خبر وفاءاً لعميد الأسرى المقدسيين « فؤاد الرازم » في ذكرى اعتقاله الثلاثين

الساعة 07:37 ص|30 يناير 2010

وفاءاً لعميد الأسرى المقدسيين " فؤاد الرازم " في ذكرى اعتقاله الثلاثين

فلسطين اليوم- غزة

بقلم/ وسام المقوسي

أنظر أمامك وحتى إلي الخلف تلفت من حولك في كل اتجاه ,  ثم قف وأصمت , تخيل واسأل نفسك ؟! هل تستطيع أن تجلس في غرفة مدة ثلاثين عاما متواصلة دون أن تخرج منها ؟ أنا علي يقين انك ستجيب انك لا تستطيع أن تجلس فيها بإرادتك ساعة واحدة !! وأنا مثلك , ولكن لتعلم أنك ربما لا تعلم أن هناك في ظلمة الليل يجلس "اشرف الناس" الأسري الأبطال ويجلس بينهم أسير قضي من عمره ثلاثين عاما وهو ملقي في هذه الغرفة الموحشة بين أربعة جدران ضيقة  , ومن حين لأخر يخرجونه ويقومون باستجوابه , وتبدأ عملية التعذيب والضرب والصعق بالكهرباء , ثم مره أخري إلي الزنزانة الحقيرة التي هي أكثر رحمه من قلوبهم القاسية , والتهمه حب فلسطين,  لقد نسي كل  شئ عن العالم الخارجي , لكن لم ينسى قضيه شعبه ومقدساته , تقلد تسعه وعشرين وساما, ويقلد الثلاثين ولم يرهبه القيد لحظة , لم يفزعه السجن ولا السجان يوما , لم يحجب صوته القيد ولا أسوار السجون , وبقيه شامخا كالنخيل راسخا كشجر الزيتون.

 

لكن هل أبناؤك وإخوانك وأصدقاؤك يعرفون من هو هذا الشخص الذي يجلس هناك ؟

 

ربما لا !! فنحن حتى اللحظة لم نفكر أن نخلد اسمه علي أي  مكان , ولا أن نطلق اسمه على شارع بالمخيم , لم نحفر اسمه على جدران المنازل , لم نرسم صورة له في كراريس الأطفال , لقد تخلينا عن اسمه حتى في المؤتمرات والمهرجانات , لقد لقبوا أنفسهم بألقاب عديدة, ومنهم من تربع علي كراسي وبأسماء متنوعة , وللأسف لم يدرك الكثيرون أحجامهم أمام جنرال العصر الذي لم ينكسر ولم يضعف يوما , صاحب الإرادة القوية التي تحطمت عليها كل الصخور , سيدي أنت حرا رغم القيد , وهل القضبان تستطيع تحجب نور الشمس , بالتأكيد لا , لكن هناك من يستمد الأمل من نورها .

 

لكن هل تعتقدون بعد كل هذا المدح وهذه التساؤلات التي لم تمنحه الحرية , هل سيسمح لنا أن نذكر اسمه ونحن الذين خذلناه ؟!

 

أتدرون من هو هذا الشيخ؟!

 

انه فؤاد قاسم عرفات الرازم ( 53 عاماً ) , فك الله أسره , المكنى بأبي القاسم من حي سلوان بالقدس المحتلة , الذي عشق ترابها المحمدي, وقدم لها عمره مهراً لها ولمسجدها , لقد شابت لحيته , وضعف نظره  , وأصابته الإمراض بعد أن افني شبابه متنقلا بين المعتقلات الصهيونية دون أن يلتفت له احد ممن هم أحياء علي وجه الأرض ولكن " قد أسمعت لو ناديت حيا؛ ولكن.... لاحياه لمن تنادى .

 

لماذا أنت يا سيد العالم في السجن حتى الآن ؟! ما سر هذا العنفوان والعزم الفريد  , لماذا لم تخضع لهم منذ ثلاثين عاما؟! ,! من أين لك صبرك هذا؟ لماذا تركت المال والجاه وملذات الحياة وبقيت صامدا محتسبا, لماذا فضلت السجن علي أن تحيى حرا بين اهلك وأمك المريضة ؟ من منا لم ُيقبَل أمه منذ أسبوع والله كل شقي ومحروم , لكن فؤاد يجلس في مكان لا يبعد سوى القليل عن منزله الذي تتواجد به والدته المقعدة , ولا يستطيع أن يراها حيث اشتد عليها المرض بها ، وانتقلت إلى المستشفى في وضع صحي خطير للغاية ، فتقدم أبا القاسم بطلب لإدارة السجن للسماح له بزيارة والدته المريضة ولو لبضعة دقائق في المستشفى , والتي كانت ترقد في غرف العناية المركزة ، إلا أن إدارة السجن اللعين رفضت طلبه  ، وبعد إلحاح شديد وتدخل بعض المؤسسات الحقوقية والإنسانية  ، سُمح لفؤاد بإحضار والدته من غرف العناية المركزة وعلى سرير الموت داخل سيارة الإسعاف الخاصة ، لتزوره بسجن أهلي كيدار في بئر السبع حيث كان يقبع هناك ، وسمح لهما بإلتقاط بعض الصور التذكارية التي لم ينساها, فكانت الأم المسكينة في لحظات الاحتضار الأخيرة,  كانت لحظات مريرة وقاسية, كانت لحظة اللقاء الأول والأخيرة بين ذراعي والدته , ولم تمضِ سوى أيام حتى فارقت الحياة وكان الفراق الأبدي.

 

رحلت الوالدة العزيزة إلي عند ربها , رحلت ورحل الحلم الذي لطالما كان يراودها أن تتكحل برؤية ولدها خارج السجن حرا , وذهبت تاركة خلفها جبل من العزيمة ولإرادة التي لا مثيل لها .

 

رحلت الوالدة لكن لمن سيعود هذا البطل, ومن في البيت حين يطل ذاك اليوم يلقاه ,لمن يحسب الأيام ويعدها , من سيعانق الصدر الذي بالشوق أعياه, كانت أحلام متواضعة لكن لم يسمع بها احد رغم المصاب.

 

لقد طال الانتظار سيدي !! لا تغفر لهم

 

لقد أصبحوا منشغلون بالشرعيات التي فتكت بكافة أمور الحياة , فالهوية ضاعت في عاصفة الوطنية الزائفة, أما عن العالم فهو كأول يوم دخلت فيه سجنك  صامت لم يتعلم النطق منذ ولادته.

 

سيدي ربما أنهم ينتظروا منك أن تستسلم لتخرج من سجنك ! لكنهم لم يعلموا أنك محصن بالإيمان , مهما تتالت عليك الصِعَابْ لم تقل يوما نفسي نفسي , وليشهد التاريخ انك مارد العصر .

 

 إن منهاج الظالمين واحد لا يتغير مع مرور الزمن , فقدرك يا أبا القاسم أن تحيى في حقبة هذا الزمن الظلامى , لا تيأس أبدا لأنه الله هو من خلق عتمة الليل وهو الوحيد الواحد الذي يراك في حلكتها , فليس لك إلا الصبر واحتسب الأجر, ولابد أن ترى النور وُتحمل علي جناح الطير يوماً من الأيام ليسمعها الصالح والطالح ظلام هذا العصر , انك لا تطلبُ لا مالاً ولا عرشاً, ولا تبحث في وسائل الإعلام عن شهرتك , لكن هناك سؤال موجه لكل مسلم , وكل ضمير حي علي وجه الأرض , إلى متى سابقي سجين ؟ ومتى سأخرج من تلك الزنزانة الحاقدة ؟ أفيدوني أفادكم الله!!

 

 إذن بعد كل هذا السرد والإسهاب بالحديث أين من يتغني بحقوق الإنسان وماذا تنتظرون يا من تدعون الإنسانية أن ينتهي عمره داخل المعتقل, لقد ضاع العمر, وضاعت معه كل اللحظات الجميلة ولكن لم تخلص الحكاية .........