قليلة رئيس اركان مجمد في التقاعد، خصما محتملا على اللقب السياسي المحترم "سيد أمن". اشكنازي، في سنته الرابعة في المنصب، مرة اخرى لا ينظر الى الاسفل الى الجنرالات والمقاتلين بل الى الجانب، الى الجنرالات والادميرالات في جيوش العالم والى الامام، الى المسار التالي. ولهذا الغرض فانه يضع اساسات – تمدين تمير هو احدها – لـ "ارث اشكنازي".

حرص باراك واشكنازي على التشاور مع خبراء خارجيين من نوع شاحك وسغي، اضافة الى الدراسة المعمقة العادية في الجيش، هو دليل خالد على جدية جهاز الامن في استعداداته للتحديات العسكرية. صحيح أنه مثلما ثبت المرة تلو الاخرى في الحروب وفي الحملات، فان الجدية في الدراسة لا تترجم دوما الى انجازات على الارض، ولكنها جيدة على نحو ظاهر اكثر من الضحالة التي يتميز بها موقف الحكومات من المجال المهم اكثر من الجيش – المجال السياسي.     

المثال الاكثر وضوحا هو ايران، ولكن بذات القدر صحيح الحديث عن الساحة الشمالية لسوريا – لبنان – حزب الله (التي شدة اهميتها تنعكس ايضا على مضاعفة عدد المحافل التي تعنى بها في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية) وعن الساحة الفلسطينية. في كل المسائل الثلاث، حتى لو كانت الاداة العسكرية حادة وقاطعة قدر الامكان، ففي السياق السياسي سيكون استخدامها بالضرورة معقد من ناحية اسرائيل.

اسرائيل ليست مركز العالم، بل انها ليست قوة عظمى. مدى الاعتبارات والاضطرارات للدول الاكبر منها يشملها هي نفسها، ولكن ليس باولوية عليا. خروج مبادر اليه الى حرب، او الى حملة من شأنها ان تتدحرج الى حرب، ينطوي على مخاطر ترتبط بطول نفس الاقتصاد، الجيش والمقدرات الدبلوماسية. الحكومة، حتى بفضل دورها كمديرة مخازن للجيش الاسرائيلي، ملزمة بان تأخذ بالحسبان ايضا التاثيرات السلبية للنجاح العسكري، ناهيك عن الفشل، على قدرة امتصاص الجبهة الداخلية الهشة والمثارة الاعصاب.

كل هذا يفترض بنتنياهو ان يعرفه، ولكن الهذر الذي يخرج عنه يثير التخوف من أن تتغلب عليه نوازعه. خلافا لاسرائيليين كبار آخرين، بما في ذلك أشكنازي، الذين يبدون ككفاحيين في المحادثات مع الاجانب اكثر مما في التصريحات الداخلية، كي يمارس الاجانب على ايران ضغطا يوفر على اشكنازي اختبار الكفاحية، فان نتنياهو يقيس ملابس المفكر الاستراتيجي.

جناح سياسي مكسور

في ضوء الضربة الوقائية العسكرية التي قد يوقعها نتنياهو، سارعت ادارة اوباما الى توجيه ضربة وقائية سياسية، مثابة لعبة رجال الاطفاء قادمون: سلسلة زيارات لشخصيات رفيعة المستوى، يرشون زبدا على الشرارات التي تهدد بالاشتعال. شعلة تضرم نارها في مواقع النووي او النفط في ايران ستعرض للخطر الخليج الفارسي، الشرق الاوسط والعالم باسره.

قبل اسبوعين، عندما سافر نظير اشكنازي، الادميرال مايكل ملن من اسرائيل الى الاردن روى لموظفي السفارة في عمان بانه يوصي الشباب الذين يسألونه أي لغة يتعلمون، بان يختاروا الصينية او العربية. والتبرير: "هذه ستكون اللغات الابرز في العلاقات الهامة على مدى حياتكم وهي مصيرية للعالم". لا العبرية، ولا الفارسية ايضا. وزير الدفاع روبرت غيتس، الذي التقى باراك في واشنطن الاسبوع الماضي وسيلتقي ايضا اشكنازي هناك، يرى ايران في اطار اشمل – بلورة استراتيجية الناتو. البنتاغون يريد تجنيد الاعضاء الاوروبيين في الناتو لصد ايران وليس للانجرار الى معركة حسب املاء اسرائيلي.

كما أنه يوجد فلسطينيون، بقيادة محمود عباس وادارة سلام فياض. يمهدون التربة لاعلان دولة في 2011. في حكومة نتنياهو الاولى استعد الجيش الاسرائيلي لسيناريو اعلان ياسر عرفات عن دولة من طرف واحد، في ذروة أزمة المحادثات مع اسرائيل. عندها تراجع عرفات لان بيل كلينتون أيد اسرائيل ونتنياهو فقد حكمه.  في السنة القادمة كفيل اوباما بان يؤيد فياض وليس نتنياهو. اذا كانت اسرائيل تريد تأييدا في الامم المتحدة فانه لا يمكنها أن تتحدى مواقف الاسرة الدولية وقواها العظمى في مسائل اخرى، وعلى رأسها ايران.

هذه العقدة تشبه ليس فقط السياسة على المستوى القيادي بل وايضا المردود السياسي المناسب على المستوى التنفيذي، في ما يشبه المشاورات  لدى باراك واشكنازي ومع شاحك وسغي. ولكن نتنياهو الذي في حكومته الاولى عمل مدير عام ديوان رئيس الوزراء افيغدور ليبرمان، يعمل الان لدى وزير الخارجية ليبرمان الذي دهور وزارته الى درك لم يشهد له مثيل حتى الان. اذا كان الجناح السياسي لاسرائيل سيبقى مكسورا بالمسؤولية المشتركة لليبرمان ونتنياهو، فان الجناح العسكري لن يوفر لها امكانية الاقلاع.