خبر الانتفاضة القادمة -هآرتس

الساعة 09:33 ص|03 مارس 2010

بقلم: عميرة هاس

        (المضمون: يرى في الافق انتفاضة شعبية ثالثة. يجب على منشبي هذه الانتفاضة ان يمنعوا تدهورها الى انتفاضة مسلحة - المصدر).

        اصبحنا نشعر بالانتفاضة القادمة في الهواء، اذا اردنا الحكم بحسب مقالات كتاب اسرائيليين وفلسطينيين معا. فهم يتنبأون بأنها قادمة، ويعلمون بأنها ستكون ايضا "شعبية". وترى بلعين ونعلين مثالا يحتذى عليه.

        يوجد فلسطينيون يخمنون انها ستنشب في القدس خاصة. فهناك – التصادم الدائم بين عالم أول، مستلب، وعالم سليب يمكن لمسه، ووجود نظام تمييز عنيف على نحو خاص بسبب الاختلاط اليومي بين ابناء العالمين. في القدس، خلافا لجيب رام الله، لا يمكن تزييف الحياة الطبيعية.

        سواء أكانت القدس أم بلعين، أول تحد للقائمين بالانتفاضة القادمة – اذا نشبت حقا – هو منع تدهورها الى ما يسمى كفاحا مسلحا، الذي سيصادر مرة اخرى الشارع والنضال من الجمهور. ان عسكرة الانتفاضة الثانية جلب كوارث شديدة – شخصية وجمعية وجغرافية – سياسية. يعترف فلسطينيون كثير بذلك مع عدم نشره، لكن عدة جهات ما تزال تمنع نقاشا مفتوحا صادقا.

        وصلت نظرية الكفاح المسلح حتى التحرير والاستقلال، عدة سنين الى درجة القداسة. ليس يلذ كثيرين أن ينتقدوا علنا العسكرة، وكأنهم سيدنسون بذلك كرامة القتلى والجرحى والسجناء وعائلاتهم.

        ان حركة حماس فضلا عن أنها احتازت لنفسها كلمة "المقاومة"، نجحت في ان تفرض رواية تزعم ان مقاومتها المسلحة تؤتي ثمارا: وأن هذه المقاومة في التسعينيات هي التي منعت السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية الاستسلام لاملاءات اسرائيل، وهي التي اخرجت المحتل الاسرائيلي من قطاع غزة (وبعد قليل سيحين دور القدس  وعسقلان) وهي التي منعت احتلال القطاع في 2009.

        الحقيقة هي ان العمليات الانتحارية في المدنيين اعطت اسرائيل فرصة ذهبية لتحقيق خطط وجدت دائما لمصادرة أراض فلسطينية أكثر فأكثر بعلة أمنية. ان استعمال السلاح لم يقف الغزو الاستعماري للمستوطنات، بل العكس. واستعمال السلاح عجل فقط بالمسيرة التي بدأتها اسرائيل في 1991 وهي فصل غزة من الضفة الغربية.

        في مؤتمر اكاديمي في رام الله، تم قبل نحو من اسبوعين وبحث خطة حماس السياسية، زعم مسؤول كبير في الحركة، انه يجب ان يؤخذ في الحسبان نجاح "المقاومة" في التشويش على الحياة في اسرائيل. نجحت حماس في الماضي بدعاوة مشابهة في أن "تبيع" الجمهور "جدوى" العمليات الانتحارية و اطلاق صواريخ القسام بعد ذلك. لكن اسرائيل برهنت على انها تعلم كيف تستغل جيدا سلاح الفلسطينيين البدائي من أجل تنمية وتطوير صناعتها الأمنية المحكمة، وهي فرع تصدير مهم جدا وكنز في السياسة العالمية. غابت هذه العلاقة عن النقاش المعلن المسموح به لـ "الكفاح المسلح".

        ان نقاشا مفتوحا سيفتح صندوق العجائب داخل حركة فتح، لانه سيسأل لماذا شجع مسؤولوها الكبار استعمال السلاح. احد تفسيرات ذلك – وليس الوحيد – ان ياسر عرفات ورجاله سمعوا في المظاهرات الشعبية الاولى في ايلول – تشرين الاول 2000 النقد الواضح الذي وجه الى سلطان السلطة وفتح. فلإسكاته وصرفه عنهم تركوا الفتيان يلعبون أمامهم. ولعب كثير من الفتيان بالسلاح ليحرزوا لهم مكانة اجتماعية واقتصادية في الحركة وفي السلطة. عندما يجرؤ أناس فتح اليوم على الكفر بقدسية السلاح الخالدة، ينقص صيتهم الجمعي كفاسدين، الثقة بمزاعمهم حتى لو كانت منطقية مسبقا.

        ثم تحد آخر سيواجه منشبي الانتفاضة الشعبية، اذا نشبت حقا، وهو في الحقيقة تحدي المجتمع الاسرائيلي. فهل ستتبنى مرة اخرى رواية الجيش الاسرائيلي والساسة الكاذبة وهي ("ان الفلسطينيين هاجموا" و "ارهاب") وتسمح لهما، كما في الانتفاضتين السابقتين، بقمع الانتفاضة بوسائل فتاكة غير تناسبية؟ هذه هي الوسائل الفتاكة التي تجعل الفلسطينيين يرون سلطان اسرائيل سلسلة من الاعمال الدامية منذ 1948 الى اليوم. هل ستوجد اسرائيل مرة اخرى وسائل لوجستية وبيروقراطية قمعية بدل الاصغاء الى الرسالة السياسية وهي انه لا يمكن ان توجد اسرائيل طبيعية ما ظلت تقيم سلسلة السلب التي بدأتها في 1948.