خبر مفاوضات سلام لتبرير الحرب ..عبد الباري عطوان

الساعة 10:11 ص|02 مارس 2010

مفاوضات سلام لتبرير الحرب ..عبد الباري عطوان

الرئيس الفلسطيني محمود عباس يريد التراجع عن موقفه الحالي الرافض للعودة الى المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان في القدس وباقي اماكن الضفة الغربية المحتلة، ولذلك يريد الذهاب الى ما يسمى لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية التي تعقد اجتماعا لها في مقر الجامعة اليوم للحصول على ضوء أخضر في هذا الصدد لكي يقبل بالمقترحات الامريكية بعقد مفاوضات غير مباشرة.

اللجنة المذكورة التي تضم وزراء خارجية ثلاث عشرة دولة عربية ستصدر 'فتوى' بضرورة العودة الى المفاوضات، لانها تضم دولا تقف في الخندق الامريكي، وتتبنى مشاريعه في المنطقة، يستخدمها الرئيس عباس (اي الفتوى) كمخرج لتأكيد قبوله بالعودة الى المفاوضات، وتبرير موقفه هذا بانه جاء استجابة لقرار عربي.

ولم يكن من قبيل الصدفة ان الرئيس عباس حرص على التعريج على منتجع شرم الشيخ للاجتماع بالرئيس حسني مبارك، والتنسيق الكامل معه، قبل الذهاب الى مقر الجامعة العربية لحضور اجتماعات اللجنة المذكورة. فالرئيس مبارك كان يمارس ضغوطا مكثفة على السلطة الفلسطينية، ويبدو ان ضغوطه هذه بدأت تعطي ثمارها وسريعا.

لا نفهم لماذا يقبل الرئيس عباس بمفاوضات غير مباشرة مع الاسرائيليين، وبوساطة امريكية وهو الذي يكرر ليل نهار بانه لا يستطيع مغادرة مقره في رام الله دون الحصول على اذن اسرائيلي مسبق. فالمفاوضات غير المباشرة هذه ربما تكون مقبولة بين طرفين ليس بينهما اتفاق سلام او علاقات دبلوماسية، ولكن ان تتم بين سلطة انبثقت من اتفاق اوسلو، وتعيش تحت الاحتلال وسطوته، فانها مفاوضات بلا اي معنى، اللهم الا اذا كان الهدف منها هو خداع الشعب الفلسطيني، وتوفير سلم للتراجع عن موقف مشرف وهو مقاطعة مفاوضات ثبت عمليا عبثيتها وعدم جدواها.

العودة الى المفاوضات الآن، مباشرة كانت او غير مباشرة، قرار خاطئ بكل المقاييس، سيؤدي الى فقدان السلطة في رام الله، ورئيسها على وجه الخصوص آخر ما تبقى له من مصداقية واحترام في اوساط الشعب الفلسطيني، وربما العالمين العربي والاسلامي ايضا، خاصة بعد الفضائح المخجلة التي حلت بالسلطة في الفترة الاخيرة، مثل مشاركة بعض ضباطها في جريمة اغتيال الشهيد المبحوح في امارة دبي، او فضيحة التصوير الجنسي والفساد التي تورط فيها، تصويرا او ضحية، بعض كبار رجال مخابراتها.

' ' '

هناك اسباب اخرى تجعل هذه العودة، اذا تمت، خطيئة وليس خطأ فقط، نوجزها في النقاط التالية:

' اولا: ستتم العودة الى المفاوضات في وقت تغتصب فيه السلطات الاسرائيلية المقدسات الاسلامية، وتمارس تطهيرا ثقافيا ودينيا ضدها، من خلال اعتبار الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل اثرا يهوديا، وكذلك الحال بالنسبة الى مسجد الصحابي بلال بن رباح في مدينة بيت لحم.

' ثانيا: ينخرط الشباب الفلسطينيون في مواجهات دموية مع الجنود الاسرائيليين في القدس المحتلة، دفاعا عن المسجد الاقصى بعد اقتحامه من قبل مستوطنين، حيث يسود الاعتقاد ان حكومة نتنياهو الحالية قررت هدم هذا المسجد وبناء كنيس محله، او الى جواره، وما تهويدها للحرم الابراهيمي، الا مقدمة او تمهيد لتهويد المسجد الاقصى وباحته.

' ثالثا: السلطات الاسرائيلية لم تواصل الاستيطان وبناء الوحدات السكنية في القدس المحتلة فقط، وانما واصلت مصادرة المنازل العربية في حي الشيخ جراح والاستيلاء عليها، وتوطين يهود فيها.

' رابعا: اعلنت السلطات الاسرائيلية صراحة انها لن تتنازل عن غور الاردن، ولن تسمح باي حدود فلسطينية مستقبلية مع اي دولة عربية، وخاصة الاردن، علاوة على تأكيدها ببقاء القدس المحتلة عاصمة ابدية، ومطالبتها الطرف الفلسطيني بالاعتراف مسبقا باسرائيل كدولة يهودية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عما سيجنيه الرئيس عباس من اي عودة للمفاوضات في ظل هذه الممارسات والاوضاع المأساوية التي يعيشها ابناء الارض المحتلة، وتصاعد حدة التوتر في المنطقة وبما ينبئ بقرب انفجار حرب اقليمية شاملة.

الحكومة الاسرائيلية توزع اقنعة الغاز على مستوطنيها، وتجري مناورات عسكرية مكثفة في الشمال والجنوب، وقيادات سورية وايران وحزب الله تشكل مجلس حرب للتصدي لاي عدوان اسرائيلي محتمل، والرئيس عباس يذهب الى القاهرة بحثا عن غطاء للعودة الى مفاوضات لم تقد الا الى الهوان، والمزيد منه، وابتلاع الاراضي المحتلة بالتقسيط المريح.

توقعنا من الرئيس عباس ان يرد على مثل هذه الاستفزازات الاسرائيلية بمساندة انتفاضة سلمية كحد ادنى، لا بالاذعان لشروط نتنياهو، ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان بالعودة الى المفاوضات متنازلا عن كل مواقفه، ومتراجعا عن كل شروطه السابقة.

العودة الى المفاوضات، ودون حتى ورقة التوت، ستعني تكريس الانقسام الفلسطيني الحالي، ووأد اي امل ولو ضعيف بالمصالحة، وانحياز السلطة الى المعسكر الامريكي ـ الاسرائيلي الذي يخطط للعدوان على سورية ولبنان وايران، وهذا امر لا يشرف الشعب الفلسطيني، ويلطخ تاريخه الحافل بالشهادة والمواقف البطولية.

' ' '

توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، قال امام لجنة التحقيق في الحرب على العراق انه كان من الصعوبة عليه، ورئيسه جورج دبليو بوش، الذهاب الى حرب على العراق في ظل الانتفاضة الفلسطينية في حينها، وكان لا بد من ايقافها من خلال اقناع السلطة الفلسطينية بالعودة الى المفاوضات مجددا، ومن هنا ولدت فكرة اللجنة الرباعية وخريطة الطريق ووعد بوش بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة قبل نهاية العام 2005.

الاكثر من ذلك ان بلير قال امام اللجنة نفسها ان ايران اليوم اخطر بكثير من عراق صدام حسين، ولو كان في السلطة لتعامل معها بطريقة اشد من تعامله مع الاخير، وشن الحرب عليها.

العودة الفلسطينية الى المفاوضات الآن، وفي ظل التوتر الحالي، وميل معظم المحللين الى قرب اشتعال الحرب، يعني خداع الرأي العام العالمي، قبل العربي، بالايحاء بان حكومة نتنياهو هذه حكومة سلام وليست حكومة حرب، وتريد اقامة دولة فلسطينية من خلال المفاوضات، فهل يقبل الرئيس عباس ان يكون بمثابة 'المحلل' لهذه الحكومة والاداة لتحسين صورتها البشعة امام العالم، في وقت تنهال عليها اللعنات بسبب انتهاك سيادة دولة عربية (الامارات) واغتيال مجاهد فلسطيني على ارضها واستخدام جوازات سفر لعدة دول اجنبية مثل بريطانيا وايرلندا والمانيا واستراليا وفرنسا؟

الرئيس محمود عباس، في حال موافقته على العودة الى المفاوضات وفق المقترحات الامريكية، انما يقدم على عملية 'انتحار سياسي'، ويدق المسمار الاخير في نعش سلطته، وينهي حياته بطريقة مؤلمة ومهينة، ونأمل ان لا يقدم على هذه العودة مهما تعاظمت عليه الضغوط، وان ينهي حياته السياسية وحتى الشخصية بطريقة كريمة.

' ' '

نشعر بالاسى عندما نشاهد دولا عربية تغلق ابوابها في وجه رئيس دولة فلسطين، فقد غادر الزعيم الليبي معمر القذافي طرابلس الى الصحراء فور وصول الرئيس عباس اليها، وفضلت تونس عدم الرد على طلباته بزيارتها، اما سورية التي كان من المقرر ان يزورها السبت الماضي فقد ألغت الزيارة علنا وبطريقة مهينة.

الشهور العشرة المقبلة هي الاخطر على المنطقة، وربما تكون شهور الحسم والتغيير جغرافيا وسياسيا وديموغرافيا، حيث 'أم الحروب' ماثلة في الاذهان، فلماذا لا يتحلى الرئيس عباس بالصبر، فهل يمكن ان يصل الى دولة فلسطينية، من خلال مفاوضات غير مباشرة، خلال هذه المدة وفي ظل حكومة يمينية متطرفة، وهو الذي لم يفلح في ازالة حاجز او منع توسيع مستوطنة في مفاوضات مباشرة ومع حكومات 'معتدلة'، وفي ظل وعد امريكي حازم، استمرت (اي المفاوضات) ما يقرب من العقدين؟