خبر فهمي هويدي يكتب : (أعداؤنا) الخطرون فى غزة

الساعة 09:52 م|04 يناير 2010

فهمي هويدي يكتب : (أعداؤنا) الخطرون فى غزة 

الخطاب الإعلامي المصرى يتبنى هذه الأيام شعار «كل من ليس معى فهو ضدى». ويبدو أنه مع تزايد حملة نقد المواقف المصرية إزاء الجدار والحصار. فإن الأبواق والمنابر الرسمية اختارت أن تصنف كل من تبنى رأيا مخالفا باعتباره عدوا ومثيرا للفتنة وشريكا فى حملة الكراهية ضد مصر. وما أدهشنى أن بعضا من الشخصيات المحترمة فى المهنة رددوا هذا الكلام. وهم الذين ظلوا حينا من الدهر يلقنوننا دروسا فى ضرورة احترام الرأى الآخر.

 

صحيح أن الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فعلها فى أعقاب أحداث سبتمبر عام 2001، واعتبر كل من لم يقف معه فى معسكر «الخير» الذى نصّب نفسه رمزا له، فإنه يصبح منتميا إلى معسكر الشر، لكنه وقتذاك كان يلوح بعضلات القوة العسكرية الأمريكية التى هدد بها الجميع ونجح فى ابتزازهم. لكن إخواننا هؤلاء وهم يعممون الاتهامات على الناقدين ويوزعون الأوصاف الجارحة والمهينة عليهم، لا يستندون إلا على قاموس الشتائم والسخائم التى يطلقونها فى الفضاء، فتفضح ما أصابهم من انفعال وتوتر.

 

أسوأ ما فى الحملة التى تطلقها الأبواق الإعلامية أنها، وهى تبرر المواقف المصرية الأخيرة، أصرت على وصف فلسطينيى القطاع بأنهم أعداء خطرون ومخربون، يهددون أمن مصر ويسعون إلى إشاعة الفوضى والإرهاب على أراضيها. وهذه الفكرة حاولت بعض الصحف الترويج لها من خلال سرد قائمة من المعلومات التى تحدثت عن تهريب أسلحة ومتفجرات وأحزمة ناسفة، ومخططات لضرب السياحة فى سيناء والقيام بعمليات التخريب فى بعض المدن.

 

ومن الواضح أن تلك المعلومات جمعت من بعض التقارير الأمنية. التى نعرف أنه يتم «تفصيلها» لتحقيق الهدف المطلوب، المتمثل فى تبرير وتغطية إقامة الجدار الفولاذى وإحكام الحصار حول غزة.

 

الملاحظ على تلك البيانات أنها كلها تحدثت عن مخططات تم رصدها أو محاولات تم الكشف عنها، ولم تتحدث عن أفعال وقعت أو قضايا ضبطت وحكم فيها القضاء بالإدانة. أعنى أنها فى أسوأ الفروض تشكل إدعاءات لا تصلح أساسا، يستند إليه فى التقييم. الملاحظ أيضا أن المعلومات التى يجرى الترويج لها تزج باسم تنظيم القاعدة وتتحدث عن اتصالات مع الجماعات التى ترفع السلاح فى المنطقة، من الحوثيين فى اليمن إلى حركة الشباب المجاهد فى الصومال. وهى الإشارات التى يراد بها تصوير غزة وكأنها تحولت إلى بؤرة خطرة، لم تعد معنية لا بالإعمار ولا بتوفير احتياجات الناس من الطحين والسولار، ولكنها انصرفت عن كل ذلك وأصبحت مشغولة بتصدير الإرهاب إلى مصر والعالم العربى. وهى إيحاءات من شأنها توفير حجة قوية تؤيد الاجتياح الإسرائيلى لها. وتمحو كل أثر لتقرير القاضى الدولى جولدستون، الذى أدان الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل بحق القطاع. ذلك أن من يصدق هذا الكلام لابد أن يخلص إلى نتيجة مفادها أن أهل غزة إذا كانوا على تلك الصورة التى قدمتها وسائل الإعلام الحكومية، فإنهم يستحقون ما فعلته ولاتزال تفعله إسرائيل بهم.

 

المدهش فى الأمر أن الإعلام فى مصر، الذى تحركه السياسة. لكى يكسب معركة تكتيكية محورها الجدار، فإنه بات مستعدا لخسران علاقة إستراتيجية سواء مع قطاع غزة أو مع محيط مصر العربى. أما ما هو طريف حقا ومحزن أيضا، فإن الإعلام الذى ما برح يكيل الاتهامات لكل من انتقد الجدار من المصريين أو العرب، وقف صامتا وخجولا أمام أكثر من ألف ناشط قدموا من أوروبا والولايات المتحدة وكندا لنصرة غزة والدعوة إلى رفع الحصار عنها. كأن الناقدين ينبغى أن يحملوا جوازات سفر أجنبية لكى يعاملوا فى مصر بما يستحقونه من احترام واحتشام.