خبر من يستهدف مشروع « شرطي الفضائيات » !

الساعة 08:16 ص|16 يناير 2010

فلسطين اليوم-وكالات  

فيما تستعد اللجنة الدائمة للإعلام العربي لاقرار مشروع "مفوضية الفضائيات العربية"، ثارت من جديد مخاوف اعلاميين عرب من هذا المشروع على اعتبار انه شرطي اعلامي "متخف في زي مدني". ومن المقرر ان يتم اعتماد هذا المشروع في اجتماع وزراء الإعلام العرب في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، والذي اعتبره بعض المحللين الاعلاميين انه "سيكون ساحة معركة تقودها مصر والسعوديّة لتدجين الإعلام المشاغب"، مستغلّتين مشروع القرار الأميركي لمكافحة "الفضائيات الإرهابيّة".

 

واطلق عليه اعلامييون أخرون "شرطيّ الفضائيات". وتقول "الاخبار" اللبنانية في تقرير لاذع لها حول مشروع القرار انه "يجهّز حالياً في مطابخ أنظمة عربية مشغولة بإعادة ترتيب المنطقة في مرحلة القلق الإقليمي".

 

الشرطي يطبخ بعدما فشلت المحاولات الأولى في فرض سلطته على الفضائيات التي توصف بأنها مشاغبة، أو التي تجاوزت الخطوط الحمراء في نقد بعض الأنظمة. الشرطي سيكون اسمه الرسمي: "مفوضية الفضائيات العربية. وستكون مهمته فرض سقف أخلاقي لا يجرح مشاعر المشاهدين، ولا يحمي المتطرفين.

 

ويضيف تقرير الصحيفة اللبنانية "هذا هو غطاء الدعاية الذي من أجله تشغّل أنظمة عربية خلّاطاتها السريعة لتخفي رغبتها في حصار حرية القنوات الفضائية بدعاوى أخلاقية أو سياسية متفق عليها. وفي هذه الخلاطات يمكن أن تضع قناة متطرفة تدعو إلى الخرافات والشعوذة وقناة المقاومة (المنار). لأن شرطي الأنظمة رأى أن كلاً منهما "تحرّض على الإرهاب"، أو تخدش حياء الموقف الرسمي العربي".

 

تمرير وجود الشرطي يضع مفاتيح السماوات المفتوحة في يد الأنظمة، وذلك من خلال مشروع تبنّاه الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى. لكنه في الحقيقة، وكما قالت مصادر في الجامعة العربية، فإن المشروع هو نفسه الذي قدمه وزير الإعلام المصري أنس الفقي، ورُفض على اعتبار أنه يغلق فضاء الحرية الإعلامية بقيود قديمة.

 

الصفقة واضحة المعالم غالباً وهدفها تدجين الفضائيات. فهناك حق يراد به باطل: الرغبة في تنظيف ساحة الإعلام أو وضع حدود محترمة لحرية الإعلام، كما يحدث في دول متقدمة ديموقراطياً. وهناك أصحاب مصلحة في حصار الفضائيات المشاغبة. والأهم أن هيئات الرقابة على الفضائيات في أوروبا تحت يد المجتمعات لا السلطات. وهذا يعني أن الصفقة المرادة هي أن تستولي الأنظمة على حق المجتمعات في فرض رقابتها لكي تتحول "المفوضية" المزمع إعلانها بعد أيام إلى "أداة" فرض وصاية متجددة.

 

ويشار هنا إلى محور مصري ـ سعودي يقود صفقة التدجين للقنوات التي تبث عبر أقمار "النايل سات" و"العرب سات"، في محاولة لمنع استرسال قناة "الجزيرة" القطرية في توجيه انتقادات كلاسيكية إلى الجانبين، وكرد فعل على ما وجهته المحطة الإخبارية الشهيرة من حملات ضدهما في أكثر من موضع.

 

وبدا أن ما عجزت القاهرة والرياض عن تحقيقه بالسياسة، قد يجد نفسه متحققاً عبر بوابة الإعلام، إذ تتبنى العاصمتان مشروع إنشاء مفوضية تكون لها صلاحية الإشراف على الفضائيات العربية، وضمان التزامها بمعايير أخلاقية من وضعهما.

 

واستغل الجانبان المصري والسعودي مشروع قرار مجلس النواب الأميركي الخاص بالفضائيات المصنفة أميركياً تحت قائمة الإرهاب، لتكوين رأى عام داخل الدول العربية يتبنى عملية تطهير جذرية وواسعة النطاق لما يبث في الفضاء العربي.

 

المعركة الرئيسية التي ستجرى وفقاً لقواعد اللعبة بين مصر والسعودية، ستكون في الاجتماع المرتقب لوزراء الإعلام العرب. معركة محورها تحويل فكرة الاسترشاد بأفكار الوثيقة المكروهة للبث الفضائي إلى أمور إلزامية. وثمة مخاوف حقيقة في هذا الإطار، إذ يؤكد مسؤولون قطريون وسوريون أنه "لا يمكن إنشاء أي إدارة تراقب الإعلام العربي وتكون وصية على الدول والقوانين الموجودة".

 

اللعبة المصرية - السعودية لا تبدو مختلفة عما هو معمول به في التنسيق السياسي بين القاهرة والرياض. لكن خطورتها الحالية هي محاولة النفاذ عبر جواد عمرو موسى "لتلبيس إبليس".

 

والحاصل أن وزراء الإعلام العرب مدعوون في اجتماعهم الاستثنائي المرتقب يوم الرابع والعشرين من الشهر الجاري لتبني اللعبة المصرية السعودية، بعد اعتمادها وإعطائها طابعاً شرعياً ورسمياً. لكن ليس من المأمول أن يجري ذلك بسهولة، فيما تدور توقعات برفع الأمر برمته إلى القمة العربية التي ستعقد في العاصمة الليبية طرابلس نهاية شهر آذار المقبل.

 

وتقول "الأخبار" أن وزير الإعلام المصري أنس الفقي، الذي ينظر إليه على أنه مهندس عملية تقنين الفضاء العربي، بعث أخيراً رسائل غير معلنة إلى عدد من وزراء الإعلام العرب يدعوهم خلالها إلى تبني وجهة النظر المصرية والسعودية. الفقي ينفّذ ما وصفته مصادر مصرية بأنه "عملية انتقام وحصار لقناة الجزيرة القطرية"، التي طالما نظرت إليها الحكومة المصرية على أنها رأس الحربة في حملات إعلامية شوّشت على صورة "مصر" من وجهة نظر نظام حسني مبارك.

 

معركة النقاش حول المشروع الأميركي ومسودة المفوضية ستكون ساخنة، وفقاً لتقديرات مسؤولين في الجامعة العربية، حيث هناك انقسام واضح بين دول مؤيدة للبندين ودول معارضة لهما.

 

ووفقاً لمصادر عربية مطلعة، فإنه من المتوقع أن يعلن وزير الإعلام اللبناني طارق مترى رفض المشروع الأميركي، على اعتبار أنه يتعارض مع ما يجرى من توافق لبناني سياسي على الأرض، وأنه سيستهدف الحيلولة دون استمرار حزب الله في إطلاق قناة "المنار".

 

وبحسبة بسيطة، فإن الدعم المصري - السعودي لمشروع إنشاء المفوضية الخاصة بالإعلام قد لا يمر بسهولة، ذلك أن مشروع موسى هو بنظر الكثيرين مسايرة لرغبة الحكومات العربية في إحكام قبضتها على الفضائيات التي طالما شكت منها، وخصوصاً "الجزيرة" القطرية، والقنوات المحسوبة على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقناة "المنار" التابعة لحزب الله في لبنان، والقنوات المحسوبة على التيار الصدّامي أو الإسلامي المتشدّد في العراق.

 

لكن مشروع موسى اصطدم برفض قطري وسوري متباين. ورأى رئيس وفد قطر في اجتماع اللجنة الدائمة للإعلام الإلكتروني، الدكتور يوسف إبراهيم، أول من أمس، أنه "لا يجوز وضع قيود أو وصاية على الدول من جانب مفوضية الإعلام العربي المقترحة، على اعتبار أن هذا يمثل إجحافاً في حق الإعلام العربي". وفيما بدا أنه بمثابة تحذير من غياب الشفافية في عمل المفوضية، قال إبراهيم "يجب أن تتمتع أي مفوضية بالحرية، وتتماشى مع المتغيرات على الساحة الإعلامية". اللعبة أساساً انطلقت على خلفية من "وثيقة الفضائيات" التي تمخّض عنها الاجتماع الاستثنائي الأخير لمجلس وزراء الإعلام العرب، الذي عقد يوم 12 شباط عام 2008 برئاسة مصر في مقر الجامعة العربية.