خبر بالموت « حرقا ».. غزة تدفع ثمن الحصار!

الساعة 07:37 م|26 يناير 2010

بالموت "حرقا".. غزة تدفع ثمن الحصار!

شيماء مصطفى

مات ثلاثة أطفال خنقا بعادم مولد للكهرباء قبل عدة أيام في قطاع غزة.. خبر صادم تسبب في كثير من الحزن والألم للمواطنين، وكان بمثابة "الصاعقة" للعديد من الأمهات والأسر التي تعتمد على المولدات الكهربائية لتسيير حياتها اليومية في ظل غياب الكهرباء في غزة.

عبيدة "عامان".. ملك "4 أعوام".. خضر " 7 أعوام".. ثلاثة صغار ماتت ضحكاتهم في ليلة غاب فيها القمر وغادرتهم الكهرباء، وكان الموت حليفهم بعد أن غرقوا في سباتٍ عميق.

 

وتعرض الأطفال أثناء نومهم للاختناق بدخان عادم المولد الكهربائي بمدينة دير البلح وسط القطاع, بعد أن قام والدهم بتشغيله داخل المنزل المغلقة نوافذه بسبب برد الشتاء القارس.

 

ولا يجد أهالي قطاع غزة مفرا سوى استخدام المولدات التي تعمل بالسولار للحصول على الكهرباء المقطوعة عنهم بسبب تعنت الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يسمح إلا بإدخال كميات محدودة من السولار الصناعي المخصص لتشغيل الكهرباء في القطاع.

 

"شر لابد منه"

وبسبب انتشار المولدات في غالبية البيوت والمحلات التجارية وامتلائها الشوارع، تسارعت أرقام حوادث الاختناق والحرائق؛ الأمر الذي ملأ نفوس المواطنين بالرعب والخوف من موتٍ قادم لا يمكن الاستغناء عنه.

 

وبنبرات التحذير، كشف مدير الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة الدكتور معاوية حسنين أن حالات الكوارث الناتجة عن الحرائق التي تسببها المولدات في ازدياد كبير.

 

وقال في تصريح صحفي: إن إجمالي عدد الضحايا بسبب الحرائق خلال العام الماضي بلغ 25 قتيلا، و113 جريحا، 47 حالة منهم حروقهم شديدة، وتوقع أن تشهد الأيام القادمة مزيدا من الحوادث المؤلمة.

 

وناشد حسنين أهالي القطاع بأخذ كل أساليب الحيطة والحذر في تعاملاتهم مع المولدات، داعيا لعدم وضعها في المنازل أثناء تشغيلها وإبقائها خارج المنزل.

 

البرد القارس أرحم!

 

أم صلاح رجب أم لسبعة أطفال، طلبت من زوجها التخلص من مولد الكهرباء بأسرع وقت؛ فهي لا تريد المغامرة بحياة أطفالها, وبنبرات الألم أضافت: "لا أستطيع تخيل فقدان أحد صغاري خنقا أو احتراقا.. فلسعات الشتاء وبرودة الأجواء يمكننا تحملها والتعايش معها، أما الموت فلا..".

 

غير أن أم عدي لم تجد بدا من تشغيل المولد داخل منزلها وتحمل مصائبه الكثيرة, وبحروف تملؤها رهبة قالت لـ" إسلام أون لاين.نت": "المولدات شر لابد منه، ولا نستطيع الاستغناء عنها في ظل انقطاع الكهرباء لأكثر من 18 ساعة في اليوم؛ فالأطفال يحتاجون للتدفئة.. والكبار للإنارة لمذاكرة دروسهم لتقديم الامتحانات", وبألم تعترف: "ولكن بمجرد تشغيله يمتلكني الرعب والخوف، ويصيبني هاجس أن مكروهاً سيحصل.. وعند إطفائه أتنفس الصعداء".

 

الشمعة لا تكفي

 

أما الطالبة الجامعية سارة إبراهيم فأخذت تستجدي والدها ليشتري لهم واحدا؛ لتستطيع إكمال مشاريعها ومراجعة دروسها المتراكمة, قائلة: "الحياة بدون كهرباء تتوقف؛ فالشمعة لا تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وضوؤها يصيبني بالعمى ويربكني ولا أستطيع التركيز في أي شيء".

 

وبلهجة ساخرة أخذت تتساءل: "هل الشمعة تشغل كمبيوتر؟! أم تسخن كأس الشاي وتشعل المدفأة في هذه الأجواء العاصفة؟! أم أنها تمنحنا ضوءا ساطعا كالشمس تماما؟!".

 

ويؤكد أبو علي عاشور -صاحب متجر لبيع مولدات الكهرباء- أن هناك إقبالا كبيرا على شراء المولدات التي تأتي عن طريق الأنفاق مع الحدود المصرية؛ ويرجع ذلك إلى تنامي أزمة الكهرباء في القطاع.

 

وعن الهلع الذي بدأ يدب في قلوب الغزاويين من أخطاره، علق قائلا: "صحيح أن له أضرارا بالغة وعواقب جسيمة, ولكن هل الشموع أو ضوء الكيسرون أفضل حالاًٍ فكلها تؤدي لطريق الموت والحرق والاختناق؟!".

 

ويهدد توقف الاتحاد الأوروبي مؤخرا عن تمويل الوقود اللازم لتشغيل محطة كهرباء غزة بقطع التيار الكهربائي عن قطاع غزة لفترة ستتجاوز 18 ساعة يوميا؛ الأمر الذي ينذر بأزمة تنال كل المرافق الحياتية في القطاع تماثل قسوة الشهور التي عاشها القطاع عقب قصف الاحتلال لمحطة الكهرباء في يونيو 2006.

 

وأشار قائمون على قطاعي الطاقة والوقود في أحاديث صحفية إلى أن الاتحاد الأوروبي أوقف تمويله لكلفة شراء الوقود اللازم لتشغيل محطة كهرباء غزة منذ شهر نوفمبر الماضي، وأن قضية تزويد المحطة بالوقود لم تعد تمثل أولوية للاتحاد الأوروبي، علما بأنه عمل على تمويل كلفة الوقود بقيمة نحو 13 مليون دولار شهرياً على مدار السنوات الماضية.

 

كارثة إنسانية

 

وكانت شركة توزيع الكهرباء في غزة قد حذرت اليوم من أزمة خانقة في تزويد محافظات القطاع بالكهرباء إذا استمر وقف تزويد محطة التوليد بالكمية المناسبة من الوقود لتشغيلها.

 

وأشار مدير العلاقات العامة في الشركة جمال الدردساوي إلى انخفاض إنتاج المحطة تدريجيا بسبب عدم توريد الوقود إليها من قبل الاحتلال؛ وهو ما يهدد بتوقفها خلال يومين إذا لم يستأنف توريده؛ ما يعني دخول قطاع غزة في أزمة كهرباء حادة.

 

من جهته، حذر جهاز الدفاع المدني بغزة الأهالي من سوء استعمال المولد الكهربائي في المنازل والأماكن المغلقة، لاسيما بعد أن انتشر استخدامه في صفوف المواطنين.

 

وقال الجهاز في بيان له: إن سوء استعمال المولد داخل الغرف أو الأماكن المغلقة قد يؤدي إلى الخطر أو الموت، خاصة في صفوف الأطفال، وذوي المناعة الضعيفة، والنساء الحوامل.

 

كما حذر من سوء استخدام التوصيلات الكهربائية عند استعمال المولد؛ الأمر الذي قد يؤدي للموت، مشددا على أنه يجب اختيار التوصيلات المناسبة مع التيار الكهربائي المرسل من المولد، كما حذر من تزويد المولد الكهربائي بالوقود أثناء اشتعاله، ودعا إلى ابتعاده عن مصادر النيران عند تزويده بالوقود.

 

ودعا الجهاز إلى وضع المولد الكهربائي والمدفأة والوقود المخصص لهما في مكان يدخله الهواء المتجدد، أو على أسطح وشرف المنازل، وإبعاده عن متناول الأطفال.