خبر 4 سنوات من القتل والإنقسام../ مصطفى إبراهيم

الساعة 09:56 ص|20 يناير 2010

4 سنوات من القتل والإنقسام مصطفى إبراهيم

في الخامس والعشرين من الشهر الجاري ينهي الفلسطينيون أربع سنوات من تجربتهم الديمقراطية الثانية، مرت عليهم ثقيلة محملة بالآلام والأحزان وشلال الدم النازف والقتل المستمر والانقسام، تخللها عدوان إسرائيلي همجي استمر 23 يوماً فقدوا خلالها 1411 شهيداً، وآلاف الجرحى ومئات المعاقين، وتدمير آلاف المنازل وتشريد 300 ألف مواطن، ولا يزال 50 ألفاً منهم من دون مأوى.

 

أربع سنوات توقع الفلسطينيون أن تكون أفضل من سابقاتها مع سياسة التغيير والإصلاح الذي اتخذته حركة "حماس" شعاراً لحملتها الانتخابية وكتلتها البرلمانية.

 

أمل الفلسطينيون أن يتخلصوا من سوء الإدارة وغياب سيادة القانون وتنامي ظاهرة الانفلات الأمني والفساد، طالما أن وقف آلة القتل الصهيونية أمر ليس ممكناً.

 

أربع سنوات كانت من أسوأ سني حياتهم، فبعد التفاؤل والأمل بالتغيير الذي بدأ مع إكمال دولة الاحتلال الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة في الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) 2005، وتحول الحلم إلى كابوس، فلا هم تحرروا ولا تخلصوا من ربقة الاحتلال، ولم يخبئ لهم المستقبل الأفضل.

 

أربع سنوات مضت فرضت دولة الاحتلال حصاراً اقتصادياً خانقاً لمعاقبة الفلسطينيين جماعياً عبر تحكمها في المعابر التي تربطها مع قطاع غزة، بما فيها معبر رفح، ما أثر سلبياً على حال حقوق الإنسان الأساسية، ومستوى معيشة الناس، والمس بحقهم في الحياة، ومنعتهم من التنقل والسفر. ولم تكتف دولة الاحتلال بذلك فمنعت دخول البضائع والسلع والمواد الغذائية، وسمحت فقط بإدخال 62 صنفاً من تلك السلع!!!

 

وعاش الفلسطينيون مأساة إنسانية مستمرة جراء الحصار الذي فرضه المجتمع الدولي على القطاع.

 

مأساة الفلسطينيين لم تكن مع الاحتلال فقط، بل هم ساهموا في زيادة مآسيهم وكوارثهم، وعملوا على تعميقها، وعمدوا بقصد أو من دونه على خلق أزمة داخلية هددت أركان النظام السياسي الفلسطيني وعملت على تقويضه.

 

الأزمة الفلسطينية بدأت في العام 2002، إثر قيام دولة الاحتلال بإعادة احتلال الضفة الغربية، وتوجيه ضربات قوية وقاسية ومتعمدة لإضعاف السلطة وتقويض مؤسساتها.

وشكلت عملية السور الواقي في العام 2002، نقطة البداية والضعف وتنامي ظاهرة أخذ القانون باليد وتزايد حالات القتل وفوضى السلاح، خاصة المشتبه بهم بالتعاون مع قوات الاحتلال أو القتل على خلفية الانتقام والثار.

 

وقتل في العام 2002 نحو 64 مواطناً على تلك الخلفيات، ووثقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان منذ ذلك التاريخ حالات القتل على خلفيات مختلفة وكان عدد القتلى 56 في العام 2003، في أراضي السلطة الفلسطينية، وازداد العدد إلى 93 في العام 2004.

 

ثم انتقل الصراع الفلسطيني الداخلي من حال الانفلات الأمني إلى حال الاستقطاب السياسي الحاد بين حركتي فتح وحماس على إثر انتخابات المجالس المحلية في النصف الثاني من العام 2005، واستمرت الأوضاع في التدهور وازدادت حالات اختطاف الصحافيين، خاصة الأجانب والاعتداء على المؤسسات العامة وموظفين كبار في السلطة، ووصل عدد القتلى إلى 176 قتيلاً.

 

وبدأت الظاهرة تأخذ منحى تصاعدياً آخر من حيث الاستقطاب السياسي الحاد وصل إلى حد التنازع على السلطات بين الحركتين خاصة في العام 2006، إثر فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، ووصلت الأوضاع إلى الاقتتال الداخلي، ودخلت في مرحلة "الفوضى الخلاقة" بين الفلسطينيين، ليصل عدد القتلى إلى نحو 345 قتيلاً.

 

وكان العام 2007 الاسوأ لدى الفلسطينيين، وأخذت الأمور منحى خطيراً، حيث وصل عدد القتلى إلى نحو 585 قتيلاً، منهم نحو 200 قتيل قتلوا خلال سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في الفترة الممتدة من 7/6/ لغاية 15/6/ 2007.

وبعد سيطرة حماس على قطاع غزة بالقوة المسلحة، وغياب الطرف الآخر المنافس على السلطة سادت مرحلة من الهدوء المؤقت، وقيام السلطة في الضفة الغربية بفرض النظام والأمن ورفعت شعار السلاح الشرعي هو سلاح السلطة.

 

وبالرغم من حال الانقسام توقع الفلسطينيون أن تسود حالة من الاستقرار والأمن كما روجت له السلطة في رام الله أو الحكومة المقالة في غزة، ومع ذلك وصل عدد القتلى في العام 2008، إلى نحو 200 قتيل، والعام 2009 وصل عدد القتلى إلى نحو 218 قتيلاً.

 

أربع سنوات دامية لم تقتصر على ظاهرة الانفلات الأمني والقتل، والاستقطاب السياسي والفرز، والإقصاء والتغييب ومحاولة اجتثاث كل طرف منهما للآخر، وتعميق دور الانقسام السياسي والجغرافي والاجتماعي ما ساهم في تفكيك النسيج الاجتماعي، وما رافق ذلك من اعتقالات سياسية بالآلاف، ووفاة داخل السجون جراء التعذيب، والسيطرة على مئات الجمعيات الخيرية وتفكيك واستبدال مجالس إداراتها.

 

أربع سنوات مضت شن خلالها الفلسطينيون حرباً، كلٌ على الآخر، وكانت وما تزال حرباً أكثر ضراوة من حربهم ضد الاحتلال ومشاريعه الاستيطانية والتوسعية والتنكر لحقوقهم، فالقتل مستمر وكذلك الانقسام، والدفاع عن القضية الوطنية وفضح ممارسات الاحتلال، أصبح شيئاً من الماضي وكأن الاحتلال زال.