خبر الجاذبية التركية .. فيصل جلول

الساعة 07:34 ص|27 يناير 2010

بقلم: فيصل جلول

يرحب الرأي العام العربي يوماً بعد يوم بالموقف التركي في مواجهة الكيان الصهيوني .

وتزداد شعبية رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في كل مرة ينهر فيها ممثلاً “أسرائيلياً” في ملتقى دولي أو يؤنب مسؤولاً آخر إثر ضربات عسكرية في غزة أو يطلب اعتذاراً صهيونياً علنياً جراء إهانة لحقت بسفيره لدى “الكيان” أو يحذر من التعرض العسكري لإيران.

ويتصاعد التأييد العربي لتركيا عندما تتقارب مع سوريا وتلغي التأشيرات لمواطني عدد من الدول العربية أو عندما تقول لا لغزو عسكري جديد في الشرق الأوسط وتمانع الدولة الاعظم في العالم في عدد من القضايا المتصلة بالمنطقة جريا على موقفها من الحرب على العراق عام 2003 .

وتشهد تركيا تظاهرات متلاحقة مؤيدة للقضية الفلسطينية . وتنتج القطاعات الفنية في هذا البلد اعمالاً جريئة مناهضة للكيان الصهيوني وتلغي حكومة أردوغان مناورات عسكرية وتستبدلها بأخرى مع سوريا ولا ينحصر الموقف التركي في الدفاع عن القضية الفلسطينية فهو يطال أيضاً العراق حيث يصر الأتراك على وحدة أراضي هذا البلد ورفض الانفصال الكردي ويعبّرون عن تأييدهم المطلق للوحدة اليمنية وبناهضون الانتهاكات “الإسرائيلية” للاراضي اللبنانية . . الخ . كل ذلك يلهب الرأي العام العربي الذي صار أشبه بالصبية المغرمة التي تقول لشريكها في لحظة تجل يمكنك الآن أن تقول لي أي شيء فاصدقه من دون تحفظ أو شك.

والملفت في هذا المسار السياسي الطارئ أنه طوى خلال فترة زمنية قصيرة صفحات أليمة ظلت مفتوحة لعقود طويلة بين العرب والأتراك وهي مستمدة من مخلفات السلطنة العثمانية ومن الحرب العالمية الأولى والغاء الخلافة الإسلامية وما تخللها من دعاوى التتريك والعلمنة والرد عليها بسياسات التعريب والتشدد القومي العربي وما رافقها من خلافات حدودية ومائية مع سوريا والعراق .

والثابت في هذا المسار التركي أنه ليس مبنياً على قطيعة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ولا يرمي إلى قطع العلاقات مع “إسرائيل” ولا يعني كما يزعم البعض أن انقرة أدارت ظهرها لأوروبا أو أنها ترد على العقبات التي تعترض اندماجها الأوروبي بالاندماج الشرق أوسطي . ولا يمكن ربطه جوهرياً وحصرياً بالتيار الإسلامي الناهض في هذا البلد رغم أهمية الإسلاميين وجرأتهم وحيويتهم في انتهاج سياسة خارجية قومية تصالحية مع المحيط التركي المفتوح على فضاءات استراتيجية عديدة ومتنوعة ومهارتهم في الدفاع عن مصالح بلادهم حيثما تكون وبالوسائل المناسبة لهم .

وينسى الذين يتحدثون عن انتقال السياسة الخارجية التركية من التحالف الوثيق مع الغرب إلى الشرق الأوسط أن انقرة ما برحت عضواً فاعلاً ومؤسساً للحلف الأطلسي وأنها جزء لا يتجزأ من هذا الحلف الذي يدير الحرب في أفغانستان وتشترك في القوات الدولية في لبنان ذات الغالبية الأطلسية وهي ملتزمة بالسقف الأطلسي الذي يحكم علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب . ولا ينتبه هؤلاء إلى أن الانفتاح التركي على العالم العربي هو جزء من انفتاح أكبر يطال المحيط التركي برمته من روسيا على البحر الأسود إلى إيران وبلغاريا وجورجيا وأذربيجان وارمينيا وقبرص واليونان .

والواضح أن الجاذبية التي تتمتع بها تركيا لدى الرأي العام العربي ناجمة أيضاً عن تلكؤ الدول العربية عن الاضطلاع بالقضايا العربية المركزية وضعف إرادتها في مواجهة التحديات التي تواجه العرب . فعندما يغيب المحور العربي من الطبيعي أن يحضر غيره، وعندما تتخاذل الجامعة العربية وتمتنع عن سحب مبادرة السلام بعد طول إهمال واهانة “إسرائيلية” فمن الطبيعي أن تتحول مشاعر الرأي العام العربي نحو طرف مسلم يجرؤ على الصراخ بوجه الغطرسة الإسرائيلية ويقول لقادة إسرائيل ما لا يجرؤ بعض العرب على قوله .

ربما على العرب المهتمين بصعود الدور التركي في فضائهم وفي فضاءات إقليمية أخرى أن يدركوا أن هذا الدور بني طوبة طوبة على الشراكة مع أصحاب القرار في هذا العالم وليس على التبعية لهم فالشريك وليس التابع يمكنه أن يقول لصاحب القرار أريد هذا ولا أريد ذاك هنا مصالحي وهنا مصالحك ولكل الحق بالدفاع عما يخصه . ويمكن للشريك وليس التابع الصراخ بوجه القوي من موقع الند ويرسم له الحدود بين ما ينبغي وما لاينبغي . والشريك وحده يمكنه ان يحمي مصالحه وأمنه ومستقبل شعبه في عالم تسوده الذئاب .

قبل خمسة قرون تولى الأتراك شؤون العالم الإسلامي ومن ضمنه العالم العربي وقد تم لهم الأمر بعد قصور العرب عن تولي شؤونهم وإيكالها لمماليكهم وها هم الأتراك بعد خمسة قرون يرفعون صوتهم عالياً بعد احتلال العراق وتمادي الصهاينة في إهانتنا والعبث في منطقتنا ويقولون لمن يرغب: الشرق الأوسط ما كان ولن يكون فضاء مشرعاً إلى ما لا نهاية للعربدة الصهيونية .