خبر جمع الحجارة.. « مهنة » صغار غزة

الساعة 07:58 م|31 يناير 2010

جمع الحجارة.. "مهنة" صغار غزة

شيماء مصطفى

بحزن غلف وجهه أخذ ينظر ليديه المتشققتين وأصابعه المتورمة، وبالرغم من ألمه الحارق فإنه نفض هندامه ومسح دموعه بقوة، وبدأ يعد ما جمع من مال لعله يكفي لخبز ساخن وعشاء لصغار ينتظرونه بفارغ الصبر وأب عاجز بترت الحرب ساقيه.

 

ذلك هو حال الطفل الغزاوي أحمد نبهان (13 عاما) الذي رسم الفرحة على وجه أسرته المكتوية بنار العجز والفقر بعدما قضى يومه في جمع الحجارة والطوب على عربته الصغيرة المتهالكة من ركام البيوت المتهاوية جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في الفترة من 27-12-2008 إلى 18-1-2009.

 

ظاهرة جمع الحجارة مهنة جديدة لاقت إقبالا ملحوظا من قبل الفئات المحتاجة والفقيرة في القطاع، وخاصة الأطفال منهم, والذين ساءت أوضاع أسرهم بعد الحرب, ورغم مشقتها وما تحمله من مخاطر جسيمة فإن شوارع غزة تمتلئ بالعربات المحملة والصغار القابعين خلفها، لتتحول الحجارة من سلاح للمقاومة إبان الانتفاضة الأولى عام 1987 إلى مصدر رزق لأطفال غزة.

 

"لن نستجدي العطف"

وهو ينادي على شقيقه بأن يحترس من أن تفلت الحجارة من يديه ويُسرع في جلبها ليبيعها قبل غروب الشمس وإغلاق معامل الطوب أبوابها اقتربت منه "إسلام أون لاين.نت" لتسأله كيف جاء إلى خطر الموت، أجاب حسام صاحب الـ14 ربيعا: "أبحث برفقة شقيقي عن الحجارة والطوب ونضعها على العربة حتى تمتلئ لآخرها لنبيعها لمعامل الطوب ونجني بعض المال لنساعد والدتي في مصاريف ومتطلبات البيت الكثيرة".

 

وهو يمسح الغبار عن وجهه استدرك قائلا: "هنا نتعرض للموت في كل لحظة، فمن المحتمل أن يسقط السقف علينا أو تنهار بعض الجدارن المتهالكة على أجسادنا، ولكن بعض المال القليل أفضل من ذل السؤال".

 

وملتقطا طرف الحديث علق شقيقه صابر بحروف تفوق سنوات عمره: "يكفي أننا نعيش بكرامة ومن كدنا وتعبنا ونُطعم أسرتنا ولا نستجدي العطف من دول عربية ومنظمات دولية ولا ننتظر المؤسسات الخيرية حتى تمنحنا فتات لقمة لا تسد جوعنا وخوفنا".

 

"أحمد.. حسام.. صابر" ليسوا الوحيدين الذين دفعتهم ظروفهم القهرية للعمل وترك مقاعد الدراسة وتوديع عالم الطفولة, بل هناك مئات الأطفال لجئوا للشارع لجلب قوت يومهم والاعتناء بأسرهم بعد أن غيبت الإعاقة أو الموت معيلهم الوحيد.

 

وتعالت مؤخرا تحذيرات المؤسسات الدولية والإنسانية من ارتفاع معدلات عمالة الأطفال في قطاع غزة بعد عام من الحرب الإسرائيلية وارتفاع نسبة الفقر والبطالة.

 

وشردت الحرب الإسرائيلية على غزة حوالي 100 ألف أسرة بعد استهداف ما يزيد عن 35 ألف منزل خلال 22 يوما من الإبادة والتدمير، وسقط خلالها نحو 1420 شهيدا و5450 مصابا معظمهم من النساء والأطفال.

 

ووفقا لتقارير الأمم المتحدة فإن الحرب الإسرائيلية خلفت أكثر من 600 ألف طن من الركام الخراساني الذي ما تزال أنقاضه في غزة، ولم تسمح إسرائيل بإدخال أي مواد إعادة بناء إلى غزة على مدار العام الماضي خلا 41 شاحنة مواد بناء، أي بمعدل 4 شاحنات شهريا، وقبل الحرب كان يدخل غزة في المتوسط من مواد البناء حوالي7400 حمولة شاحنة شهريا.

 

"خسرنا كل شيء"

 

في المنطقة الصناعية "إيرز" على الحدود الشمالية لقطاع غزة انهمك عشرات الشباب والأطفال في تجميع الحجارة وتكسيرها تمهيدا لبيعها لمعامل الطوب التي بدأت منذ أيام باستخدامها وإعادة تصنيعها من جديد.

 

وبعد أن فرغ "عمر" من كسر قطعة أسمنت كبيرة قال بأنفاسٍ متقطعة لـ"إسلام أون لاين.نت" إن: "العمل هنا أفضل من الجلوس فارغ اليدين في المنزل أنتظر من يطعمني ويسقيني، ورغم المخاطر التي من المحتمل أن أتعرض لها فإنني مضطر ولست وحدي، فهنا مئات الشباب مثلي".

 

وعلق زميله جبر قائلا: "ننحن نتعرض لإطلاق النار من أبراج الاحتلال الإسرائيلي في كل يوم، وربما نموت، ولكن الحاجة والفقر أشد بأسا وألما على قلوبنا".

 

وعلى مقربة منه كان الطفل إبراهيم مزهوا بأنه ملأ عربته للمرة الثالثة على التوالي وفي وقت وجيز, وبفخر طفولي قال: "أعمل ما يعجز عنه الرجال الأقوياء، فأنا أنفق على أسرتي برفقة أشقائي الصغار، وكل منا له عمله، فأنا أجلب لهم الطوب الكبير وأضعه في فناء المنزل بينما يقوم أشقائي وشقيقاتي بتكسيره وطحنه لقطع صغيرة".

 

وبحزن لف صوته أضاف: "كل أسرتي تعمل بهذه المهنة.. أنا وأمي وأخواتي.. فبعد الحرب خسرنا كل شيء ولم يتبق لنا حتى جدران تسترنا وتحمينا من لسعات البرد ولهيب الصيف ووالدي فقد ساعديه وساقيه وبات عاجزا عن كل شيء".

 

بـ"4 دولارات"

 

وأشار إبراهيم إلى أنه وأشقاءه ينجزون خمس عربات في اليوم الواحد, ويبيعون العربة الواحدة بـ"20 شيكل"، أي ما يعادل 4 دولارات, موضحا أن هذا المبلغ يمثل له الكثير "فيكفي أنهم يحصلون على وجبة عشاء دافئة وقبلة رضا من والده المقعد".

 

وازدهرت هذه المهنة بعد أن نجح الفلسطينيون بالحصول على كميات من الأسمنت عبر الأنفاق بين قطاع غزة والأراضي المصرية لاستخدامها في تصنيع الطوب اللازم للبناء بعد طحن الحجارة المستخرجة من ركام المنازل.

 

ويلجأ سكان قطاع غزة إلى الاستعانة بالحجارة التي يُعاد تصنيعها لترميم بيوتهم التي أُصيبت بنيران آلة الحرب الإسرائيلية وباتت لا تصلح للعيش فيها.

 

ويعاني قطاع غزة من نقص حاد في مستلزمات البناء، خاصة الأسمنت والحديد، بعد أن فرضت إسرائيل حظرا مشددا على إدخال هذه المواد منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مما أصاب قطاع البناء بالشلل التام.

 - إسلام أون لاينش