خبر الطيبي أمام الكنيست: على ضحايا المحرقة أن يصغوا لأنات الأمهات في غزة

الساعة 11:26 ص|28 يناير 2010

فلسطين اليوم – القدس المحتلة

ألقى عضو الكنيست أحمد الطيبي، رئيس كتلة القائمة الموحدة والعربية للتغيير، خطاباً في جلسة الكنيست الخاصة بمناسبة اليوم العالمي لإحياء ذكرى المحرقة النازية، ولقد شهد رئيس الكنيست رؤوبن ريفلين بأنه أقوى خطاب سمعه في الكنيست على الإطلاق. وبدى واضحاً على وجوه جميع النواب في القاعة والضيوف المتواجدين في المدرج الذهول والمفاجأة والإصغاء لكل كلمة تفوه بها  ألطيبي من على المنصة بهدوء مطلق، وعندما حاول عضو الكنيست نسيم زئيف التعليق على مقارنة ألطيبي لضحايا النازية بالفلسطينيين في غزة ضحايا الحرب الأخيرة، قام رئيس الكنيست بطرد زئيف معلقاً : نحن نسمع اليوم أموراً تُقال لأول مرة في هذا البرلمان.

 

وطالب الطيبي في سياق كلامه عدم التنكر للألم الفلسطيني، مكافحة العنصرية والكراهية، تفكيك أسلحة الدمار الشامل، إعطاء كل شعب حقه في الوجود، كما أثنى على النائب محمد بركة المشارك في مراسم اوشفيتس.

 

وفيما يلي مقاطع من خطاب النائب الطيبي:

لا يوجد أمر طبيعي أكثر من أن تجتمع الكنيست بكافة كتلها في اليوم العالمي لإحياء ذكرى المحرقة النازية. يوم تحرير معسكر الإبادة أوشفيتس . قوى الشر أرسلت حينها عشرات ملايين الناس - يهود، سوفييت، بولنديين، غجر ومجرد منافسين سياسيين – إلى موت فظيع.

 

لم يكن هذا موتاً اعتيادياً بل قتلاً ممنهجاً وليد أيديولوجية الكراهية والعنصرية والتطهير العرقي.

 

هذا هو المكان والزمان لإطلاق صرخة جميع هؤلاء الذين كانوا آنذاك ولم يعودوا بيننا بعد.. آلة القتل التي استندت إلى الإدعاء بأفضلية الأمة وتفوقها على أي قيمة مدنية أو إنسانية, سحقت بطريقها أسمى قيمة من القيم الإنسانية - حق شعوب كاملة في العيش.

 

ولدت النازية وترعرعت هناك في أوروبا. قال الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو إنها نبتت من قلب العصر الحديث, وأنا أضيف : إنها نبتت في الغرب وليس في الشرق. لقد صدق فوكو في قوله ولكنه أخطأ بأنه لم يشر في كتاباته إلى المسؤولية الأخلاقية لكل أولئك الذين سمعوا وشاهدوا ولكنهم صمتوا, لدى القيادات ولكن لدى عامة الشعب أيضاً.

 

الحقيقة المؤلمة كما عبرت عنها الفيلسوفة اليهودية ألمانية الأصل حنة أرنت, هي أن غالبية أفعال الشر يقوم بها أشخاص لم يقرروا أبداً عن سبق إصرار أن يكونوا أخياراً أو أشراراً.

 

فظاظة الشر

 

أنا أتوجه إلى الأشخاص الطيبين بطبيعتهم قائلاً : القوة الغاشمة مدمّرة جداً. البطش, والقومجية المستندة إلى تخليص العالم من أي عرق آخر, الفاشية والعنصرية هي الطرق لجذب الناس على أساس شعبوي لدعم سياسة هدفها في واقع الأمر سحقهم , بل وسحقنا جميعاً.

 

إن أسخف الآراء والتي تتسم بانعدام الأخلاقية هي إنكار كارثة الهولوكوست . لماذا؟ لأجل أي هدف بالضبط يقومون بذلك ؟

 

نحن هنا في حقبة تجسيد حقوق تقرير المصير ، الحرية، وليس تفكيك دول أو شعوب. يجب الوقوف بجرأة أمام مظاهر إنكار الآخر، قمعه، إنكار الكارثة. يجب مواجهة العنصرية في العالم هنا وهناك, هناك وهنا.

 

وكعربي فخور بكل أحاسيسي وجوارحي، يسرني أن أكون في الجانب الذي يتواجد به المفكرون العرب البارزون الذين رفضوا مظاهر إنكار الكارثة في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى في العالم – محمود درويش، سميح القاسم، الياس خوري، ادوارد سعيد،الياس صنبر وغيرهم. وهذه مناسبة بأن نرسل تحية تقدير وتشجيع لزميلي محمد بركة المتواجد الآن هناك في اوشفيتس،

 

وهنا لا بد من القول مرة أخرى :يجب ألا تكون الكارثة أداة في النقاش السياسي الشعبوي.يجب عدم الاتجار بها او استسخافها.

 

الكارثة هي أفظع جريمة ضد الإنسانية الحديثة, والنازية هي الأداة الباردة والمدروسة التي ادت الى تلك الجريمة. اما العنصرية فكانت الخيط الذي ربط أطراف تلك الايديولوجية الفظيعة.

 

هنا والآن يجب ان نقف ونصرخ بصوت عالٍ ضد جميع مظاهر التمييز, العنصرية وسياسة الكراهية. العنصرية والكراهية لكل ما هو مختلف، عربي، رفعت رأسها هنا في المجتمع الإسرائيلي. اصبحت العنصرية منذ زمن " التيار المركزي " يستمرون في ضرب الضحية وانتزاع حقوقها. ان الذي كان ضحية ذاك الموت الفظيع، الناتج عن استخدام سيء للقوة، القوة المطلقة المدمرة، يجب أن يُصغي الى أنين و صرخة الأم الثكلى التي هُدم بيتها ودَفن أبناؤها، الى ألم وبكاء الطبيب الذي فقد بناته، إلى ضحية الآخر، حتى وإن كان ضحيته هو، وخاصة إذا كان ضحيته هو، ضحية الضحية.

 

يجب أن يُسمع الأبرار صوتهم العالي بدلاً من صمتهم المدوي. لأننا في تلك اللحظة لن نذكر فقط فظاعة الأشرار, وانما سنذكر بالأساس صمت الأبرار. في الآونة الأخير لم أنجح في العثور على الأخيار الذين انهارت قواهم من التصريح بأقوالهم الجريئة من أجل الوقوف الى جانب الأخر الضعيف والمستضعف. المسحوق ومنزوع الحقوق.

 

قال الكاتب البريطاني الشهير الدوس هاكسلي ذات مرة عبارة رائعة : إن حقيقة كون البشر لا يتعلمون مما يحاول التاريخ أن يعلمهم, هي في واقع الأمر أهم عبرة يمكن أن نتعلمها من التاريخ.

 

فيكتور فرانكل، فيلسوف أيضاً، قال: منذ أوشفيتس نحن نعرف ماذا بمقدور الإنسان أن يفعل. منذ هيروشيما نحن نعرف ما هو موجود على كفيّ الميزان. هذا هو المكان والزمان لنقول كفى لأسلحة الدمار الشامل، يجب إفراغ كل المنطقة من هذا السلاح الفظيع، ودعم الرئيس براك اوباما في دعوته للتفتيش والرقابة كخطوة أولى لنزع سلاح الدمار الشامل من كل المنطقة وكل العالم.

 

حقيقة ان البشر لا يتعلمون مما يحاول التاريخ تعليمهم ، هي في واقع الأمر أهم درس يمكن تعلمه من التاريخ.

 

زملائي أعضاء الكنيست، الضيوف الكرام، دعونا نصغي إلى التاريخ ونبني مستقبلاً مغايراً ، عندئذ هذه الجريمة لن تتكرر أبداً.

 

وبمجرد إنهائه الخطاب توجه اليه النواب من كافة الكتل والأحزاب السياسية، بما فيهم نواب ناجون من المحرقة أمثال يوسي بيلد، إضافة الى الضيوف والمشاركين في الجلسة، عبروا كلهم عن انفعالهم وتأثرهم من هذا الخطاب الذي وصفه رئيس الكنيست ريفلين والوزير افيشاي برفرمان " افضل خطاب سمعته الكنيست على الاطلاق" كما افادت صحيفة هأرتس ووصفه النائب دوف حنين بأنه " خطاب لامع جدا".