خبر المدمنون -هآرتس

الساعة 09:50 ص|30 ديسمبر 2009

بقلم: ألوف بن

 (المضمون: صمت المستوطنين، بعد أن رشاهم نتنياهو ببضعة قروش، يدل على عمق تعلقهم بالمؤسسة - المصدر).

بنيامين نتنياهو نجح. قراره بضم عشرات المستوطنات المنعزلة الى مناطق الاولوية الوطنية، فور اعلانه عن تجميد البناء خلف الخط الاخضر، حقق هدفه: احتجاج المستوطنين ضد التجميد انطفأ. وبدلا من التظاهر ضد "الكتاب الابيض لبيبي"، وبدلا من الصراخ وتمزيق الاوامر امام عدسات التلفزيون، ينشغل المستوطنون بالميزانيات الاضافية التي سيتلقونها من ذات الحكومة الشريرة.

        رئيس الوزراء ركل ايديولوجيته خشية المواجهة مع الادارة الامريكية ومناورته اظهرت أن المستوطنين لا يختلفون عنه. فقد ظهروا مرة اخرى كمدمنين على الدعم الحكومي. ومثل المدمنين على المخدرات، او السجائر فان المستوطنين ايضا يكتفون ببارقة دعم ويدعون جانبا المعتقد والمبادىء. المهم تحقيق الهدوء في أزمة الادمان.

        المستوطنون يحبون ان يصفوا أنفسهم كطلائع، يقومون بعمل بطولي في صعودهم الى تلال السامرة وجبال يهودا كي يستوطنوا اقاليم الوطن القديمة ويكافحوا العرب في المحيط. روايتهم تربط الخلاص الديني، القصة التوراتية والتاريخية الصهيونية، والمستوطنات تعرض فيها كخليط من مملكة يهودا العتيقة ببلدات السور والبرج في عهد الانتداب البريطاني. الحكومة في القدس، مثل ابطال كتاب الملوك، تفعل مرة في صالح "الاستيطان" ومرة اخرى تقع في الخطيئة ويصبح من الواجب القتال ضدها.

        هذه اسطورة جميلة، تلائم القناع في عيد الصعود الى الارض. اما في الواقع، فان المستوطنات لم تقام بأمر الاهي بل بقرارات اتخذها وزراء وموظفون وهي لا تبقى بقوة الوجود بل بدعم الدولة. ذات الدولة التي اعطتها الاساس القانوني، وفرة الاراضي، الحماية والميزانيات. لا يوجد أي قدسية في قرارات اللجان الوزارية لشؤون الاستيطان، والتي بقوتها اقيمت المستوطنات ولا حتى في النشاطات التي قامت بها الوزارات الحكومية والسلطات المحلية لتطوير البؤر الاستيطانية.

        التشبيه بالطلائع الذين كانوا ذات مرة بالذات غير مدحوض. من عهود الهجرات الاولى خطط للاستيطان اليهودي في البلاد نظم ودعم من فوق. البارون روتشيلد ساعد القرى الزراعية الاولى، والحركة الصهيونية ورثته. مستوطنو تل الامل وحنيتا لم يكونوا مستثمرين بل مبعوثي الحركة الذين اطاعوا مؤسساتها. وبعد قيام الدولة، بادرت الحكومة وخططت ودعمت الاستيطان ماليا، وذات النموذج نسخ أيضا الى المناطق التي احتلت في 1967. وحتى في السنوات الاولى من مشروعهم، حين فرض المستوطنون انفسهم زعما على الحكم – مثلما في الخليل او سبسطيا – فانهم حظوا على الفور بالاعتراف وبالدلال من السلطات.

        مأساة المستوطنين تنبع من احساسهم بان الصفقة التي عقدوها مع الدولة احادية الجانب. فما أن صعدوا الى التلال، محظور اعادتهم. اما الدولة فتفكر بطريقة اخرى. اذا ارادت فتسكنهم وتلاطفهم واذا ارادت تخليهم وتهدم بيوتهم. هكذا فعلت في سيناء، في غزة وفي شمالي السامرة. الدولة منحت المستوطنات "اولوية وطنية" الى أن ادارت لمعظمها ظهر المجن، وركزت على تطوير الاستيطان اليهودي في شرقي القدس وفي الكتل الكبرى. وكانت النتيجة أن اقلية فقط مستعدون للسكن في المستوطنات التي خارج جدار الفصل او حتى زيارتها.

        توجد أقلية في اوساط المستوطنين تتمرد على حياة التعلق، ترفض صلاحية الدولة التي خربت غوش قطيف وتهدد بالرفض. متطرفوها يقولون انهم سيفضلون العيش في دولة فلسطينية اذا ما انسحبت اسرائيل من التلال. بلاد اسرائيل أهم لهم من الدولة الصهيونية.  ولكن الاغلبية المؤطرة ليست هكذا. شيوخ القبيلة لدى المستوطنين لا يزالون يأملون بان يتغير اتجاه الريح، وتعود الدولة لتمنح "اولوية وطنية" لفروعها خلف الجدار، وتدفع لها بمئات الاف اليهود الذين سيضعون حدا لرؤيا التقسيم ويدحرون العرب الى الخارج.

        في هذه اللحظة يبدو ان هذا لن يحصل. المستوطنات المنعزلة ستواصل الرضاعة من الدعم المالي الحكومي والعيش تحت ظل رعايتها الى أن يتقرر اخلاؤها. صمت المستوطنين، بعد أن رشاهم نتنياهو ببضعة قروش، يدل على عمق تعلقهم بالمؤسسة. وحتى بعد ان يخليهم، سيواصلون طلب المساعدة من السلطات: بطاقة للاسكان، مساعدة في التشغيل، ربط بالانترنت. مثلما حصل للمستوطنين من غوش قطيف. هكذا يحصل عندما يكون الناس مدمنين.