خبر ما أحوجنا لفضائية الجزيرة! ..د. فايز أبو شمالة

الساعة 06:52 ص|04 يناير 2010

ما أحوجنا لفضائية الجزيرة! ..د. فايز أبو شمالة

كأنها اخضرار فلسطين، أو كأن فلسطين صاغت فضاءها العربي الخالص، لتصير فضائية متخصصة تسبق الحدث، وتلحق البؤر الساخنة بأمانة مهنية، وأداء ينفض الغبار عن جدران القلب، ولا يلغي العقل، فالجزيرة فضائية تعرف أن القضية الفلسطينية هي الجمرة التي توقد الكرامة عند العرب والمسلمين، لذا تلتقط النار المصبوبة على غزة، وهي تحيي أيام الحرب التي عاشت تفاصيلها قبل عام، تعاود صياغتها من جديد، وهي تنتقل مع رجال المقاومة الفلسطينية إلى الثغور، وتعبر مكامنهم، وتكشف عن قدراتهم العسكرية بشكل يخذل كل متشكك بالمقاومة، ثم؛ نراها تمسُّ الجرح الطازج في رفات الشهداء، وتنبش في الركام، وتضيء بالكاميرا عتمة البيوت المهدّمة، لتقول لكل متشكك بجرائم الاحتلال، هذه هي (إسرائيل)، وهذه هي جرائمها التي تفضح من يحاول أن يتستر على عورتها.

 

وكما لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، وكما لا يسلم الكاتب النزيه من التشويه، لم تسلم فضائية الجزيرة، فما أكثر الكارهين للحقيقة! وما أقسى المحاربين لحرية الكلمة! وأولهم؛ أولئك الذين لديهم ما يخفونه، ويخافون منه، ولا يرغبون بكشفه إلا من خلال كشوفهم، وفوهات إعلامهم، فراحوا يقذفون الجزيرة بالمنكر، ويرجمونها بالحصى والكلام. وهذا ما أدركته فضائية الجزيرة وهي تمشي ممشوقة القامة، دون الالتفات إلى الخلف، لأنها تعرف أن غمز المشككين في نزاهتها يهدف إلى الحد من اندفاعها، وارتقائها، وحضورها النابض في قلب الحدث، وهي تنقل لجميع العرب ما يهمهم، ويستنهض همتهم، وتقدم ما يجمعهم، وما يوجعهم في آن، وتثير فيهم الشفقة، وتمسك معهم الدمعة، لتسقي أشجار النخوة العربية، فإذا بفضائية الجزيرة ملتقى أحوال العرب، ومصدر تحولهم من الركود إلى الحراك، لتصير الأولى، وتصير الأَوْلى من غيرها باللغة العربية التي يجتمع على حوضها كل الناطقين بالضاد، ويشرب من ماء إعلامها كل العارفين بأصول الوطنية، وقواعد الانتماء.

 

عبْرَ "فِلَسْطين"، ومن أرضِ غزة المقاوِمَةِ للمذلّة والحصار، أمسح بمنديل المحبة حبات العرق عن جبين الجزيرة، وهي تلمس بندى الصباح ورد القلوب، وهي تفتح بذبذباتها نوافذ المعرفة للعقول، وهي تطبع وجدان فلسطين على المرايا، لينعكس في صورة كل إنسان يكره العدوان، ويحكي لسكان الأرض عن المكان الذي تمرد على حصار الطغيان، لأزعم: إن تأثير الجزيرة الفكري والثقافي والسياسي لا يقف عند حدود نقل الخبر، وملاحقته، والتعقيب عليه، وإنما في تأسيسها إعلاماً عربياً حراً من القيود، منزهاً عن المصالح الضيقة، يبني قواعد ثقافية مشتركة لأمة ذات رسالة فكرية خالدة، ستجد مكانها في المستقبل القريب بين الأمم.