خبر نتنياهو ومبادراتنا .. نبيل عمرو

الساعة 03:53 م|02 فبراير 2010

بقلم: نبيل عمرو

موقف جديد، أعلنه الرئيس محمود عباس للغارديان البريطانية وهو الاستعداد للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل شريطة إعلان تجميد الاستيطان مدة ثلاثة أشهر.

ولا شك في أن الاستعصاء التفاوضي، الذي أسسه ورعاه بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية لن يتعامل مع  هذا الموقف الجديد بمثله، وإنما سيتخذ منه حجة لمواصلة الضغط، حيث الثلاثة أشهر كما يرون ستتقلص لثلاثة أيام وغير المباشرة ستتحول إلى مباشرة، وهكذا..

إن الدخول في مساومات مع نتنياهو، مع ضعف أوراق الضغط الفلسطينية وحتى العربية والدولية، سوف يشجع رئيس الوزراء الإسرائيلي على مزيد من التمسك بسياساته وتسويقها على أنها الوحيدة التي تجدي، خاصة وانه لا يغلِّب نفسه بإجراء المساومات وإنما هنالك من يساوم نيابة عنه، فينتقي ما يناسبه، ويستبعد ما لا يناسبه واضعا الآخرين في مأزق الحاجة لتعاونه، وإخراجهم من مأزق الفراغ التفاوضي.

إنني لست من دعاة إغلاق الأبواب والاختباء وراءها، ولا أرى ضررا في مواصلة وتنشيط التحرك السياسي رغم كل الصعوبات، فهذه هي وظيفة أي قيادة في أي زمان ومكان.. إلا أن التعاطي مع نتنياهو – ليبرمان يحتاج إلى كثير من الحذر، وقليل من عرض المبادرات من جانب واحد .. ودعونا نحاول استقراء ما بعد مبادرة الثلاثة أشهر والمفاوضات غير المباشرة أي عبر ميتشيل ونطرح بعض الأسئلة العادلة:

أولا: لنفترض أن نتنياهو استجاب لعرض تجميد الاستيطان لثلاثة أشهر، بما في ذلك القدس، على استحالة ذلك سرا وعلنا.. وواصل مفاوضاته غير المباشرة والجارية الآن من خلال الدور المكوكي للسناتور ميتشيل ، فماذا يكون العمل لو لم يحقق ميتشيل اختراقا خلال الثلاثة أشهر المحددة .. ألا يحق لنا استنتاج ما سيفعله نتنياهو .. سيقول ... لقد أعطيتكم ما طلبتم ، ولم يتحقق شيء ... إذن فأنا في حل من حكاية التجميد، الخطر في هذا ليس ما سيفعله نتنياهو الذي ما يزال يغرس الأشجار في المستوطنات، ويضع أحجار أساس وإنما ما سيقوله.

لقد توافقنا مع الفلسطينيين على تجميد الاستيطان لثلاثة أشهر، إذن فهم موافقون ضمنا على ما سنفعل بعد انقضاء المدة، فهم من حدد الثلاثة أشهر لا نحن وعليهم تحمل مسؤولية ما سنفعل.

بالطبع سنقول لنتنياهو إنك مزور للحقائق وصائد في الماء العكر، ولكن من سيصغي لنا حين تتحرك الآلة الدعائية الصهيونية بكل قدراتها المشهودة على تحويل مجاري كل الأنهار كي تصب في بحرهم.

ثانيا: حين نعرض كل مبادراتنا على أجهزة الإعلام، فما الذي سيبقى للتحدث بشأنه في الغرف المغلقة، والأحاديث المباشرة وغير المباشرة. إن الإسرائيليين، ومن المفترض أن نكون قد خبرنا طريقتهم في التعامل مع مبادراتنا الإعلامية، سيتصرفون كما لو أننا نلتزم بما قلنا ويطلبون المزيد، وحين نقول لهم ما نقول عادة، يجيبون، لقد قلنا لكم ألف مرة. لا يوجد في السياسة مواعيد مقدسة، وحكاية الثلاثة أشهر انتم من تطوع بها، وبالتالي لا لزوم للمطالبة بثمن لما قدمتموه طائعين مختارين وبمبادرة منكم.

هنا، وإن كنت مع كل مبادرة تؤدي إلى خدمة موقفنا في أمر الاستيطان والمفاوضات والسياسة بإجمالها، إلا أن لكل مبادرة شروطا يتعين الانتباه لها، متى تطرح؟ ومن الذي يطرحها؟ ومن حصلنا على ضمان تأييده لها؟ وهل هناك ما يحول دون أن تتحول إلى عكسها فنخسر قضية الاستيطان ونخسر معها ما بقي من مساحات ضئيلة للحركة السياسية، التي أصبحت الآن مجرد بدء للمفاوضات من عدمها.

قبل أسابيع تحدث الناطقون باسمنا وبقوة ملفتة عن استحالة قبولنا للمفاوضات غير المباشرة.

الآن سيتحدثون بذات القوة وربما بأريحية أشد عن أهمية المفاوضات غير المباشرة.

إذا كان حتميا أن نفاوض، مباشرة أم بصورة غير مباشرة فللمرة الألف أقول صارحوا الناس بما ستفعلون، فلربما يتفهمونكم، أما أن نصعّد باللغة ونصعدهم معنا إلى أعلى الشجرة ثم نقفز ونتركهم كما فعل بنا الأكبر منا، فهنا يجدر أن يقال إن الصعود إلى الشجرة لم يكن محسوبا. النزول عنها يمكن أن يكون متفهماً، شريطة أن يكون نزولا إلى الأرض وليس إلى قاع حفرة أخطر من أعلى الشجرة.