خبر رائحة الحرب..علي عقلة عرسان

الساعة 09:22 م|05 فبراير 2010

رائحة الحرب..علي عقلة عرسان

 

الكيان الصهيوني يهدد بالحرب ويستعد لها، ولا يتوقف عند حد في الاستفزاز وجر المنطقة إلى التوتر ومن ثم إلى الحرب.. وهو يوزع تهديده على إيران وسورية ولبنان وغزة، مستهيناً بكل شيء. ويضع البدائل لضرب مفاعل "ناتانز" الإيراني من الخليج بعد أن حرمه أردوغان من استعمال الأجواء التركية لضربه بالطائرات. فهل هذا مجرد عمه سياسي عنصري وغطرسة تجاوزت الحدود منذ زمن بعيد وأصبحت ديدناً صهيونياً، أم هي نتائج قراءة للواقع العربي المهلهل في وضعه الراهن ومحاولة الاستفادة من ذلك لتطويع ما بقى من خصوم، وتصفية المقاومة وما بقي للفلسطينيين من أحلام وآمال بالعودة والقدس.. أم تراها عمليات تمويه وتغطية على أهداف صهيونية ـ أميركية حان وقت تحقيقها ضد المقاومة والممانعة في المنطقة.. ولفت للنظر عن التدخل الأميركي الصفيق في الشؤون الداخلية لبلدان عربية وإسلامية وجرها إلى الاقتتال الداخلي ومناخ الفتن الطائفية والمذهبية، والدخول في حروب بالوكالة تدفع فيها الولايات المتحدة الأميركية الدولار الورقي، ويدفع عرب ومسلمون الدماء والدمار ومستقبل بلدانهم وأجيالهم، بينما يحصد الكيان الصهيوني النتائج خالصة: "أمناً واستقراراً وازدهاراً وتعزيز هيمنة ونفوذ، وقضم حق العودة والقدس والأرض الباقية من الضفة الغربية، والاستمرار في احتلال الجولان.؟؟.

كل ذلك وارد في القراءة العامة للمشهد السياسي في المنطقة واستنطاقه.. ولكن التركيز على التدريبات والمناورات العسكرية الحية التي يجريها الكيان الصهيوني في النقب، ومنها مشاريع لاحتلال قرى سورية في الجولان.. وقول إيهود بارك لضباطه في قاعدة سلاح الجو في حتسور في العاشر من شباط/فبراير2010 ".. من شأننا أن نصل مع سورية إلى مواجهة بالقوة من شأنها أن تشتعل لدرجة حرب شاملة"، وأضاف إن هذا سيقع على عاتقكم أنتم.. وكذلك التهديد المتكرر بالقضاء على حزب الله وتدمير لبنان الذي يتبناه، وضرب سورية.. وإرسال ليبرمان رسالته للرئيس بشار الأسد من جامعة " بارإيلان" قبل أيام، وفيها: ".. رسالتنا إلى الأسد يجب أن تكون واضحة. لن تخسر فقط الحرب المقبلة.. أنت وعائلتك ستخسرون السلطة."..كل ذلك يشير إلى توقع حدث عدوان إسرائيلي قريب.. إذ ليس باراك بلا تجربة، وليس ليبرمان الذي أرسل في العلن رسالة تهدي "لم يسبق لها نظير" في وقاحتها ووضوحها ودلالاتها، ليس مجرد معتوه، ولا شخصية هامشية بالمقياس السياسي الراهن في الكيان الصهيوني، فهو وزير الخارجية الناطق باسم ذلك الكيان، وهو المعبر بمواصفاته وغريزته وعقليته وتطرفه وسلوكه عن جوهر الطبيعة العدوانية ـ العنصرية للصهيونية ولكيان "الدولة التي تسمى إسرائيل". ونتنياهو الذي يتمسك بتحالف مع ليبرمان لا يخرج عن دائرة هذا التفكير والتدبير، بل هو المايسترو، وتوزيع الأدوار في الحكومة من شأنه أن يحدد مهاماً وهوامش تحرك وتصريح وتلميح لوزير الدفاع ووزير الخارجية وآخرين، ويترك لرئيس الحكومة أن يمسك رؤوس الخيوط. وكل ذلك بالنتيجة يعبر عن نهج واحد وبرامج تنفيذية له، وأساليب تمويه لتحقيق المفاجأة والهدف.

إن حرب التصريحات تسبق عادة إطلاق المدافع والصواريخ، أو تؤدي إليها، ولا يمكن لدولة تشن ضدها حملة تهديد ووعيد أن تسكت على ذلك. وفي هذا الإطار أتى تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في 3/2/2010 " على إسرائيل عدم اختبار عزم سورية فإسرائيل تعلم أن الحرب سوف تنتقل إلى المدن الإسرائيلية وعليها الالتزام بمتطلبات السلام العادل والشامل."، وكذلك تصريح رئيس الوزراء السوري ناجي العطري في الرابع م الشهر ذاته: ".. من يستفز سوريا حالياً سيلقى إجابــة على هذا الاستفزاز ولن يكون مســروراً."

إذن نحن في ذروة من ذرى التصعيد قد تؤدي إلى مواجهة بين سورية والكيان الصهيوني. ولا أعتقد أنها مواجهة يمكن حصر شررها حين يتطاير، وربما ككل حرب لن تقف عند تلك  حدود، فبرنامج العدو الصهيوني يطال المقاومة والحقوق الفلسطينية والأرض وأي وجود يعرض برامج الاحتلال، وحليفه الأميركي شريك في هذا ومعه بعض العرب من تحت الطاولة أو من فوقها، بذرائع شتى، على رأسها: " لا نستطيع مقاومة أميركيا والوقوف في وجهها، وهي حليفتنا."، ولأولئك جميعاً رغبة في القضاء على ما توافقوا على تسميته "الإرهاب"، في خلط متعمد للأوراق والمفاهيم والمواصفات بين الإرهاب المُدان والمقاومة المشروعة.!

إن كل طرف من الأطراف المعنية بالمشهد السياسي في المنطقة يدرك تماماً ما يريده الطرف الآخر، وما يتمسك به من ثوابت ومصالح وسياسات وأهداف. ويأتي التصعيد الأخير لتبديل المواقف بالقوة، وفتح الاحتمالات والخيارات، بعد سحب بعض الأوراق من التداول لكسب الرأي العام أو تضليله. وفي مقدمة ما يتم سحبه قبل شن العدوان أو في ظل التصعيد الحالي: ورقة المفاوضات لفلسطينية ـ الصهيونية، حيث تمضي سلطة رام الله إلى التفاوض الشكلي العقيم مع إسرائيل بشروط نتنياهو، في الوقت الذي يستمر فيه الاستيطان سراً وعلناً، بينما يعلن عن وقفه لثلاثة أشهر.. وذلك لجعل ورقة فلسطين خارج التداول السلبي عربياً وإسلامياً. ونتيجة هذه المفاوضات معروفة مسبقاً من دون تفصيل.. وقد وضع معهد بيكر للدراسات في الولايات المتحدة نتائج التداول والبحث التي قام بها بإشراف السفير دجيريجيان ثلاثة " سيناريوهات" لن يخرج عن نطاقها الحل ، سواء أكان ذلك بتفاوض مباشر أو غير مباشر عن طريق ميتشل وبمعرفته.. والنتيجة " دولة لرئيس فلسطيني بمقاس قدميه" مجردة من السلاح والسيادة والقدس وحق العودة والحدود مع أي دولة عربية وتعمل في الظل الإسرائيلي العالي.!؟

لبنان يريد مزارع شبعا وقد يسكت عن إقليم الخروب، وسورية كما أعلن الرئيس الأسد قبل يومين لسيمور هيرش في مقابلة نشرتها المجلة اليهودية ـ الصهيونية الأميركية "النيوركر ".. إن سوريا ستوقع معاهدة سلام مع إسرائيل «إذا قالوا إنه يمكن لنا أن نستعيد الجولان كاملاً. لكن عليهم ألا يتوقعوا مني أن أمنحهم السلام الذي يتوقعون.. الأمر يبدأ بالأرض، ولا يبدأ بالسلام.». وفي الكيان الصهيوني يعرفون الثمن الذي سيدفعونه في هذه الحالة، وقد عبر عنه أولمرت بوضوح ما بعده وضوح " الانسحاب التام من الجولان حتى حدود الرابع من حزيران 1967" وهذا يدركه كل من نتنياهو وباراك الذي قال لضباطه بوضوح تام في اللقاء الذي أشرنا إليه في قاعدة حتسور: ".. في نهاية الحرب ـ التي يهدد بشنها ـ ستستأنف المفاوضات "بالضبط على تلك الأمور التي نبحث فيها مع السوريين منذ 15 سنة". إذن ما هو الهدف من الحرب إذا كانت الأمور ستعود إلى ما كانت عليه والمفاوضات هي ذاتها وعلى الأمور ذاتها؟ الهدف من الحرب واضح: أن تدخل سورية المفاوضات وهي مهزومة فتوافق على ما لا تقبله الآن: تنازل في الجولان، وتخل عن المقاومة وخيراتها، وقطع العلاقات مع إيران، واعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، والسير في الموكب المطلوب أميركياً وصهيونياً، برعاية الولايات المتحدة الأميركية أو من دون رعايتها، كما " تحب سورية وتختار".. لكن هل تنهزم سورية وتسلم بما يحلم القادة الصهاينة بأن تسلم به؟ ذلك هو الرهان المستمر منذ نيف وستين سنة، وهو رهان لم تحسمه عدة حروب.. فهل ترى تغيرت المعطيات والأوضاع العربية الدولية إلى الحد الذي يجعل الصهاينة " مطمئنين " إلى النتائج التي يتوخونها من تهديدهم؟.

تشير بعض الدلائل والتحليلات " الإسرائيلية" إلى أن الصراعات داخل أجنحة الحكم والأحزاب الصهيونية في كيان العدو هي وراء التصعيد، واللوثة الكلامية أو السلوكية لبعض قادتهم. فبارااك يريد حراكاً على المسار السوري يؤدي إلى إنهاء المقاومة وإضعاف إيران وإخراج سورية من المعادلة، ويعزز اختياره بتصعيد عسكري وتهديد إذا لم تأت سورية إلى طاولة المفاوضات مذعنة، ومن ثم يحقق برنامجه. وليبرمان يريد أن يركب الموجة الفلسطينية فقط ويستمر في القضم والهضم تاركاً سورية وراء ظهره والجولان في يد دولته، لأنه يعتقد أن التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين سيسحب ورقة فلسطين من التداول، عربياً وإسلامياً ودولياً، ومن ثم فدولة لرئيس فلسطيني بمقاس قدميه لن يؤخر ولن يقدم " صهيونياً"، بينما يكون لذلك مفاعيل كبيرة على صعد خارجية عربية وإسلامية ودولية، ويبقى أمر الجولان معلقاً. ويشترك القادة الصهاينة الثلاثة على الأقل في موضوع تعزيز الاستيطان، فالاستيطان قضية نتنياهو وليبرمان الأولى، وباراك لا يقل عنهما حماسة وفاعلية في هذا المجال، فهو صاحب قوة التنفيذ بالدرجة الأولى.. وكل أولئك يعبرون بدقة عن التوجه الاستراتيجي الحقيقي والنهائي للكيان الصهيوني في قضم الأرض والحقوق وإيصال الفلسطينيين خاصة والعرب عامة إلى اليأس والاستسلام.. وليست قطعان المستوطنين التي يدفعونها إلى العمل ثم " يتهمونها بالفوضى" أحياناً، مجرد عناصر فوضوية ومنفلتة، بل مجموعات عمل مدربة ومنظمة ومنخرطة ضمن خطة وتمويل وحماية كاملة من الحكومة الصهيونية، في تحقيق أهداف استراتيجية صهيونية عليا.

فما الذي يسفر عنه التصعيد في المشهد السياسي الحالي، وتبادل التصريحات " النارية" والتهديد العلني، وخطاب الحرب؟ هل يوقظ عرباً نياماً، ويشد إلى احتمالاته ونتائجه أمة عربية كانت ذات يوم صاحبة هم واحد وقضية مركزية هي قضية فلسطين؟ أم تراه يفتك فتكاً ذريعاً بما تبقى من الإرادات والتوجهات؟ أم تراه يقذف كرة النار بوجه من لا يملك إيقاف تأثيرها؟! أم أنه يرتد على العدو ومشاريع الاحتلال الصهيونية ـ الأميركية ارتداداً سلبياً بفعل المقاومة التي صمدت وانتصرت، والممانعة التي ناصرت ورفضت، وبفعل الصمود وقوة الردع وشمول التحرك، ويؤدي إلى تعزيز موقف العربي المقاوِم والمتعلق بالحرية والتحرير. تلك أسئلة تطرحها وقائع ومواقف ومعطيات، وربما تعلقها سؤالاً على أعتاب قمة عربية قادمة، عودنا تاريخها على أن نزداد إحباطاً إثر كل انعقاد، بسبب الخلافات العربية ـ العربية، والتدخل الخارجي في برنامج عملها وقراراتها ونتائج أعمالها، والمزاد المفتوح في قاعاتها ودهاليزها، والنزوات والنزاعات والارتباطات.. والتنصل من التبعات والمسؤوليات القومية عن أية قضية مصيرية تحتاج إلى موقف الأمة دولاً وشعوباً.؟!

إننا ننتظر ولا نفقد الأمل، ونؤمن بقدرة الأمم والشعوب على الصمود والتضحية والثبات على المبادئ، وبحتمية انهزام الشر والاستعمار والاحتلال والعنصرية التي تشكل جميعها خطراًً على البشرية والقيم.

 

دمشق في 5/2/2010