خبر كل هذا الصخب السياسي في المنطقة .. ياسر الزعاترة

الساعة 05:53 م|24 يناير 2010

بقلم: ياسر الزعاترة

لا يتوقف الحراك السياسي في المنطقة في ظل الإصرار الأمريكي على عودة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والأمريكي ، حيث يضطر مستشار الأمن القومي الأمريكي لزيارة المنطقة ومن بعده جورج ميتشيل الذي لن ييأس على ما يبدو ، بينما تتواصل المشاورات بين بعض العواصم العربية وواشنطن ، وكل ذلك في سياق الحيلولة دون استمرار الانسداد السياسي الذي قد يفضي إلى دوامة عنف جديدة لا تحتملها واشنطن التي تعيش في ظل أوباما مسلسلا من الفشل لم يتوقعه أحد على الإطلاق.

في أجواء الفشل الذريع التي يعيشها أوباما على مختلف المستويات الداخلية والخارجية بعد عام على مجيئه إلى السلطة ، ومن ثم حاجته إلى إرضاء الصهاينة (مطلبهم هو إعادة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات دون شروط) ، فقد باتت عودة لعبة التفاوض أمرا ملحا ، والسبب أن انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية ستعني إشعال فتيل العنف في سائر المنطقة ، ففلسطين كانت وستبقى العنوان الأساسي لتجييش الأمة من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكرتا ، والنتيجة هي خسارة الرضا الصهيوني وتهديد مصالح الولايات المتحدة في آن.

في هذا السياق تنهض قضيتان ، تتمثل الأولى في العودة إلى طاولة المفاوضات ، وذلك كإجراء ضروري يسوق وهم السلام ويبعد شبح "العنف" من جهة (بيريس حذر عباس من الانتفاضة الجديدة إذا استمر توقف المفاوضات،،) ، بينما يثبّت وضع الضفة الغربية و"سلامها الاقتصادي" برعاية الجنرال دايتون وتوني بلير من جهة أخرى ، أما الثانية فتتمثل في إعادة إنتاج الوضع في قطاع غزة كي لا يبقى عنصر تحريض على سياسات السلطة من جهة ، وعلى السياسات الإسرائيلية والمصرية من جهة أخرى.

المعضلة هنا هي أن أي تصعيد في الجبهة ضد غزة (عدوان عسكري جديد) ، سيجعل العودة إلى المفاوضات أمرا بالغ الصعوبة ، ولذلك يعمل المعنيون على تشديد الضغوط على حماس (مع شيء من الترغيب) من أجل تمرير الورقة المصالحة المصرية الكفيلة بإخراجها من باب الانتخابات الذي دخلت منه ، وفي المدى القريب منح صلاحية التفاوض لرئيس السلطة (كما تنص الورقة) ، والقبول بترتيبات مؤقتة عنوانها تهدئة دائمة ، وذلك هو ما يفسر الاستقبال الذي حظيت به قيادة حماس في عدد من دول الاعتدال ، في وقت تدير لها القاهرة الظهر وتجلدها بسياط الإعلام ، وبالطبع في سياق الضغط ، فضلا عن قضية الجدار الفولاذي المصري ، ومن بعده السياج الإسرائيلي ، معطوفا على تهديدات بحرب خاطفة تنتهي باستسلام الحركة ، وهي حرب لوّح بها لحماس مدير المخابرات المصرية قبل أسابيع ، ورددها مرارا قادة العدو خلال الأسبوعين الماضيين.

كل ذلك يجري فيما جبهة الممانعة والمقاومة في وضع غير مريح ، وإن يكن أفضل من الجبهة الأخرى ، إذ تعيش إيران ارتباكا واضحا منذ الانتخابات ، وكذلك حال حزب الله الذي يصعب عليه التحرش بالدولة العبرية بعد دخوله "حكومة الوحدة" ، بينما لا تجد سوريا ما تفعله في مواجهة حراك عربي شامل عنوانه إعادة السلطة إلى طاولة المفاوضات تحت لافتة ضمانات من واشنطن ، لكن الجانب الآخر من الصورة يتمثل في عبثية مفاوضات مع رجل مثل نتنياهو ، هي التي لم تحقق حلا يحفظ ماء الوجه مع من همْ أكثر منه اعتدالا ، والنتيجة أن الانفجار التالي لن يكون بعيدا ، لا سيما أن الفشل الأمريكي في أفغانستان يبدو مؤكدا ، وكذلك في العراق (إذا لم تفتح جبهات جديدة في الصومال واليمن) ، الأمر الذي سيمنح قوى المقاومة والممانعة بعض الراحة في سياق إطلاق جولتها الجديدة مدعومة بجماهير لن تشتري الوهم لزمن طويل ، ولا معادلة الرواتب والطعام مقابل الكرامة والتحرير أو الدولة المؤقتة ، كما لن تسكت بحال على صفقة بائسة يمكن أن يتورط فيها عشاق المفاوضات السرية وأصحاب نظرية "المقاومة العبثية" و"الحياة مفاوضات" ، وهي صفقة يمكن العثور على أكثر تفاصيلها في وثيقة جنيف وملحقها الأمني.

صحيح أن الوضع العربي الرسمي يعيش بؤسا استثنائيا في هذه الآونة ، لكن ما يعوّض ذلك هو أن الجماهير العربية ليست كذلك ، وهي تبدو جاهزة لدعم جولة مقاومة جديدة في فلسطين بكل ما أوتيت من قوة.