خبر القناة السورية- يديعوت

الساعة 10:30 ص|09 فبراير 2010

الحقيبة فارغة

بقلم: أفيعاد كلاينبرغ

نشرة لافرايم كيشون تروي عن بائع متجول يدق الابواب مع حقيبة ويعرض بضاعته – امشاط، شفرات حلاقة، اقلام. المرة تلو الاخرى يعلن كيشون بان لا حاجة له بهذه البضاعة، والمرة تلو الاخرى يعود البائع المتجول.

ذات يوم مل كيشون الفتى اللجوج. سيكون من الاسهل كما ظن ان يشتري شيئا ما. فتوجه الى البائع المتجول وطلب منه أن يشتري مشطا. وفوجيء بان البائع لا يسارع الى سحب البضاعة بل يواصل الثرثرة بجمله الثابتة – امشاط، شفرات حلاقة، اقلام. بعد دقائق طويلة من الطلبات التي ترتد على اعقابها، يأخذ كيشون بالقوة الحقيبة من يدي البائع ويفتحها.

الحقيبة، كما يتبين، فارغة تماما. اين البضاعة؟ يعجب كيشون. انتم لا تشترون ابدا، يرد البائع. فمن أجل ماذا ينبغي أن احملها عبثا؟ إذن لماذا تتجول بين البيوت مع حقيبة فارغة؟ يعجب الزبون، وهو مشوش. سيدي، يعلن البائع، على الانسان ان يعتاش من شيء ما.

امنية السلام الاسرائيلية تذكرنا احيانا بالحقيبة الفارغة لقصة كيشون. يمكن الاعتياش منها على نحو لا بأس به طالما لا احد يطلب ان يشتري. الرد الاسرائيلي المتعفف على المبادرة السعودية – العربية والخطوات السورية كان يمكنه ان يثير الهزء لو لم يكن الامر يتعلق بامور جدية بهذا القدر.

مبادرة السلام السعودية – اقتراح لسلام شامل مع كل الدول العربية – حظي برد فعل بارد جدا اختفى، تماما عن الطاولة وعن الوعي. المبادرة السعودية، كما يبدو، في الطريق الى ذات المكان. الرئيس بشار الاسد، الذي كل محللينا المنمقين أبنوه تقريبا فور صعوده الى الحكم، يرفض لسبب ما اخلاء المسرح. والاسوأ من ذلك، منذ اشهر طويلة وهو يصرخ باعلى الصوت "مشط! مشط". وفي اذاننا يبدو هذا لسبب ما مثل "مش! مش! عادة".  ما الذي يريده من حياتنا هذا اللجوج؟ فليدع حقيبتنا بهدوء. يدنا ممدودة للسلام مع الولايات المتحدة وليست متفرغة لكل انواع المغامرات الشرق اوسطية المشكوك فيها.

لا احاول الادعاء انه ينبغي بيع هذا المشط بكل ثمن. مبادرات السلام السورية والسعودية هي بالطبع خطوات سياسية مركبة، يوجد فيها اشواك وأبر. قبل التوقيع على اتفاق سلام، من المجدي الفحص الجيد للبنود الصغيرة. ولكن الرد الاسرائيلي ليس تعبيرا معقولا عن الحذر. بدلا من الرد بحماسة وبانفتاح، بدلا من اقتراح بادرات طيبة وخطوات بانية للثقة، نسارع الى التحذير من ان كل هذا مخادع، وهي مؤامرة. خير لن يخرج من هذا. نحن نسارع الى مراكمة المصاعب، وضع العراقيل، طلب الضمانات – كل شيء فقط على ان نفتح الحقيبة الفارغة.

هذا لا ينجح دوما. في السبعينيات حاول المصريون بقيادة حاكم زائل مثل الاسد (هكذا على الاقل اعلن عنه محللونا) التوصل الى تسوية مع اسرائيل. اسرائيل ردت اقتراحاتهم الخطيرة. المصريون شنوا حربا. امر حملة السادات قبل حرب يوم الغفران (وثيقة سرية ليست لاغراض الدعاية) أعلن بان الحرب ترمي الى تحريك خطوة سياسية، الاسرائيليون غير معنيين بها. الاسرائيليون، قال السادات، لا يفهمون سوى لغة القوة. بعد ذلك مات الكثير جدا من الاشخاص. بعد ذلك وقعت اسرائيل على اتفاق سلام بذات الشروط تماما التي رفضتها باحتقار قبل الحرب. يمكن ايضا هكذا.

قول يوناني مأثور يقول: "كل شيء يتدفق". اليونانيون كانوا يودون القول بان كل شيء يتغير كل الوقت. الانسان لا يمكنه أن يغطس في ذات النهر مرتين وذلك لان النهر ليس ذات النهر، البحر ليس ذات البحر والعرب حتى ليسوا ذات العرب. اما عندنا فالعكس هو الصحيح. هذا يعني النهر والبحر والعرب يتغيرون بالذات، اما نحن فعلى حالنا.

لدولة اسرائيل توجد مصلحة وجودية في السلام. اما الائتلاف فليس لديه مصلحة كهذه. السلام معناه مشاكل عويصة. فهو من شأنه ان يغضب لا سمح الله مجلس "يشع" مثلا. أي مصلحة تفضل الحكومة؟ أترك لكم أمر التخمين.